الصفحة الأساسية > بديل الشباب > شباب تونس 2010، أيها الشباب الواعد...
شباب تونس 2010، أيها الشباب الواعد...
نيسان (أبريل) 2010

"تونس بلد الفرح الدائم"، "تونس وطن الأعراس"...

من منا لم يسمع هذه الشعارات في القناة التونسية البنفسجية اللون (تونس7) ومن منا لم تتراقص أمام عينيه هذه الكلمات المعلقة على لافتات بشارع الحبيب بورقيبة، ذاك الشارع الذي بات ملكية خاصة لبن علي ونظامه وحزبه يمرر فيه ما يشاء من أكذوبات مبهرجة ويؤثثه من فترة إلى أخرى بالفرق الموسيقية الشعبية ليغرق الشعب التونسي الذي يعبق ألما وإجهادا في غيبوبة من الرقص والضحك ليجد نفسه قد فجر طاقاته المكبوتة ونفس عن غضبه الثائر وعاد إلى البيت "فرحا مسرورا".

وطبعا للتأكيد على هذه الشعارات جعل هذا النظام قناديل الاحتفالات لا تنطفئ. فمن الأعياد الدينية (عيد الأضحى، عيد الفطر، المولد النبوي...) إلى ذكرى نوفمبر إلى عيد الطفولة، عيد الأم، عيد الشغل...

واليوم مازلنا نعيش على إيقاع الاحتفال بعيد الشباب.

هذه الكلمة التي تزخر بالمعاني والتي أفرغوها من محتواها، هي في الحقيقة أعمق مما رسموا... فعندما نقول شباب يتبادر إلى ذهننا تلك الحيوية المفرطة وذاك النشاط العارم وإبداع بلا حدود في مختلف مجالات الحياة، شذى ورود تنهل الحلم... والشاب هو ذاك الذي يعيش فترة انتقالية ما بين مرحلة الطفولة التي خضع فيها إلى التربية الأولية داخل أسرته ومدرسته ومعهده إلخ... والتي كان فيها متقبلا أكثر منه فاعلا، وبين مرحلة الكهولة التي يبلغ فيها درجة من النضج ويتبلور وعيه بما يحيط به ويكون باتا وفاعلا مثلما هو متقبل.

وفي هذه المرحلة، مرحلة الشباب، يسعى الشاب إلى بناء شخصيته ويجدّ في البحث عن هويّته وإذا لم تتوفر ظروف مساعدة على ذلك فلن تستغرب من الحصول في نهاية المطاف على مجتمع غير متزن متكون من أفراد تعاني من المركبات والعقد والويلات.

وعندما نتمعّن في الظروف المحيطة بنا سنجد أن الشاب اليوم في تونس يعاني من العديد من الصعوبات التي تسبب فيها هذا النظام الذي أكد للجميع اليوم من خلال ممارساته القمعية على مكونات المجتمع المدني (أحزاب سياسية، جمعيات، نقابات...) أنه نظام مفلس على جميع المستويات وعاجز عن حل المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. ولم يبق له إلا العصا يرفعها بوجه كل من طالب بحقوقه وآمن بضرورة أن يكون فردا فاعلا في المجتمع لا مجرد رقم يتبجحون به أيام الحملات الانتخابية عندما يقع الإعلان عن الفوز "الساحق" لحزب بن علي، "التجمع الدستوري الديمقراطي"، وبنسب تفوق الخيال.

إن الشاب التونسي اليوم يرزح تحت ثقل الضغط المادي حيث أن العديد من الحاجيات التي كانت تعتبر ثانوية أصبح هو اليوم في أمس الحاجة إليها كوسائل الاتصال الحديثة والتي بات يعتمدها في العديد من المجالات (التعليم، إنجاز بحوث...) علما وأن اقتناء مثل هذه الوسائل يعتبر مكلفا بالنسبة لعائلة ذات دخل محدود وهو حال أغلب العائلات التونسية.

ولا بد من الإشارة إلى ظهور العديد من الظواهر التي خربت جيوب أرباب الأسر وملأت جيوب البرجوزاية الصغيرة ومن بينها نذكر ظاهرة الدروس الخصوصية حيث تحولت تلك الحصص من دروس تقوية وتقويم ودعم للبرنامج الدراسي للتلميذ إلى حصة لتمرير أسئلة فروض المراقبة والامتحانات الثلاثية. ولعل أكثر التلاميذ المتضررين من هذه "السمسرة" هم تلاميذ الباكالوريا الذين يدرسون أكثر من مادة والتي قد يبلغ مقابل الواحدة منها الـ100 دينار شهريا. إضافة إلى الارتفاع المتواصل في أسعار الأدوات المدرسية. فهل أن العائلة التونسية اليوم قادرة على تلبية كل هذه الحاجيات الضرورية للشباب في حين أن مدخولها بالكاد يملأ البطون جراء استغلال هذا النظام الرأسمالي لليد العاملة واستحواذه على المرابيح المتأتية من فائض الإنتاج (ساعات العمل الإضافية)؟ وهذه المشكلة يعاني منها أيضا الطالب الذي بات يحرم اليوم من أبسط حقوقه (السكن، الأكل...) فالمنحة الجامعية مثلا توقفت منذ سنوات عند حدود الـ550 دينار سنويا حيث أنها اليوم لا يمكن أن تسدد معلوم الكراء لـ4 أشهر ولا تكفي لتغطية مصاريف العودة المدرسية ولا لإنجاز البحوث أو العروض...

وإن كان الطالب يتمتع بـ"فرنكات جامعية" فإن المتخرجين المعطلين عن العمل قد حرموا من هذا "الدعم" ووجدوا أنفسهم أمام واقع مرير يواجهون البطالة والتشرد ويتجرعون مرارة الأسى على الشهادات التي أمضوا عمرهم في تحصيلها.

الشاب المعطل اليوم هو أيضا فئة مستهدفة وتخضع لقوانين الفساد الإداري حيث أن مبدأ الانتداب للوظيفة، عمومية كانت أو خاصة، لا يخضع لشروط الكفاءة المهنية للمترشح بل لـ"كم سيدفع؟". وأكبر دليل على ذلك أحداث الحوض المنجمي التي انطلقت أساسا احتجاجا على التلاعب بنتائج المناظرات التي قامت بها شركة فسفاط قفصة.

وإضافة إلى كل هذا التقصير من طرف السلطة والمسؤولين والتسيب الإداري.

إضافة إلى كل هذا تزداد أسعار المواد المعيشية ارتفاعا (خبز، قارورة الغاز...) لتزيد في تدهور الظروف المادية للأسرة وبالتالي للشباب.

وليت الأمر يقف عند هذا الحد، إذ أن هذا شاب اليوم، تلميذا كان أو طالبا، بات "فأر تجارب" لبرامج تعليمية مهتزة ومتذبذبة تخضع لأكثر من تنقيح في السنة الدراسية الواحدة. فلنذكر على سبيل المثال هذه المنظومة المستحدثة "إمد" والتي لم تزد التعليم التونسي إلا سطحية وتهميشا وخلقت مشاكل في علاقة بقوانينها ونظامها وسهّلت سبل النجاح لنيل الإجازة مقابل وضع شروط تعجيزية للالتحاق بالماجستير.

فإذا كان هذا الشاب الذي هو بصدد تكوين شخصية واكتساب مرجعيات ثقافية ومنهجية تحليلية تساعده على مواجهة الحياة وعلى الفهم الواضح للواقع، يخضع لتكوين متداعي لم يعمق فيه سوى الكسل فماذا سنقول عن شاب الجيل القادم الذي هو في عهدة شبابنا اليوم ونشأته هي مسؤوليتنا جميعا؟ ماذا سيقدم لهم هذا النظام التعليمي المتآكل والمستورد من البلدان الأوروبية؟

إن نظام بن علي مَثـَله كمثل الغراب الذي أعجب بمشية الحمامة فانخرط في تقليدها والسير على خطواتها وأجهد نفسه ليتمثل بها إلى أن نسي مشيته...
إن شباب اليوم مطالب بفرض نفسه على الواقع والوعي بحقوقه وواجباته حتى لا يكون لقمة سائغة في فم المستثمرين والتجار – تجار الفكر-.

ولا يخفى على أحد تأثير وسائل الإعلام الحديثة على الشباب. وخاصة القنوات التلفزية الموجودة في كل بيت، فهي إما تخاطب الغريزي وتبث صورا تبضّع الإنسان وتجرده من إنسانيته وتعرضه للبيع، وتدعو إلى الانحلال والميوعة. وإما تغرق مشاهديها في بحور الظلامية والتطرف التي عن طريقها يتواصل استغلال الدين لتضليل الشعوب وتكبيلها. فهذه القنوات تسعى جاهدة عن طريق خطاباتها الظلامية إلى ترسيخ فكرة "أن القناعة كنز لا يفنى" في حين أنه ليس للأمر علاقة بالقناعة فنحن بصدد الدفاع عن أبسط حقوقنا كشباب يريد أن يكون شابا بما تحمله الكلمة من معنى لا مجرد صور وأرقام، ونحن لا نستكين إلى الخمول الذي يدعون إليه ما دمنا مقموعين ومحرومين من التعبير، ونحن لن نفقد الطموح ونتزهد كما يطلبون منا ما دمنا قادرين على العمل والعطاء. فالشاب التونسي اليوم مكبل بأغلال وهمية من صنع هذا النظام الرأسمالي، وعُقد وهمية سهر على غرسها فيه وألبسه نظارات سوداء تحجب عنه الحقيقة وكمّم فمه وملأه بالترهات وسد أذنيه بقطعتي فلين حتى لا يتناهى إلى سمعه صرخات من تجرؤوا على كسر القيود وقالوا "لا"، فوجدوا عصا القمع في أهبة الاستعداد لاغتيال "لاءاتهم" ولكن عبثا حاولوا ولم ينجحوا فعصا النظام تتكسر اليوم على حدود الحلم، حلم شباب تائق للحرية الحقيقية لا لتلك التي يصوّرها النظام والتي ليست إلا شكلا آخر من أشكال الاستغلال والاضطهاد والاستعمار الفكري. وعصا النظام تركع أمام صمود المناضلين الذين رغم المضايقات الأمنية مازالوا صامدين ومازالوا يحاربون عدوّنا الأوحد، هذا النظام الدكتاتوري والفاسد الذي لم يرسّخ لدى شبابنا غير الفكر الاستهلاكي وقيم الفردانية.

ولنا أن نتساءل بعد كل ما قدمنا بأي شباب يحتفلون وأي "سنة" لشباب دُرّب منذ الصغر على أن يكون انهزاميا. فمن منا لم يتعرّض إلى الظلم ومن منا لم يتم الاعتداء على حق من حقوقه..؟ ورغم ذلك لا نتحد في وجه الظلم..!. انهضوا شبابنا، شباب المستقبل، رجالا ونساء، انهضوا واصطفوا صفا واحدا من أجل الدفاع عن حرياتنا المسلوبة، حق التعبير الذي يتبجحون بمنحه لنا عن طريق سنة الحوار مع الشباب في السنة الفارطة، فهل استشاركم أحد في أمر؟ وهل أبديتم رأيكم في قضية ما؟ هل طرحوا الواقع كما هو دون تزييف وناقشوا أهم الإشكاليات التي يعاني منها الشاب التونسي..؟ وإن فعلوا! ها قد مرت أشهر فهل غيروا شيئا وهل أوقفوا ممارساتهم وعاداتهم السيئة، من انتهاكات واعتداءات في حق "أولاد الشعب"؟. أبدا! لأن هذا الشعار تنقصه كلمة تكفي لنزع الملابسات عنه وتكشف أنها سنة حوار مع الشباب "الدستوري"، فلا أنا ولا أنت المعني بهذا الأمر أيها الشاب، يا من تواجه مصاعب الحياة من فقر وتشرّد وتعليم مهتز. ولست أنت أيها الشاب النقابي الذي تحمل على عاتقك مسؤولية الدفاع عن الطلبة ومصالحهم، ولست أنت أيا الشاب التواق إلى النشاط السياسي الذي يحمل رؤية أخرى ويطرح البدائل في فترة بات فيه فساد نظام بن علي مفضوحا. لستم أنتم المعنيون بهذه المسرحية كلها بل الشباب "التجمعي" فقط، "عبيد بن علي"، الذين ولدوا ليقولوا "نعم" وينفون الاختلاف وهم أول المقرين به، ويبادرون بالعنف وهم الذين يرفعون شعارات حقوق الإنسان، وهم أكلة لحوم البشر لنهبهم ثروات البلاد و"أكل" عرق أبنائنا العمال والفلاحين وأمهاتنا ربات البيوت وعاملات المصانع...

هبّوا شباب تونس بخطى واحدة ثابتة نطالب بحقنا في السكن الجامعي، بحقنا في أكلة جامعية صحية، بحقنا في النشاط النقابي والاجتماعي والسياسي، هبوا نلامس تطلعاتنا نطرحها بكل جرأة ونسهر على تحقيقها، هبوا نتلذذ شرف المحاولة!

آمنوا بقدراتكم فأنتم المستقبل وليس هذا النظام المتداعي.

أناديكم... أشد على أياديكم
وأبوس الأرض تحت نعالكم وأقول أفديكم



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني