الصفحة الأساسية > بديل الشباب > كل أبناء الشعب في حالة سراح إلى أن يأتي ما يخالف ذلك
كل أبناء الشعب في حالة سراح إلى أن يأتي ما يخالف ذلك
نيسان (أبريل) 2010

عنوان المقال مأخوذ من محادثة خاطفة مع أحد المحامين بعد صدور الحكم في حق نشطاء الاتحاد العام لطلبة تونس يوم 21 ديسمبر 2009. فبعد المحاكمة المهزلة قال لي المحامي "لا تستغرب..! فكل أبناء الشعب في حالة سراح إلى أن يأتي ما يخالف ذلك..!".

ويل للمارقين، الكل مستهدف وينتظر متى تقف أمامه سيارة ينزل منها أربعة أو خمسة وحوش ويتم اختطافه إلى وجهة غير معلومة أو إلى مراكز الإيقاف والتعذيب.

هواتف مراقبة، بريد إلكتروني مراقب، تفتح صفحات "المارقين والخونة والحاسدين والمناوئين" وكل الشراذم التي تستهدف إنجازات الجنرال وحامي الحمى والدين، فيطل عليك "عمار 404" بطلعته البهية محذرا ومزمجرا، وتظهر لك صورة العنكبوت الأسود الذي يمتصّ كل من تسوّل له نفسه اختراق شباك الرقابة.

تركب الحافلات الصفراء، كلون الموت، فتلوح لك وجوه شاحبة وسوداء ومتوترة وأزياء المراقبين الزرق ويزمجر في وجهك: "هات تسكرتك!" فتقول له: "ما قصّيتش"، فيردّ: "هات عشرين دينار" فتجيب: "بطال"... وينتهي بك المطاف في مركز المحطة وحولك أعوان البوليس يتثبتون من هويتك ثم يسجلون ضدك خطية بـ25 دينار تحت التهديد.

تخرج من المحطة وتمشي في شوارع وأزقة العاصمة... ترى الأزياء السوداء والزرقاء و"الفهود السود" وسيارات أجهزة التدخل السريع والأحذية الإسمنتية والخوذات والبدلات العسكرية. ومن الجهة المقابلة جماهير الإفريقي أو الترجي تهتف في مسيرة حاشدة باسم فريقها بعد أن أخذت نصيبها من الهراوات السوداء داخل الملعب. ومن الخلف ترى شباب تونس وهم يلاحقون فتاة أظهرت نصف ثدييها أو لبست سروال يجعل مؤخرتها ناتئة وهم يهمسون لها:" هيّا نروّحوا... يموت الفكرون وما يحكش ظهرو..! زينك وإلا ساحرينك..؟! يقتل مريولك على..." وغيرها من الجمل الحركية المشحونة بالكبت... ومن الجهات الأربع ترى الدراجات النارية وسيارات التدخل وفرق الإرشاد تلاحق الشباب بطلابه ومعطليه في المقاهي من أجل حماية الوطن من الزلازل والانهيارات الطينية مزمجرين:" هات بطاقة تعريف..! آش تخدم..!؟ وين تسكن.!؟" وتنتهي المحاصرة في "بوشوشة" أو "الفجة" أو "المرناقية" أو في إحدى الثكنات العسكرية أين يتم تدريبهم على الرماية في الرأس أو القلب أو الفم والتهمة "زطلة"، استنشاق، سلفية، التهرّب من الخدمة العسكرية...". فقد قال وزير الدفاع" أن الشباب التونسي أصبح مدللا أكثر من اللازم ومفتقد للحس الوطني..." ولذلك وجب كنسه من الشوارع. فالحس الوطني أعطى أكله في شوارع الرديف عندما أطلق الجيش بأمر من الجنرال النار على الشباب. وأمام الجوامع تجد أعوان البوليس ينتظرون خروج أحد الشبان المتدينين وتنتهي الرحلة داخل الأقبية وعلى طاولات التعذيب والتهمة مناقشة مسائل دينية أو الدخول إلى بعض مواقع الملتحين.

وفي ساحات الكليات وفي المبيتات تجد طاولة أو كرسي وقف عليها أحد الشبان المرضى بحب هذا الوطن الذي استفردت به العصابات وكلاب البوليس يتحدث عن ماضي المارد الطلابي كحركة فيفري 72 والهياكل النقابية المؤقتة وعن الفاضل ساسي وفتحي فلاح ونبيل بركاتي وفاطمة البحري وكل الذين كتبوا تاريخ هذا الوطن بالدم والعمر والقلم. ويشكر آخر رفيقه على تدخله ويزمجر أن كل بوصلة لا تشير إلى شهداء الحركة الطلابية والاجتماعية هي بوصلة مشبوهة.وعلى الحائط تقرأ مجلة حائطية ألصقتها بقايا "لننحني حتى تمر العاصفة" راجين من كوادر الداخلية التخفيف عن الطلبة الذين "ثبتت إدانتهم" بالمشاركة في اعتصام من أجل حق النوم وإطلاق سراح من لم تثبت إدانتهم، وتسبّ وتشتم كل الذين يؤمنون بالجبهة الوطنية الديمتروفية الموحدة وكل الذين قرروا النضال بلا هوادة واستنتجوا أنه لا سبيل للخلاص إلا من خارج بقايا عصور الانحطاط ومن خارج برك الماء الآسن.

وفي أروقة الكلية يلوح لك أصحاب الخوذات الزرق يتسابقون لإعطاء آخر الأخبار والمستجدات على الساحة الطلابية والكل في يده الهاتف الذي مولته أجهزة الاستخبارات من إيرادات سياسة السلم الاجتماعية والتنمية المستديمة والإصلاح الهيكلي. وتنتهي تحركات رموز الحركة الشبابية من طلبة التاريخ وعلم الاجتماع والفلسفة واللغات والعلوم داخل إحدى المناطق أو مراكز الإيقاف أو قاضي التحقيق والتهمة التبول في الطريق العام أو تعطيل حرية الشغل أو الاعتداء على أملاك الغير وغيرها من التهم المفبركة والمركبة داخل مقرات القمع والإرهاب.

وفي قاعة المحكمة يدخل رفاقنا ويقفون أمام القاضي بكبريائهم وشموخهم وكلهم انتصار لقضاياهم وقضايا الشعب ويطلبون من القاضي محاكمتهم على خلفية انتماءاتهم السياسية ويفتخرون بالانتماء إلى الأطراف السياسية غير المعترف بها كاتحاد الشباب الشيوعي التونسي وحزب العمال والوطنيين الديمقراطيين... وغيرها من التنظيمات التي أقضت مضاجع البوليس، وتسمع خارج المحكمة أصوات رفاقهم وهم يهتفون "يا سجين لا تهتم الحرية تفدى بالدم" ويرددون نشيد الاتحاد العام لطلبة تونس ونشيد العمال وتنتهي الوقفة بالركل والشتم والصفع من طرف عصابات فالتة من كل عقال.

هذا هو حال الشباب التونسي بطلبته وتلاميذه وأساتذته المعطلين، لكن بالرغم من اختيار بعض أفراده أشكال الرفض الفوضوية وغير المنظمة فإنه أثبت في عديد المحطات النضالية أنه قادر على منازلة الدكتاتورية النوفمبرية الغاشمة ولنا في الحوض المنجمي أبرز مثال. واليوم ونحن نحتفل باليوم العالمي لمناهضة الامبريالية لنا فرصة كي نقيم نضالات الشباب التونسي وطليعته المتمثلة في الحركة الطلابية. فالمطلوب اليوم من طليعة الشباب النضال بلا هوادة ضد نظام العمالة وربط الصلة مع بقية فئات الشباب كالتلاميذ والكادحين والمعطلين والانغراس فيهم وتكوينهم. والتصدي للنظام الدكتاتوري القائم لا يكون سليما إلا متى ربطت حركة الشباب النضال السياسي والحقوقي والطلابي والتلمذي بالنضال الاجتماعي ومتى ربطت نضالها هذا بنضال مختلف الأمم والحركات الاجتماعية.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني