الصفحة الأساسية > البديل الوطني > حفاظا على الذاكرة واستجلاء للحقيقة ودفاعا عن استقلالية الحركة النقابية
في الذكرى 28 لأحداث 26 جانفي 1978:
حفاظا على الذاكرة واستجلاء للحقيقة ودفاعا عن استقلالية الحركة النقابية
25 كانون الثاني (يناير) 2006

"هل يكون للعمل النقابي معنى بدون الضمانات الأساسية للحريات التي يطمح إليها كل إنسان في العالم؟ وهل يمكن تحقيق الإنجازات الإجتماعية والاقتصادية لدى شعب لا ينعم بثمار الديمقراطية؟ وكيف يمكن للحركة النقابية أن تتطور في بلد لا يوجد فيه ضمان للحريات الفردية؟" فرحات حشاد 1949

يحيي الشغالون والنقابيون التونسيون هذا الخميس الذكرى الثامنة والعشرين لأحداث 26 جانفي 1978 الدامية. ففي هذا التاريخ نفذ العمال والنقابيون قرار الإضراب العام الذي كانت اتخذته قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل بزعامة الحبيب عاشور للدفاع عن استقلالية المنظمة الشغيلة والتصدي لتردي أوضاع الشغالين المادية والمعنوية وتفاقم ظاهرة سوء التصرّف في المال العمومي والاعتداء على الحريات الفردية والعامة.

وقد كان ردّ فعل نظام الحكم على هذا الإضراب، الذي لاقى تأييدا شعبيا واسعا، قمعيا ودمويا. فقد سقط يوم 26 جانفي 1978 العشرات من المتظاهرين العزّل برصاص البوليس والجيش وميليشيات الحزب الحاكم. وأوقف المئات من المسؤولين النقابيين الذين تعرضوا للتعذيب مما أدى إلى وفاة اثنين منهم هما المناضلان حسين الكوكي وسعيد قاقي. وقد أحيل النقابيون على المحاكم بتهم مفتعلة وزج بهم في السجن. ونصّب على رأس الاتحاد أشخاص موالون للحكومة.

ولكن بفضل صمود النقابيين داخل السجون وخارجها وتمسك الشغالين بهياكلهم الشرعية وتضامن القوى الديمقراطية والتقدمية في تونس وفي كافة أنحاء العالم، لم تمض سوى فترة قصيرة حتى أطلق سراح كافة النقابيين المسجونين وعاد الشرعيون إلى مراكزهم وأطرد المنصّبون. غير أن السلطة التي ظلت ترفض وجود اتحاد مستقل عاودت الهجوم عليه في منتصف الثمانينات وافتكت مقراته بالقوة الغاشمة وسلمتها إلى جماعات موالية، لا صلة لها بالعمل النقابي واستغلت هذا الظرف لتكثيف الاعتداءات على حقوق الشغالين.

ولئن تعهّد نظام الحكم بعد 7 نوفمبر 1987 باحترام استقلالية المنظمة الشغيلة، فإنه ما إن ثبّت نفسه حتى سعى من جديد إلى إخضاعها ليجعل منها سندا للحكم الفردي المطلق وتزييف الإرادة الشعبية وقمع الحريات وانتهاك حقوق الإنسان وفرض اختيارات اقتصادية واجتماعية (خوصصة، تخفيض النفقات العمومية في مجال الخدمات الاجتماعية، الإلغاء التدريجي لصندوق التعويض، مرونة التشغيل ...) أدّت إلى تفاقم الطرد التعسفي والبطالة وتدهور المقدرة الشرائية وتردي الخدمات الاجتماعية في الوقت الذي يزداد فيه الإثراء غير المشروع في القطب المقابل وتتفاقم ظاهرة الفساد وإهدار الثروة الوطنية.

إن الحركة النقابية تواجه اليوم كما بالأمس نفس التحديات وفي مقدمتها الدفاع عن استقلاليتها التي تمثل ضمانة أساسية لتأسيس حياة نقابية ديمقراطية وللدفاع عن مصالح الشغالين وعن طموحهم إلى العدالة الاجتماعية والانخراط في نضال المجتمع المدني من أجل الحرية والديمقراطية إذ لا حرية نقابية في مناخ غير ديمقراطي، لا تتوفر فيه الحريات الأساسية. وقد ازداد الوعي داخل الحركة النقابية بهذه المسألة وتنامى التعبير عنها خلال السنوات الأخيرة من خلال المواقف التي اتخذها النقابيون وهياكلهم في عدد من القضايا الوطنية السياسية والاجتماعية، من بينها مساندة تحرك 18 أكتوبر 2005 من أجل الحريات.

إن هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات إذ تقف إجلالا لشهداء 26 جانفي 1978، تؤكد مساندتها للحركة النقابية في نضالها من أجل استقلاليتها وصون كرامة العمال وحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية وتعتبر أن المكان الطبيعي لهذه الحركة هو ضمن قوى الديمقراطية والتغيير وليس إلى جانب القهر والاستبداد. وتدعو الهيئة بهذه المناسبة كل النقابيين الأحرار وكافة الديمقراطيين رجالا ونساء إلى التصدي لرفض السلطة فتح ملفات الماضي ولمحاولات محو الذاكرة وتشريع الإفلات من العقاب وردم الحقيقة، وذلك بمواصلة النضال من أجل فتح تحقيق جدي ومستقل حول أحداث 26 جانفي 1978 الدامية ومحاسبة المسؤولين عن أعمال القمع والقتل ونشر قائمة اسمية في كل الضحايا وردّ الاعتبار إليهم بإدراجهم ضمن قائمة شهداء تونس وتقديم التعويضات المناسبة لعائلاتهم.

كما تتوجه الهيئة بنداء إلى الاتحاد العام التونسي للشغل من أجل إدراج ذكرى 26 جانفي 1978 ضمن المناسبات الرسمية التي تحتفل بها الحركة النقابية في كل سنة وإقامة نصب تذكاري بساحة محمد علي ذات التاريخ المجيد تخليدا لتضحيتهم من أجل استقلالية الاتحاد وكرامة العمال.

هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات
تونس في 25 جانفي 2006


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني