الصفحة الأساسية > البديل الوطني > دوائر الاحتجاج الاجتماعي تتّسع
سيدي بوزيد:
دوائر الاحتجاج الاجتماعي تتّسع
22 كانون الأول (ديسمبر) 2010

حملت الأنباء الواردة من "سيدي بوزيد" ليلة البارحة (الإثنين 20 ديسمبر) حيثيات جديدة ليس فقط عن استمرار "الحراك الاجتماعي" بمركز المدينة المذكورة لليوم الثالث على التوالي وإنّما اتّساع رقعة الاحتجاجات نحو بعض " معتمديات الجهة" وتحديدا "المكناسي" و"منزل بوزيان" و"الرقاب".

والحقيقة أن مثل هذا الانتقال وبهذه السرعة يمثل منعرجا مهمّا يؤشّر من جهة على النسق المتنامي لهذه الحركة ومن جهة أخرى على خروج الأخيرة في طور أوّل من محيطها المحلي الضيّق إلى مجالها الجهوي الرحب الذي يقرّبها من ملامسة بعض الجهات المحاذية. ولعل مدينة "صفاقس" مرجّحة قبل غيرها للسّقوط نحو الاحتجاج والغضب وهو تطوّر كارثي على نظام الحكم إن تمّ بالنّظر إلى الثّقل الاقتصادي والديمغرافي لهذه الجهة التي تمثّل بحق "عاصمة الجنوب" والمدينة الأهمّ على جميع الأصعدة بعد العاصمة تونس.

إن ذهابنا إلى ترشيح جهة صفاقس لاحتضانها أولى شرارات الاحتجاج ليس بالأمر الاعتباطي وإنما هو وليد معطيات اقتصادية واجتماعية وجغرافية. فكل هذه العناصر منظورا إليها في شموليتها وحتى تفصيلها تصبّ في تعزيز ما ذهبنا إليه، بل إننا لا نبالغ في شيء إذا اعتبرنا "سيدي بوزيد" خاصرة لمدينة "صفاقس".

وعلى أي حال، فإن الأيّام القليلة القادمة قد تكشف حدود "الحريق الاجتماعي" ومساراته الجديدة التي لا يمكن بالمرّة وضع حدود لها على الأقل بصفة آلية ميكانيكية بما ترتضيه وتخطّط إليه السلطة القائمة. فالجميع يعلم أن هذه الطّغمة الحاكمة تدير مجمل الشّأن العام في كامل البلاد وعلى جميع الواجهات وفق منظور أمني بوليسي لا يتورّع في استعمال أقسى درجات العنف ضدّ الحركات الاحتجاجية السلمية بهدف وحيد لا يتجاوز مستلزمات فرض سياسة المر الواقع والاستمرار دون أدنى ضوابط أخلاقية ولا حتى قانونية جائرة في نهب مقدّرات البلاد والاعتداء على قوت الشّعب وإشاعة الفقر والبطالة. وفي هذا السياق فقط يمكن استيعاب سياسة الفريق الحاكم في التّعاطي مع احتجاجات الأهالي بسيدي بوزيد وقبلها "بن قردان" و"الصخيرة" وبطبيعة الحال "فريانة" و"الحوض المنجمي" بقفصة.

فالنظام تعامل مع كل الاحتجاجات السّابقة بالعصا الغليظة غير مكترث بالمرّة لا بعدالة المطالب المرفوعة ولا بالطّابع المدني السلمي للمحتجّين ولا بتزايد الدّعوات والانتقادات الدّاخلية والخارجية لنهجه القروسطي المدمّر، بل إن إمعانه في هذا الخيار تزايد مع تواتر الاحتجاجات بعد "انتفاضة الحوض" التي يبدو أنها مثّلت قاعدة مادّية لتجويد التكتيك الحكومي للإجهاز على الحركات الاجتماعية الاحتجاجية وخنقها في المهد.

وبهذه الطريقة فإن نظام بن علي لم يقدر على الاستفادة من انتفاضة الحوض رغم عمقها الشعبي وتنوّع مطالبها إلا في ما اتصل بما هو أمني وهو ما لمسناه في أحداث "بن قردان" والآن بجهة "سيدي بوزيد".

فإذا كان التكتيك عبر كل المحطات واحد (القوة) والاستراتيجيا كذلك واحدة (القضاء على الاحتجاجات)، فبإمكان المرء ملاحظة بعض الفروق المتصلة بالجانب الأول وهي تقوم على العناصر التالية:
- الإسراع بتحريك الحشودات البوليسية من "العاصمة" والجهات القريبة والحصار الفوري للمدن التي تعرف توترا اجتماعيا ما.
- الانقضاض الفوري باستعمال أقسى درجات العنف ضدّ المحتجّين في الشوارع والأماكن العامة.
- الشروع في القيام بحملات إيقاف عشوائية ومدروسة منذ الساعات الأولى وفي أقصى الحالات انتظار جنح أول ليلة.
- تفكيك أوصال البلدات المعنية من خلال إقامة الحواجز البوليسية والقيام بحركات استعراضية وتوسيع صفوف الاعتقالات.
- تجنب المحاكمات أكثر ما أمكن والتقليل من المحالين على القضاء لسحب البساط أمام استقرار مرتكز حيّ للتشهير الحقوقي والسياسي.

ومن نافلة القول أن مجمل التعديلات المذكورة صبّت في اتجاه:
أولا: ربح الوقت على المحتجّين وقطع الطريق أمام تنامي حراكهم.
ثانيا: تهميش التّعويل على تخريب ميليشيات الحزب الحاكم والسلط المحلية والجهوية وكذلك البيروقراطية النقابية بالإتحاد العام التونسي للشغل وأحزاب الديكور.
ثالثا: تسريح أيدي أجهزة البوليس لتفعل ما عنّ لها ضد العزّل أيّا كانت أجناسهم وأعمارهم.

عمّار عمروسية


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني