الصفحة الأساسية > البديل الوطني > شركة أورنج للاتصالات بتونس: عن أيّة منافسة وعن أيّة مصداقية تتحدثون؟
وجهة نظر:
شركة أورنج للاتصالات بتونس: عن أيّة منافسة وعن أيّة مصداقية تتحدثون؟
12 أيار (مايو) 2010

بقلم : نورالدين الورتتاني [1]

فيما مكّنت التطوّرات التكنولوجية والمنافسة البلدان الغربية من تقديم خدمات الهاتف، القار والجوال، والأنترنات بسرعة تدفّق عالية لحرفائها وبأسعار زهيدة منذ سنوات شهدت بلادنا ممارسة احتكارية لم يغيّر فيها دخول المشغل الثاني حيّز الخدمة شيئا.

لقد عانى التونسيون في السنوات الماضية من تدنّي مستوى الخدمات وغلاء الأسعار وانتظروا بفارغ الصبر دخول المشغل الثالث الفرنسي الجنسية لبلادنا عله يغيّر الوضعية ويمكنهم أخيرا من الحصول على خدمات عالية الجودة وبأسعار تقارب الأسعار المعمول بها في العالم الغربي إلاّ أنّ الأمور لن تتغيّر على ما يبدو:

1) التفاهم مع المشغلين الآخرين على حساب الحريف بدلا من المنافسة الموعودة:

عوض ما أعلن عنه من محاسن المنافسة المنتظرة بعد دخول مشغل ثالث لخدمات الاتصال وما يعنيه ذلك من انخفاض في الأسعار فاجأتنا شركة أورنج الفرنسية الجنسية بالتفاهم مع المشغلين الأولين على حساب حرفائها من التونسيين بحيث بقيت الأسعار، المعمول بها في مجال الهاتف الجوال، مرتفعة بالنسبة لبعض العروض المماثلة لما تقدمه تونس للاتصالات وتونيزيانا ولا تختلف كثيرا عن ما اعتمدته الشركات المذكورة و خيالية بالنسبة لبعض العروض الجديدة. وقد تحصلت شركة أورنج في هذا التفاهم / الصفقة، مقابل قبولها بالتفرقة في المعاملة بين حرفائها التونسيين وحرفائها الفرنسيين بعدم اعتماد نفس الأسعار والعروض المقدمة لحرفائها الفرنسيين في مجال الهاتف الجوال وذلك حتى تحافظ تونس للاتصالات وتونيزيانا على موقعهما في سوق الاتصالات الهاتفية، على احتكار لسوق الأنترنات ذات التدفق الكبير ومن أي مكان على أجهزة الهاتف الجوال والحاسوب المحمول أو حاسوب المكتب فعن أية منافسة يتكلمون ؟!

2) ممارسات تكاد تصل للتحيّل والإشهار الكاذب عوض المصداقية المنتظرة:

أعلنت شركة أورنج في حملة دعائية كبيرة قبل انطلاق توزيع خدماتها بأنّها تضع على ذمّة حرفائها المشتركين في خدمة الهاتف الجوال من الجيل الثالث العديد من العروض المغرية في الظاهر. ونذكر من تلك العروض ومن أقلها تكلفة تمكين حرفائها من الذين يقتطعون اشتراكا مسبق الدفع بقيمة 40 دينارا إلى جانب دفع 5 دنانير أي سعر رقاقة الهاتف، هاتفا جوالا من الجيل الثالث، وفي أسفل سلم الجودة، بسعر رمزي يساوي دينارا واحدا وذهبت إلى حدّ عرض نوع الهاتف الذي سيوزع على موقعها بالأنترنات. كما قدمت عروضا أخرى مرتفعة التكلفة وتمكن بالمقابل من الحصول على هواتف جوالة فاخرة من الجيل الثالث، عرضت بدورها على الأنترنات، وبسعر رمزي يساوي دينارا واحدا. إلاّ أنّ الحرفاء فوجئوا برفض نقاط التوزيع تمكينهم من الاستفادة من تلك العروض بحجّة أنّ الشركة لم تسلمهم الهواتف الجوالة الموعودة.

كما عمدت كل نقاط التوزيع منذ يوم 5 ماي 2010 إلى تعليق منشورات إشهارية تعلن عن تشغيل أرقام الهواتف وخدمة الأنترنات سريعة التدفق للمشتركين خلال 24 ساعة من تاريخ إمضاء العقد لتعود يوم 10 ماي 2010 لتغيير تلك المعلقات الاشهارية حتى تغير الأجل إلى أسبوع. والثابت الآن، أي يوم 12 ماي 2010 وبعد أن مرّ أكثر من أسبوع على انطلاق الاشتراكات، أنّ جلّ رقاقات الهاتف الجوال الموزعة لم يقع تشغيلها وأنّ لا أحد من الحرفاء الذين اشتركوا إلى حدّ الآن في خدمة الأنترنات سريعة التدفق (3G +) قد تمتّع بتشغيل الخدمة التي دفع ثمنه. والأتعس من ذلك أنّ المشرفين على الشركة يحرّضون موظفي نقاط التوزيع على مزيد السفسطة في مواجهة الحرفاء الذين بدؤوا يعودون لهم للاحتجاج على عدم تشغيل خطوط الأنترنات خاصة وذلك بتقديم آخر هذا الأسبوع كأجل أقصى للتمتع بخدمة الأنترنات.

المهم في كلّ هذا أنّ لا أحد يعرف بالضبط متى يقع التشغيل الفعلي لتلك الخدمات وخاصة لخدمة الأنترنات سريعة التدفق في ما بدأ بعضهم يسرّب بأنّ ذلك قد يؤجّل إلى آخر الشهر الحالي أو حتى آخر الشهر القادم بسبب مصاعب قد تكون تقنية وقد تكون إدارية أو غيرها. لقد جعلت شركة أورنج الحريف التونسي يدفع سعرا خياليا للحصول على مفتاح (3G +) لتشغيل خدمة الأنترنات (عوض الدينار الذي يظهر للوهلة الأولى في الإشهار قبل التثبّت من الجزئيات) بمعدل 99 دينارا زائد 30 دينارا كتكلفة للخدمة في الشهر الأول واعتبرت أنّها قد خفّضت سعر المفتاح بـ30 دينارا لتجعل الاستهلاك مجانيا في الشهر الأول. وهذا يعني بأنّ سعر المفتاح هو 129 دينارا!! والمتثبت في ذلك لا يمكن إلاّ أن يصدم من هذا السعر الفاحش. فالتكنولوجيا المستعملة قديمة ولا يمكن التذرع برفع السعر الفردي لغطية تكاليف البحث والتطوير. كما إنّ المفتاح المقدم مصنوع بالصين وذو نوعية رديئة جدا ولا يكاد يكلف بعض الملاليم. فما الذي يبرّر هذا السعر؟

أمّا أغرب ما اكتشفه الحرفاء الجدد لشركة أورنج بطرح السؤال على المطّلعين من العاملين معها فهو أنّ هذه الشركة التي أغرتهم بالدعاية إلى أنّ السعر المذكور سابقا بالنسبة للأنترنات المسبق الدفع يمكّنهم من استعمال تلك الخدمة بصورة غير محدودة (24 ساعة على 24 ساعة و7 أيام / 7 أيام) قد أخفت جيّدا أنّ ذلك يبقى في حدود 5 جيقابيت من المعلومات المتبادلة في الشهر!! وهو ما يعني فعليّا بأنّه يكفي الحريف أن ينزّل من الأنترنات، في يومه الأول من الشهر، برنامجا ثقيل الوزن أو أن ينزّل بعض لقطات الفيديو حتّى يستنزف حسابه الذي كلّفه 30 دينارا (في الشهر!!) ويصبح مجبورا على إعادة تمويل حسابه من جديد حتّى يتمتّع بخدمة الاتصال بالأنترنات!! وبذلك لن يعود من الدقيق وصف أسعار تلك الشركة بالمرتفعة بل يجب التأكيد على أنّها نارية. والمحصلة هو أنّ حملة الإشهار والتسويق التي قامت بها تلك الشركة كانت عن عمد متقنة الإعداد بحيث تغري وتستغبى المواطن التونسي (حتّى لا نقول تتحيّل عليه وتطيح به في شباكها) كما إنّ تلك الحملة تعمّدت استعمال عبارات مبهمة وفضفاضة لكي تخفي على الحريف التونسي، خلف عبارة "خدمة التواصل بالأنترنات غير المحدودة"، بأنّه هناك عمليّا تحديدا في التواصل (Limitation de la connexion) وبأنّ ذلك التحديد لا يخصّ زمن التواصل الشهري بل حجم المعلومات المتبادلة شهريّا. وهكذا لا أدري بما يمكنني وصف الحملة الإشهارية لشركة أورنج أهي إشهار كاذب (Publicité mensongère) أم خديعة (Arnaque) وللسائل أن يتساءل أين الدولة التونسية من حماية مواطنيها؟ ألم تقارن هذه الأسعار مع ما هو معمول به في العالم؟ أيدفع التونسي 30 دينارا (فضلا عن المصاريف الأخرى) ليتواصل على الأنترنات لمدة ساعة من الزمن في الشهر؟

وبقطع النظر عن المصداقية المنتظرة من أيّة شركة جديدة تقتحم السوق وتريد كسب الحرفاء وتوطيد أقدامها بافتكاك جزء منه فإنّ جنسية هذه الشركة الغربية ومستوى الخدمات والأسعار التي تقدّمها في بلادها الأم علّق عليها آمالا كبيرة ما فتئت أن تبخّرت. ذلك أنّ ممارسات شركة أورنج في الأيام القليلة الماضية وتعمّدها استعمال طرق تسويق تكاد تصل إلى التحيّل الصريح والإشهار الكاذب وفرض أسعار غير مبرّرة من الناحية الاقتصادية وتشبه لحدّ كبير الرّيع المفروض على أقنان القرون الوسطى يقضي على مصداقيتها ويفضح نوايا عنصرية تجعلها تتصرّف حسب البلاد التي تشتغل بها وتفرّق في المعاملة بين حرفائها.

كلّ هذا يوصلنا إلى مسألة أخرى أهمّ من التي تناولناها إلى حد الآن وهي الآمال الأخرى التي علّقناها على دخول شركة فرنسية للاتصالات لتقديم خدماتها ببلادنا، شركة من بلاد حقوق الإنسان... مع كل ما يعنيه ذلك من توقعنا بأن لا ترضخ لإملاءات النظام التونسي الموغلة في التعدي على حقوقنا.

3) هل يقع التفاهم أيضا مع المخابرات التونسية باسم التنسيق الأمني ومكافحة الإرهاب وعلى حساب الحق في سرية المراسلات وحق التعبير؟

فنحن نتوقع مثلا بأن لا تسمح الشركة الفرنسية أورنج بالتصنّت على مكالماتنا الهاتفية أو قطع خطوطنا الهاتفية إلاّ للضرورة القصوى ولدواعي قانونية صلبة وبعد إمضاء قاض مختصّ وإعلامنا بالسبب. كما نتوقع أن لا تتعامل البتّة مع الرقيب "عمار 404 باشي" (أي مع شرطة الأنترنات التونسية) الذي عودنا على عدم احترام سرّية مراسلاتنا وقرصنة بريدنا الالكتروني وعلى حجب مدوناتنا وصفحاتنا على الأنترنات بدون أي موجب مقنع، وأن يكون حجب صفحة أو موقع أو قرصنة بريد إلكتروني من الحالات الشاذة والنادرة المبررة قانونيا ولأسباب قصوى وبموافقة القضاء وأن يعلم الحريف بالسبب وأن تكون المبادئ المعتمدة شبيهة بنظيرتها في أوروبا بحيث لا نكون عرضة لقرصنة بريدنا الالكتروني وحجب مواقعنا بمجرد ممارستنا لحرية التعبير أو لمجرد إبداء آراءنا في الشأن العام أو تنديدنا بالتعدي على حقوق الإنسان والحق النقابي والحقوق الإقتصادية ...

إنّ التنسيق الأمني شيء لا مفرّ منه ونحن كمواطنين في بلد ذو سيادة ننتظر من الأمن التونسي حمايتنا من الشبكات الإرهابية والظلامية التي تنخر عقول الشباب وتحرّضه ضدّ المرأة وضدّ المثقفين والمبدعين وتبثّ أفكارا عنصرية وضدّ حرّية المعتقد وحرّية التعبير ويذهب بعض هذه المواقع إلى حدّ تقديم دروس في صناعة القنابل والألغام وفي "شتى فنون الإرهاب" وكل ذلك مجرّم في القانون التونسي والفرنسي بأشكال لا تخالف المبادئ العالمية لحقوق الإنسان. ولكنّ ذلك لا يجب أن يتحول إلى ذريعة لمصادرة حقوق أي مواطن تونسي.

لن يتضرّر أحدا إذا ما أحيل "الرقيب عمار 404 باشي" على التقاعد المبكّر، بحجّة تخلّفه الذّهني وعدم تأهيله للقيام بالعمل المناط بعهدته (لا يستعمل هذا المصطلح في أوروبا أي "404" إلا للتدليل على أن الرابط لم يعد موجودا على صفحات الأنترنات أو على أنّه خاطئ...)، وفسح المجال لتكوين شرطة أنترنات عصرية ومشبعة بالقوانين ومحترمة لحقوق الإنسان. بحيث تقوم بمتابعة الأنشطة المشبوهة حقّا على الانترنات وتكوين الملفات وجمع الأدلة المدينة والكافية لعرضها على قاض مختص ليأذن بعد ذلك باتخاذ الإجراءات الضرورية مثل الحجب المؤقت وعند ذلك يقع إعلام الحريف ويظهر للذين يحاولون فتح صفحته: "403" أي موقع محجوب مع تبرير قانوني للحجب.

إنّ المطلع على ما ورد في النقطتين الأولى والثانية من هذه الورقة سيصرخ بأن ما نحن بصدد تناوله بالنقطة الثالثة هو من باب اليوطوبيا ولن نجادله أو نكذّبه لأنّنا نكاد نكون من رأيه لو لا ضرورة الأمل. بل إنّني أذهب أكثر من ذلك بأن أضيف في وصف شركة أورونج القادمة من بلاد حقوق الإنسان أحد الأمثال الشعبية الذي سمعته على لسان أحد الأصدقاء: "بَاتْ مْعَ الجْرَانْ إِصْبَحْ إِيڤَرْڤِرْ..." أو: "أًورُنْجْ، أحْمِرْ، وَرْدِي، أكْحِلْ، ڤْرِي، أزْرِقْ،... أوْ مُوفْ... إلْكُلُّو هُوَ ما دُمْنَا في تونس".

ولكن رغم ذلك فإنّ ما سبق من حديثي يظهر قاتما ويخضع لنظرة تشاؤمية لا تخدم مصلحة أحد. نعم نحن نعرف بأن ليس لرأس المال مبادئ أو أخلاق ولكن على مناضلي المجتمع المدني التحلّي بالأمل والتفاؤل حتى يقلبوا المعادلة ويحوّلوا هذا التفاهم اللامبدئي على حساب حقوقهم إلى معركة قضائية ينخرط فيها نشطاء من تونس وفرنسا ضدّ أورنج في تونس أمام القضاء التونسي وضدّ الشركة الأم في فرنسا حتى نكسب معركة حرّية التعبير ونفرض على أورونج معاملتنا مثل حرفائها الفرنسيين وعلى الحكومة التونسية عدم استغلال مسألة مكافحة الإرهاب لسلبنا حقوقنا.

تونس في 12 ماي 2010

المصدر: منتدى "الديمقراطية النقابية والسياسية"
الرابط: http://fr.groups.yahoo.com/group/democratie_s_p

هوامش

[1جامعي ونقابي


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني