الصفحة الأساسية > البديل الوطني > شباب الرديف يركب "قوارب الموت" من أجل ملاذ آمن..
شباب الرديف يركب "قوارب الموت" من أجل ملاذ آمن..
8 كانون الثاني (يناير) 2009

نجح في الفترة الأخيرة المئات من شباب مدينة الرديف من الوصول إلى الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط عبر "قوارب الموت" المنطلقة من ليبيا، وقد تحدوا بذلك كافة العراقيل والمخاطر التي تحف بمثل هذه الرحلات.

ويبدو حسب العديد من المصادر المطلعة من قلب مدينة الرديف النابض بالنضال والتضحية بأن عدد الواصلين في الفترة الأخيرة قد تجاوز الأربعمائة على أقل تقدير دون طوابير الشباب الذين لا زالوا بإنتظار موعد "رحلاتهم".

وقد أكد الكثير من الواصلين إلى إيطاليا وتحديدا مدينة لمبادوزا على "التعامل" الإنساني من قبل سلطات الحدود الإيطالي في ظل حضور مكثف للهيئات الإنسانية و على رأسها منظمة الصليب الأحمر بالإضافة للعديد من منظمات الحقوقية والتي أبدت تعاطفا وإهتماما لا بأس به في الإحاطة المعنوية للشباب الرديف.

ويبدو أن الإهتمام الكبير بشباب المدينة الثكلى يرتكز على قساوة الواقع الذي تعيشه مدينة الرديف منذ ا أشهر من قمع مفتوح و إعتقالات وترهيب و تعذيب وقتل مما دفع بخيرة أبنائها للهجرة السرية،لاسيما وأن من الواصلين بعض الشبان الذين لازالت أجسادهم المنهكة والمتعبة تحمل آثار التعذيب وخاصة أثار الرصاص الذي إخترق عضامهم ذات يوم من جوان 2008.

لقد إختار هؤلاء الشباب الهرب من جحيم بلدتهم التي أصبحت ثكنة عوض أن تكون جنة وهم الذين قدموا الغالي والنفيس من أجل الظفر بفرصة حقيقية لحياة كريمة عبر تشغيلهم و إنتشالهم من البطالة المزمنة التي عمت كل عائلة رغم الثروات الباطنية الهائلة الرابضة في جبال الفسفاط.

"الإستعمار أرحم" رددها شيخ بعد أن ودع إبنه الشهيد، شهيد الحرية، شهيد الكلمة، شهيد الحق، البطل " حفناوي المغزاوي". ما كان شيخنا الجليل أن يطرد ويقاوم المحتل الفرنسي لينعم فلذة كبده برصاص الغدر و الجبن و هو لم يتجاوز العشرين من عمره.

"الإستعمار أرحم" صيحة مزقت صمت العشيرة، أطلقها "الحاج العيد" الذي آمن بأن تونس هي لكل التونسيين لكنه علم بأن جنازته ستنتظر ليلة العيد لكنها لن تنتظر العزيز على قلبه الحفناوي ليواريه التراب مع أهله ورفاقه..

"الإستعمار أرحم" حكمة الأب الذي إنتصر على الموت بين ثنايا دواميس الفسفاط وهو يجمع أشلاء أحد فتيانه الذي إحترق بالكهرباء، فإحتقرت قلوب أحبابه وخلف لوعة وحسرة..حسرة على بلد ينفق أسياده المليارات على الإحتفال بـ"الإستقلال" في الوقت الذي يتخبط أبناء المقاومين و"الفلاقة" في الفقر والخصاصة ولا ينالهم سوى الإقصاء والتهميش..

"الإستعمار أرحم" إنطلقت من بين ثنايا قلب مكلوم، من شفاه شيخ طاعن في السن وهو يودع أحد أبنائه المغامرين في قلب البحر من أجل فرصة للحياة بعد أن لفظته مدينته الذي إحتلها البوليس بالآلاف و أضحت "منطقة عسكرية".

هكذا طرد الآباء والأجداد فلول الإستعمار ورضي معضمهم بمنحة لا تتجاوز المائة دينار، ليأتي اليوم الذي يُدفع فيه أبنائهم لملاحقة "الإستعمار" إستجداءا لفرصة في الحياة، وفي طياتهم ولاء أعمى لتونس..

هاجروا بالعشرات وغادرو حضن البلد الدافيء ولعلهم بذلك يساهمون في حل الأزمة التي أفضت لإنتفاضة، وإنتفاضة كشفت عورة النظام ووحشيته واستبداده..

"تونس أوّلا" شعار رفه العشرات من الشباب الرديفي وهم على قارب الموت أو النجاة، من يعلم، فالفرصة مرتهنة بحالة البحر والطقس..

"تونس أوّلا" شعار تمسك به شباب الرديف و هم يودعون أمهاتهم و إخوانهم وأباهم وتراب مدينتهم التي إحتلها " تتار" النوفمبرية..

"تونس أوّلا" شعار صدحت به آلاف الحناجر في الرديف بعد أن رددوا "شغل.. حرية.. كرامة وطنية.." و "الثبات.. الثبات ضد حكم المافيات.."

"تونس أوّلا".. تونس العطاء،
تونس الصمود،
تونس التضحية،
تونس التضامن الرفاقي،
تونس المقاومة،
تونس الشعب الكادح،
تونس الدغباجي،
تونس حشاد،
تونس الطاهر الحداد،
تونس الفلاقة،
تونس البركاتي،
تونس العمال والفلاحين،
تونس المساواة،
تونس الحرية...

لقد حملوا على أكتافهم المنهكة تُونسهم/الحلم، مخلفين ورائهم تونس الإستبداد للطغمة الدستورية، مُقريين العزم على العودة لطرد المعتدين.

صـامد


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني