الصفحة الأساسية > البديل الوطني > زيارة رئاسية في مهبّ الريح
زيارة رئاسية في مهبّ الريح
5 حزيران (يونيو) 2008

تناقل الرأي العام منذ منتصف شهر ماي الماضي خبر اعتزام "بن علي" القيام بزيارة لولايتي ڤفصة والڤصرين. ومنذ انتشار هذا الخبر توفرت عناصر عدّة تؤكد صحّة ما يدور وخروجه عن دائرة الشائعات الكثيرة التي نشط رواجها مؤخرا.

ولعلّ أول هذه الإشارات كان حملة الأشغال الكبيرة التي طالت مطار القصر- ڤفصة ومجمل الطريق الرئيسي والإدارات العمومية التي يُفترض مرور الرئيس منها بالولايتين.

أمّا ثاني الإشارات فقد كان خروج تأكيد شبه رسمي لتلك الزيارة من دوائر متنفذة في أجهزة الحزب الحاكم والسلطة عموما ووقع تحديد يوم 27 ماي كتاريخ لموعد قدومه. ووصل الأمر حدّ تسريب البعض تفاصيل جدول الأعمال الرئاسي.

ومع اقتراب ذلك التاريخ ارتفعت وتائر الاستعدادات بالمنطقتين، وتشابهت في الأساليب والأهداف التي لم تخرج عمّا ألفه التونسيون والتونسيات في مثل هذه المواعيد طوال عقود مضت.

نشطت حملات التنظيف، والتزويق بكلّ ما يصحبها من هدر للمال العام وتسخير يكاد يكون مطلقا للإمكانات المادية والبشرية للبلديات وغيرها لتهيئة الإطار العام الضروري لإخراج مسرحية عبثية جديدة تستهدف المغالطة وتزوير الواقع المزري لهذه المدن ومتساكنيها والجديد هذه المرّة جاء على خلفية خوف السلطات الجهوية من إمكانية تحوّل "بن علي" للمؤسسات العقابية بكلّ من ڤفصة والڤصرين مثل ما حدث مؤخرا بسجن (المرناڤية).

فما توفر لدينا حتّى الآن من داخل سجن ڤفصة والڤصرين يُثير السخرية وحتى القرف، كيف لا؟ وهذين السجنين تحوّلا إلى خلية نمل يعمل مساجينها وأعوانها وبعض مقاولي الجهتين ليلا نهارا من أجل تزويقهما وتهيئتهما كما لم يحدث من قبل.

والإدارة بالسجنين المذكورين وفرت ما كان منعدما طوال سنوات مثل تهيئة قاعتي زيارة المحامين ووصل الأمر حدّ توزيع مواد تنظيف مجانا على المساجين. ومن الغرائب أنّ بعض ما تمّ توزيعه يندرج ضمن مصنفات الممنوعات "عطورات"!! أو ما هو خارج عن مشمولات الإدارة كمعجون الأسنان والفرشاة...

اشتغل عمال الحظائر كما لم يفعلوا من قبل في تحسين مداخل المدن وواجهاتها وأُنفقت الأموال الطائلة في إصلاح النوافير المُعطّلة، وغرس الورود التي من الأكيد أنّها ستموت بعد أيام قليلة. كلّ الأمور رُتّبت وفق المثل الشعبي "المزين من برّة آش أحوالك من داخل" وما غاب عن السلطة هو التطورات التي قد تحدث على الحركة الاجتماعية المتصاعدة بڤفصة أو حتى بالڤصرين.

ومنذ البداية كانت لدينا شكوك كبيرة حول الإمكانية الفعلية لحدوث هذه الزيارة بالنظر إلى معطيات عديدة متصلة بوتائر الاحتجاج المتنامية بڤفصة وانتشار تلك العدوى لمناطق بالڤصرين ومن سوء حظ بن علي أنّ ماجل بلعباس وفريانة هما المعبر الوحيد لمروره إلى الڤصرين برّا بطبيعة الحال.

وحتى قبل حدوث مثل هذه التطورات (التحاق المتلوي بالاحتجاجات، استمرار الحراك بفريانة...) استبعدنا مثل تلك الزيارة وقلنا إنّ حدوثها إن تمّ وفق ما هو مُخطّط لها فهي فاشلة قبل حصولها بل أخطر من ذلك فهي ستمثل عنصرا إضافيا لتغذية الاحتقان القائم بتلك الربوع، إضافة إلى مراكمة خيبة وفشل جديد لهذه السلطة بالنظر لما كان مُعدّا سلفا.

فقدوم بن علي إلى ڤفصة بعد حوالي 5 أشهر من انتفاضة أهالي الحوض المنجمي بكل ما رافقها من تنكيل وحشي بالمواطنين وانكسار خطير لما يُسمّونه هيبة الدولة، لن يُغيّر ولو قليلا من اتساع الهوّة بين المحكومين وحاكمهم. والأخطر من ذلك أنّ ما تناقله الرأي العام بالجهة أن زيارته ستقتصر على ترأسه مجلس جهوي لمدّة ساعات قليلة إما بالمطار أو داخل أسوار الولاية حتّى أنّ البسطاء من الناس تندّروا بكذا عمل وقارنوه بزيارات ديك تشيني وبوش للعراق المحتل فمطار ڤفصة مثل مطارات بغداد المُحصنة بقوات عسكرية ضخمة ومقرّ الولاية مثل الساحة الخضراء هناك.

أمّا مروره للڤصرين فقد نُظر إليه شعبيا على أنه حركة استباقية للحيلولة دون انتشار العدوى التي بدأت تتسرّب إلى الأرياف المتاخمة لجهة ڤفصة كماجل بلعباس.

ومرّة أخرى حمل الواقع ما أكّد توقعاتنا فالموعد الأول أي 27 ماي مرّ دون زيارة وحتّى موعدها القادم في منتصف شهر جوان الجاري وفق المستجدات في الجهتين على الأرجح أنه سيكون وقتا عصيا لقدوم بن علي.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني