الصفحة الأساسية > البديل الوطني > "حق العودة" التونسية (مساهمة في نقاش)
"حق العودة" التونسية (مساهمة في نقاش)
الجزء الثاني
30 أيار (مايو) 2009

1 - المهجّرون

إسلاميون أم تونسيون؟

تردّد السلطة التونسية، أن الذين يطالبون بحق العودة ليسوا سوي مجموعة من الإسلاميين الفارين من العدالة، وأنهم ارتكبوا جرائم حق عام وجب معاقبتهم عليها كغيرهم من المواطنين التونسيين، وتضيف أن حق العودة مكفول، وليس هناك قضية تسمى حق العودة، وأن هذا الادعاء هو عملية سياسية لبعض المتطرفين وأكبر دليل على ذلك عودة العديد من المغتربين دون أن تطالهم ملاحقات.

"يؤكِّـد السيد برهان بسيس من جهته، أنه لا يعتقد بأن مسألة العودة «تشكِّـل مِـحورا للنقاش يمَـس جوهر المسألة السياسية في تونس»، وأنه «لا يختلف اثنان في أن مِـن حقّ التونسيين المقيمين خارج البلاد لأسباب شتى من العودة إلى بلادهم متى شاءوا»، والمشكلة من وجهة نظره تكمُـن في أن «من يمسكون بالجهاز التنظيمي في الخارج لحركة النهضة، غير المُـعترف بها، يعملون على تحويل هذه القضية إلى مِـلف سياسي وجزء من مقايضة، ولو على حساب مصالح الأشخاص وحقوقهم الطبيعية»" (صلاح الدين الجورشي، من التجربة التونسية: انقسام الإسلاميين حول مسألتي العودة، 13 جويلية 2008).

كما أن التصريحات الرسمية هي ذاتها نفس التصريحات لم تتبدّل فقد أكد وزير العدل على أن "التونسيّون الموجودون بالخارج والّذين يُعتبرون أنفسهم مُبعدين ويتحدّثون عن حق العودة، نقول لهم تونس مفتوحة لكلّ التونسيّين دون استثناء، ومن صدرت بحقهم أحكام فإنّهم إمّا وقد انقضت العقوبة بمرور الزمن أو أنّ عقوبتهم لم تنقض بعد وهو ما يستلزم إجراءات قضائيّة في الاعتراض" (وزير العدل التونسي "السياسية" (اليكترونية – تونس) بتاريخ 26 ماي 2009)

هذا الموقف مبنى على ثابت للنظام التونسي والمتمثل في نفيه الدائم لأية انتهاكات يقوم بها ضد النشطاء السياسيين وسواهم ،ولكن الغاية المباشرة بقول السلطة أن الذين يطرحون هذا الملف هم إسلاميون تعود لمخططاتها البوليسية لمواجهة هذه القضية أي حق العودة، والمدخل هو حصرها في الإسلاميين والمتطرفين منهم، وهو في سياق دعاية منظمة لزرع الفزّاعة أو "الغول الإسلامي" حتى يبقى مغيّما ومبررا لحملاتها الأمنية، فتجد المبرّرات أمام أيّة جهة ناقدة أو مساندة لهذا الموضوع وبالتالي سوف يكون جوهر خطابها الدعائي ضد مؤتمر حق العودة من هذه الزاوية.

إذا الدعاية التي توجهها السلطة هي عملية ديماغوجية لخدمة مصالحها السياسية والإبقاء على ملف الحريات والسلطة بشكل عام حكرا عليها ومواجهة دون ذلك بالسيطرة.

من جهة ثانية يروّج بعض الإسلاميين أن هذه المحنة أي اللجوء، هي محنة للإسلاميين، وتدور تحليلاتهم حول نقطة واحدة ووحيدة هي أن الإسلاميون هم الأكثر اضطهادا في تونس، وهم الذين يدفعون ضريبة ذلك حتى أن بعض الكتابات ذهبت إلى اعتبار الغاية من ذلك تتجاوز المسألة السياسية لتطال المعتقد حيث أن الهجوم يتم على الإسلام ومن يحمل لواءه.

يعود هذا الموقف إلى قسمين فهناك من يردّد ذلك لغاية سياسية واضحة وهي وضع المعركة الداخلية والخارجية بين طرفين أساسيين وهما السلطة من ناحية وضحايا السلطة مقابل ذلك، وهؤلاء الضحايا هم الإسلاميون. وأن الصراع يدور بين قطبين أساسيين وما تبقي فهو على الهامش.

أما القسم الثاني فهو تعبير إيديولوجي يحوم وسط دائرة لا ترى في التاريخ التونسي إلا "أهل البيت" منهم وهي قليلة المعلومات والمعطيات والتطورات التي تحدث صلب حركة المجتمع والحركة السياسية التونسية وهي ترى أن مواجهة السلطة للمجتمع وحركاته بدأت وتواصلت مع الإسلاميين ولفك هذه المأساة يجب أن يكون الطرفان الأساسيان هما المطروح عليهما فض هذا الصراع، إمّا عبر إزالة هذا لذاك أو تنازل هذا الطرف لذاك عبر المصالحة.

أعتبر أنّ ملف اللاجئين المهجرين ليس ملفا إسلاميا من الناحية الواقعية وأنّ كلى الموقفين أي موقف السلطة وموقف بعض الإسلاميين باختلاف الواقع والمواقف والغايات ليس بالصواب بل دعاية ديماغوجية أو هي مقاربات سطحية تقف عند الظاهر المشوّه، والمعطيات الانتقائية، وفي غالب الأحيان لغايات مختلفة بما فيها من أحكام ذاتية.

لذلك أودّ تقديم جملة نقاط تجعل كلا الموقفين مدحوضين.

1 – موضوع المهجرين في تونس ليس مرتبط باللحظة الراهنة فقط بل هو موضوع له جذوره وله مخلفاته من الضحايا الذين لا بد من ردّ الإعتبار لهم منذ العهد البورقيبي وهم يمثلون عدة اتجاهات سياسية وإيديولوجية وفكرية عبر مراحل مختلفة،كما أن لكل مرحلة خصوصية تنعت بها ومن بين تلك الخصوصية أنه في كل فترة نجد أغلبية من المهجرين قريبة لاتجاه فكري وسياسي ما.

2- هذا الماضي لا يطال المجموعات السياسية وأصحاب الرأي فقط بل طال مواطنين كذلك.

3 – المهجرون في عهد بن علي هم أغلبية من الإسلاميين.

4 – خارطة التوزع السياسي لهؤلاء تغيّرت خلال السنوات الأخيرة بحكم الواقع المتغير، ففيهم من ترك الشأن العام، وفيهم من غيّر انتماءه السياسي، وفيهم من أعلن عن استقلاليته عن التنظيمات السياسية، وفيهم من التحق بصف النظام، وفيهم من عقد اتفاق مع الجهات الأمنية التونسية لترتيب عودته وقد عاد.

5 – في صلب الحركة الإسلامية هناك من ينتمي إلى حركة النهضة وهناك من ينتمي إلى حزب التحرير وهناك من يتبنى الأطروحات ولكنه غير منتظم علاوة على عدد من العناصر التي تحمل ذات الايدولوجيا ولكنها مهجّرة لأسباب أخري منها التحاقها بالعراق أو أفغانستان أو البوسنة والأمثلة تطول لذلك كل مهجر يحمل بين طياته قصة بأكملها تتجاوز مساحة انتماءه.

6 – خلال السنوات الماضية ازداد عدد المهجرين من انتماءات مختلفة منهم عناصر من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ومنهم من هم قريبون من حزب العمال الشيوعي التونسي ومنهم من عناصر الشيوعيين الثوريين (التروتسكيين) وكذلك قيادات لجمعيات حقوقية ولنقابيين ومناضلين في الحركة الاجتماعية.

7 – على إثر قدوم الانقلاب كان عناصر من اللاجئين كوادر سياسية عليا في النظام السابق كمجموعة محمد مزالى وغيرها.

هذه المعطيات تؤكد أن هذا الملف ليس خاصا بالإسلاميين بل يشمل المواطن التونسي الرافض والمعارض من السياسيين والنقابيين والجمعياتيين والمواطنين العاديين لأسباب مختلفة، والدفاع عن حق العودة اليوم هو دفاع مبدئي يرفعه المناضلون بكل صدق ومبدئية حتى يعبّر عن تاريخ تونس وتاريخ الكفاح ضد الدكتاتورية وان ادعاءات السلطة ليست إلا ذرا للرماد على الأعين وأن ادعاء بعض الإسلاميين ليس بصحيح وأنه ليس لمصلحة النضال من أجل الانتقال الديمقراطي وفض ملف الانتهاكات وإعادة الحق لأصحابه متصل بالتونسيين بكل انتماءاتهم وتعبيراتهم، إنهم مواطنون تونسيون يكافحون من اجل بلدهم وليس فئة ضد فئة.

إن الرد الواضح على أن الدرس الذي تعلمه الجميع هو الدفاع بكل مبدئية عن المواطن التونسي قبل أيّة حسابات خاصة بالانتماء السياسي وأن النظام على مرّ السنين كان يؤلب التونسي على التونسي باسم هذا الفريق ضد هذا الفريق.

إن هذا الإقرار هو الذي يعكس الواقع ولا يزيّفه كما أنه لا ينزع صفات الناس عنهم ولا يلغى أطروحاتهم ولا ينقص من كبريائهم أو تضحياتهم لأنه إقرار الاعتراف بالآخر المختلف أو المضاد بأن له دورا قد قام به وأنه لا يزال يكافح من أجله والذي بدوره يساهم في الدفاع عن المشترك ضد الجريمة المنظمة من قبل الدولة وحزبها.

2 - العودة، من الطاعة إلى التحدي.

العائدون

بالفعل هزّ موضوع العائدين عدّة تفاعلات في أوساط المهجّرين، ولقد تعددت الآراء بين المخوّن لهم والمدافع عن نفسه، بين مهاجم للسلطة التي تمكنت من التوصل إلى فض بعض الملفات عبر طريقتها باتصالات مباشرة، وبين مهاجمين لتيار سياسي بعينه باتهامه بمحاولة المناورة المستمرة بهذا الملف أو التحكم فيه ليكون ورقة ضغط خاصة بحساباته.

وإذا ما دققنا النظر في الحالات العائدة فإننا نجدها عانت من التهجير لسنوات تتجاوز الخمسة عشر عاما من غربة عن الأهل والبلاد.

ولكن تميّزت عودتهم هذه بالنقاط التالية:

- أن كافة العائدين تحصلوا على جواز السفر التونسي عبر محادثات واتفاق أمني مباشر يضمن لهم العودة دون ملاحقة أو معاقبة مقابل مطالب أصبح بعضها معلوم وبعضها لا يزال مكتوما.

- أن مغلب من كانت لديه قضايا عالقة تم تسويتها عبر حضوره إلى المحكمة والحكم عليه بتأجيل التنفيذ كما أنهم جميعا تخلوا عن حقهم في المشاركة السياسية أو النشاط المعارض للنظام وهو ما يبدو إلى حدود اللحظة للعيان وفيهم حالات انبرت تدافع عن النظام بشتى السبل وحاولت أن تلعب دور "الخدمة" للنظام عبر محاولة ترويض بعض العناصر وإقناعها "بديمقراطية النظام" وأن "الأمور تغيّرت في تونس" وأنهم "ذهلوا لما رأوه من تقدم في جميع المجالات".

- أن جميعهم تقريبا لم يستقر في تونس بل تحوّل من مهجّر إلى مهاجر.

يبدو أن هذه الاستنتاجات كلها سلبية وسلبيتها تكمن في أنها استنتاجات متصلة بخلفية فكرية وسياسية مناهضة للحكم وتعمل على عودة دون هذه العودة وفي الحقيقة فأنني من بين من يسند هذه الاستنتاجات. ولكن هذا لا يعني من أنه ليس هناك استنتاجات أخري مثل أنهم تمكنوا من العودة في ظل واقع كان من الممكن ألا يعودوا في ظله ثم أن ما كان عالقا في ذمتهم من قضايا قد فضّ، كما أنهم تمكنوا من إحداث مصالحة مع أهلهم وذويهم وقدموا لأبناءهم فرصة العيش الطبيعي وغيره من الاستنتاجات المتصلة بالأبعاد الذاتية خاصة.

إذا كان هناك استنتاجات متضاربة حد التضاد من هذه المسالة فكيف يمكن تحديد نقطة للنقاش؟ أعتقد أن هذه النقطة وهي الأساسية تكمن في الموقف من السلطة، من هذا الحكم وهي نقطة الفرز الحقيقية.

ولكن ماذا يعنى ذلك؟

النقاش الذي دار بين العائدين وسواهم حام حول حق العودة الفردية أو "الخلاص الفردي" وبين فكرة العودة الحزبية أو السياسية. ويبدو أن الفرق بين هذين الاختيارين أن الأول يعني عودة خاضعة لشروط السلطة التي لا تريد التعاطي مع ملف جماعي أو سياسي وإنما حاولت اختراقه عبر الحالات الفردية أو ما تسمّيه بـ"الحل الإنساني" وبين مهجّرين يرون أن الملف هو بالأصل سياسي ولابد أن يكون له حل جماعي لذلك سادت حالة من التوتر بين الطرفين.

أعتبر أن الموقفين خاطئين لأن موقف "الخلاص الفردي" من المفترض أنه ينطلق من فرضية أن هناك اتفاق جماعي على البقاء في المهجر وأن هناك خلاص جماعي أما دونه فهو الخيانة بعينها، ولكن إلى حدود علمي أن الضرورة هي التي حتمت على هؤلاء التونسيين التواجد على أرض الغربة وبشكل فردي وليس جماعي وأن الغربة ليست حالة تعاقدية بين جماعة وإنما هي قرارات فردية تتخذ بكل حرية من الفرد ذاته وكذلك العودة هي قرار فردي لا أحد له الحق في التدخل فيه حتى لو كان مآله واضحا وهو السجن مباشرة..

بذلك لا يمكن لأيّ كان تخوين العائدين تحت أية ادعاء انه من حقهم العودة كما اختاروها هم.

أما القول بأن موقف مغلب العائدين موقف مساند للدكتاتورية ويجعلهم خدما في ركابها فهذا لا يعني بالمرة أن نعترض على حقهم في العودة ولا نشترط أن يكون موقفهم ثوريا وجماعيا أو هم خونة ومتآمرون لأنهم قبل كل شيء لهم حرية الاختيار فيما يفعلون خاصة أنهم قدموا تضحيات واختاروا العودة على طريقتهم فهذا شأنهم وكونهم غيّروا مواقفهم السياسية فهذا شيء ثان.

كما أعتبر أن موقف العودة الجماعية أو السياسية أو التنظيمية هو موقف خاطئ لأنه ليس من حق أيّة مجموعة أن تتحكم في مصير شخص بإلزامه بدعوى سياسية أو إيديولوجية اختيار العيش في الغربة حتى يتم التوصل إلى حل شامل.

كما لا يوجد أيّ حزب أو منظمة ينصّص نظامها الداخلي أو قانونها الأساسي على أن قرار العودة هو قرار جماعي أو مشروط، ولكن هناك التزام بالموقف السياسي أو غيره من المواقف التعاقدية، والحال أن الغربة ليست حالة تعاقدية بالمرة.

فمثلا صراعنا مع العناصر التي عادت إلى تونس وأصبحت تدافع عن النظام، نصارعهم ليس على قاعدة عودتهم من عدمها وإنما لأن موقفهم السياسي يدافع عن الجلاد وعن هذا النظام البشع.

إننا نقف إلى جانب مطلب حق العودة وأن تكون هذه العودة شاملة والشمولية هنا لا تعني أن يكون الجميع في حافلة واحدة أو طائرة واحدة ربما لأنها ضيقة لا تسعنا جميعا، بل شاملة بمعنى أن يكون القرار السياسي الذي يجب على السلطة التونسية أن تقره يكون شاملا، أي يتمتع به الجميع دون شروط مسبقة ودون تفرقة أو تمييز والذي بموجبه يتم فض هذا الملف نهائيا وأعتقد أنه إما أن يكون العفو التشريعي العام أو نظام آخر دون هذا الذي يحكم الآن ويقر بحق الجميع في العودة.

لطفي الهمامي
باريس : 30 ماي 2009


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني