الصفحة الأساسية > البديل الوطني > حرية الإعلام عصية أبدا على الحرية
حرية الإعلام عصية أبدا على الحرية
21 شباط (فبراير) 2009

في تقرير حول حرية الإعلام في المغرب العربي والشرق الأوسط، صدر خلال هذا الشهر عن "مركز الدوحة لحرية الإعلام"، الذي يديره الأمين العام السابق لـ"مراسلون بلا حدود" روبير مينار، قدّم المركز كشفا حادا للتجاوزات في حق 20 بلدا يكونون هذا الإقليم. وجاء التقرير تحت عنوان: "حرية الإعلام في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عصية أبدا على الحرية".

وقد أكد هذا التقرير على أنه رغم التقدم الذي عليه التشريعات في أغلب تلك البلدان وبعض الانفتاح الذي عليه بعضها، فإن حرية الإعلام تبقى عالما مجهولا في تلك الأصقاع حيث يلاحظ "إجماعها على ضبط الإعلام" حيث و"بعيدا عن الاختلافات الإيديولوجية، تتوافق دول المنطقة على اعتبار أن حرية التعبير تشكل خطرا يتهددها، وأن المؤسسات الإعلامية التي تدافع عنها تمثل تهديدات كامنة تتهددها".

ويذهب التقرير إلى أنه رغم سوداوية المشهد الإعلامي فإن "موازين القوى تحرز تقدما ملحوظا في الاتجاه الصحيح وتتراجع الخطوط الحمراء" وذلك بفضل جرأة الصحافيين وإقدامهم الذي كثيرا ما يقودهم إلى السجون التي يعرف نزلائها من الإعلاميين ارتفاعا ملحوظا وخاصة من المدونين.

وإن يدعو المركز البلدان المعنية إلى "مواجهة العوائق الفعلية التي تعرقل مسار حرية الصحافة"، فإنه يعول في ذلك بالأساس على المؤسسات الإعلامية في مكافحة الرقابة الذاتية، وعلى الصحافيين في التسلح بالشجاعة لمواصلة النضال في سبيل الحرية، وعلى المواطنين لضرورة المساندة في هذه المعركة التي لا تعني أهل المهنة وحدهم.

وفيما يتعلق بتونس، وتحت عنوان: "تونس: الصحافة المستقلة على شفير الانقراض" جاء ما يلي:

"ألقت حركة الاحتجاج الاجتماعية التي شهدتها منطقة قفصه المنجمية جنوب غرب البلاد على مدى ستة أشهر بظلالها على العام 2008. وأمام مطالبة المتظاهرين بإرساء سياسة محلية تهدف إلى تخفيض معدل البطالة، هو الأعلى في البلاد، ردّت السلطة بالقمع.فأقدمت وحدات من القوات المسلحة على توقيف عشرات الأفراد، إلا أن الصحافة الرسمية والمؤسسات الإعلامية التابعة للسلطة لم تكد تذكر الموضوع مرة واحدة حتى سارعت وكالة الأنباء التونسية-الرسميةـ إلى الاستحواذ عليه، ليس بالتنديد بالقوة غير المتناسبة التي لجأت إليها الأجهزة الأمنية وإنما لطمأنة الرأي العام وتبخير خطة "الاستثمار" الكبرى التي طرحها زين العابدين بن علي. وحدها قناة التلفزيون المستقلة "الحوار التونسي"، التي تبث عبر القمر الصناعي "هوت بيرد" غطت الأحداث على نحو واسع، حتى باتت منبرا لكل من هم غير مرغوب فيهم في قفصة. وقد سمحت الصور التي نقلتها هذه القناة بتنبيه الرأي العام الوطني والدولي إلى التجاوزات المرتكبة في المنطقة. وبينما كان قادة النقابات الذين نظموا هذه الحركة الاحتجاجية يتعرضون للتوقيف ومن ثم الإدانة في المحكمة الابتدائية بعقوبات بالسجن المطبق تصل إلى عشرة أعوام، كانت السلطات تسطر مذكرات توقيف بحق مراسل "قناة الحوار التونسي"، فما كان من فاهم بوكدوس إلا أن لاذ بالاختباء منذ الخامس من تموزـيوليو 2008 علما بأنه حكم عليه غيابيا بعد بضعة أشهر لمدة ستة أعوام بتهمتي "تكوين وفاق إجرامي من أجل الاعتداء على الأشخاص والممتلكات" و"نشر أخبار من شأنها الإساءة إلى النظام العام". وفي31 كانون الأول ديسمبر2008 كان الصحافي لا يزال متواريا على الأنظار.

صحافة مستقلة مزعزعة:

إن بقاء وسائل الإعلام المستقلة من بينها قناة "الحوار التونسي" أو المجلة الإلكترونية "كلمة" كما الصحف التابعة لأحزاب المعارضة شأن "الموقف" والمطبوعة الحديثة الولادة "مواطنون"، رهن بأهواء السلطات التي تستخدم هذه المنشورات للتبجح بتعددية المشهد الإعلامي التونسي. إلا أن وسائل الإعلام هذه تواجه مشاكل كبيرة أكان من حيث الضغوط المالية، أو القضائية، أو الأمنية، وتخضع مقراتها لمراقبة عناصر من الشرطة بلباس مدني فيما يتعرض موظفوها للملاحقة والمضايقة ونادرا ما يتلقون بطاقاتهم الصحافية وبالتالي يستبعدون من الأحداث الرسمية.

لا تزال أسرة تحرير "كلمة" مضطرة منذ حوالي عشرة أعوام لإدارة صحيفة إلكترونية يستحيل ولوجها في تونس من دون اللجوء إلى خادم بروكسي لأن السلطات العامة لم تمنحها بعض المستندات التي تخول لها طباعة منشوراتها. وتواجه مطبوعات أخرى بتدابير رقابية غير مباشرة على غرار الأسبوعيتين الناطقتين بالعربية "الموقف" و"مواطنون" اللتان يصعب إيجادهما في أكشاك الصحف بالرغم من توزيعهما الواسع وطنيا. أما السبب الأساسي فيكمن في تعرض موزعي وبائعي الصحف لضغوط بعدم توفيرهما وحتى إخفائهما. والواقع أن هاتين الصحيفتين متورطتان في إجراءات قضائية يعتبر المسؤولون فيهما أنها موجهة من السلطة. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية المرتقبة في الخريف المقبل والتي سيباشر الرئيس زين العابدين بن علي بولاية خامسة بموجبها، تخشى وسائل الإعلام المستقلة التونسية تشدد سياسة الاختناق هذه.

رهان قهري:

عشية الاستحقاق الانتخابي، قرر فريق عمل "كلمة" إطلاق إذاعة ليس على الأثير التونسي بما أنها لن تحض بأيّ فرصة للحصول على ترخيص، وإنما على الإنترنيت والأقمار الصناعية. بالإضافة إلى الصعوبات المالية لا سيّما أنها لا تستفيد من أي عوائد إعلانية أو أي إعلانات من الدولة، لم ينج فريق عمل إذاعة "كلمة" من قبضة السلطات التونسية. ففي 26 كانون الثاني يناير2009 وهو تاريخ إطلاق بث المحطة على القمر الصناعي "هوت بيرد" طوّقت الشرطة مقر إذاعة "كلمة" مانعة الصحافيين المتواجدين بداخله من الخروج، والضيوف القادمين من الخارج من الوصول إليه. وبعد عدة أيام حاصرت الشرطة من جديد المقر واستولت على معدات التحرير وختمت بالشمع الأحمر أبواب الاستوديوهات. كما وجّهت للمسولين تهمة ممارسة تهمة ممارسة نشاطات إعلامية بدون ترخيص.

الإفراج عن سليم بوخذير بعد أكثر من سبعة أشهر من احتجازه:

وضع الإفراج المسبق عن الصحافي سليم بوخذير في 21 تموز يوليو 2008 حدا لإقامة صعبة في السجن تخللها المرض وشعور عارم بالخطر. وكان سليم بوخذير قد أُعتبر مذنبا في نهاية محاكمة ملفقة، ليس بسبب كتاباته التي يندد فيها باستمرار بمشاكل المحسوبية في أعلى دوائر السلطة كما في الحالات السابقة، وإنما حكم عله بالسجن لمدة عام بتهم "إهانة موظف في أثناء أداءه واجبه المهني" و"انتهاك الآداب العامة" و"رفض تقديم أوراق ثبوتية". ومنذ خروجه من السجن استعاد الصحافي حرية تعبيره بالرغم من التهديدات المتزايدة المحدقة به، غير أن عناصر من الشرطة بلباس مدني أقدموا في أيلول سبتمبر 2008 على اعتقاله في صفاقس جنوب شرق البلاد واقتياده خارج المدينة لاستجوابه ودفعه إلى التوقف عن النشر".

وقد تزامن هذا التقرير مع تقريرا آخر أصدرته يوم 11 فيفري منظمة "مراسلون بلا حدود"، تحت عنوان: "تونس: جرأة الإعلام"، عدّد مختلف الانتهاكات في حق الإعلاميين مصورا تونس بلدا تستحيل فيه ممارسة العمل الصحفي المستقل. غير أن السلطات التونسية، كعادتها، وفي ليّ لعنق الحقيقة لم تر في مجمل الحقائق الواردة في التقرير غير مجرد معطيات عارية عن الصحة. فقد أوردت وكالة الأنباء الفرنسية، يوم 12 فيفري الجاري أن السلطات التونسية رفضت جملة وتفصيلا ما ورد في تقرير المنظمة حول أوضاع الحريات في تونس وبالخصوص حرية الصحافة معتبرة أنها "تواصل ديناميكية تعزيز متواصل للحريات ومن بينها حرية الصحافة". وكانت "مراسلون بلا حدود" قد دعت يوم الأربعاء 11 فيفري الرئيس الفرنسي إلى ضرورة تعبيره أمام الملأ على انشغاله بوضع الحريات في تونس، وذلك في علاقة بالعراقيل التي تعترض وسائل الإعلام المستقلة في تونس.

وقد أكدت وكالة الأنباء الفرنسية، أن مصدرا حكوميا تونسيا قد نفى وجود قيود أو ضغوط على الصحافة المستقلة أو المعارضة معتبرا أن "إنجازات حرية التعبير وحرية الصحافة هي أمر واقع" وأن "تسعون بالمائة من الصحف تعود إلى خواص الذين يتحكمون وحدهم في محتوياتها" وأن "الفضاء السمعي البصري مفتوح اليوم أمام الخواص".

كما كذبت السلطات التونسية حديث المنظمة عن انعدام الحوارات السياسية في التلفزات والإذاعات الخاصة، وعن الإغلاق المتواصل للمواقع الإلكترونية التي تنقد السلطة مؤكدة أنها تتصدى فقط للمواقع التي تدعو للعنف أو التي تعتدي على الأخلاق الحميدة.

وفي علاقة بحالة الصحافي الفاهم بوكدوس مراسل قناة الحوار التونسي الذي حوكم غيابيا يوم 11 ديسمبر الماضي بستة سنوات سجنا على خلفية تغطيته لأحداث الحوض المنجمي، فقد صرح المصدر الرسمي التونسي لوكالة الأنباء الفرنسية أنه أُحيل وفق "وفاق جنائي" وتبعا لـ"جرائم حق عام لا علاقة بها بممارسة الصحافة".


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني