الصفحة الأساسية > البديل الوطني > شعب بلا سيادة و نظام بلا شرعيّة - فليرحــل بن علي و لــتسقط الدكتاتــورية
في الذكرى 63 لحوادث 9 أفريل 1938 :
شعب بلا سيادة و نظام بلا شرعيّة - فليرحــل بن علي و لــتسقط الدكتاتــورية
8 نيسان (أبريل) 2001

مرّت ثلاثة وستّون عاما على حوادث 9 أفريل 1938، ففي هذا التّاريخ خرج التّونسيّون إلى الشّارع وهم يهتفون "برلمان تونسي... برلمان تونسي..." وقد ردّ عليهم الإستعمار الغاشم بالرّصاص فاستشهد من استشهد واعتقل من اعتقل. ونُفي من نُفي. وقد أجّج ذلك النّضال الوطني وزاد قيمه رسوخا في نفوس الشّعب التّونسي رجالا ونساء. ومن الملاحظ أنّ المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشّارع يوم 9 أفريل 1938 لم يرفوا شعار "برلمان تونسي... برلمان تونسي" من باب الصّدفة. لقد كان لهذا الشّعار في أذهانهم إلى الأمام من أجل افتكاك حقوقنـــا مغزى عظيم. فالبرلمان التّونسي يرمز من جهة إلى السّيادة الوطنيّة. فالمتظاهرين عبّروا من خلال هذا الشّعار عن رفضهم الحكم الأجنبي الإستعماري وطالبوا بأن يصبح التّونسيّون سادة في وطنهم. كما أنّه يرمز إلى السّيادة الشّعبيّة. فالمتظاهرون عبّروا من خلال ذلك الشّعار أيضا عن رغبتهم في أن تحكم البلاد سلطة تونسيّة منتخبة من قبل الشّعب انتخابا حرّا وديمقراطيّا، لا سلطة مفروضة من فوق من قبل مستعمر غاصب أو بدعوى حقّ وراعي. وبالتّالي فإنّ الشّعب التّونسي الذي يريد أن يكون صاحب السّيادة على وطنه، يريد أن يكون كذلك صاحب السّيادة على الحكّام الذين يحكمونه.

واليوم وبعد مرور كلّ هذا الوقت وخروج المستعمر منذ حوالي 45 سنة وانتقال السّلطة إلى أيادي تونسيّة لا يزال الشّعار الذي رفعه متظاهرو 9 أفريل 1938 شعارا للإنجاز والبرلمان مطمحا للتّحقيق، لا لكونه لا توجد مؤسّسة منذ عشرات السّنين (1959) إسمها البرلمان (مجلس النّواب) بل لأنّ هذه المؤسّسة لا تحمل من البرلمان بالمعنى المتعارف إلاّ الإسم. فهي منصّبة تنصيبا سواء كان ذلك في عهد بورقيبة أو في عهد خلفه الجنرال بن علي. فالإنتخابات التي تجري كلّ خمس سنوات هي انتخابات مزوّرة من ألفها إلى يائها إذ تنعدم فيها أدنى شروط الحرّية والدّيمقراطيّة والنّزاهة. والبرلمانات النّاجمة عنها هي هياكل لا تتمتّع بأيّة سلطة حقيقيّة، بل هي مجرّد أدوات صوريّة لتزكيّة سياسة رئيس الدّولة، الحاكم الفردي المطلق وتشريع القرارات التي يتّخذها حفاظا على كرسيّه وعلى نظامه وحماية لهما من الشّعب ومن أيّ معارضة تنشأ بالبلاد وأخيرا لإضفاء طابع جمهوري عصراني على حكمه. وبطبيعة الحال فلا قدرة للشّعب على رئيس الدّولة ولا طاقة له على مراقبته أو محاسبته أو عزله وتغييره. فانتخابه هو كانتخاب البرلمان عمليّة صوريّة معلومة النّتائج مسبّقا خاصّة أنّه المرشّح الوحيد لخلافة نفسه.

ولم يتردّد بورقيبة بعد انتهاء فترات الرئاسة الثّلاث أن يعلن نفسه رئيسا مدى الحياة. أمّا بن علي فبعد ثلاث ولايات فاز فيها بنسبة ..,99% الخياليّة والتي تغني عن أيّ تعليق، مع العلم أنّ الولايتين الأولى والثّانيّة فاز فيهما على نفسه إذ أنّه ترشّح لهما بمفرده والولاية الثّالثة فاز فيها على تيّاسيْن عيّنهما بنفسه، فهو يحاول اليوم إيجاد حيلة للبقاء في الحكم بعد سنة 2004 وإعلان نفسه رئيسا مدى الحياة بصورة غير مكشوفة (إستفتاء أو تحوير للفصل 39 من الدّستور يمكّنه من التّرشّح لولاية رابعة ولم خامسة...). وهكذا فقد تحوّل النّظام الجمهوري المعلن إلى نظام بايوي أو ملكي، لا يحمل من الجمهوريّة إلاّ الإسم.

لقد ظلّ الشّعب التّونسي طوال الخمس وأربعين سنة من "الإستقلال" فاقد للسّيادة، مقصيا عن الشّأن العامّ، لا يقدر على اختيار حكّامه الذين يفرضون عليه فرضا عن طريق انتخابات مزوّرة ويلزم بطاعتهم والولاء لهم، محروما من أبسط حقوقه السّياسيّة ومنها خاصّة حرّية التّعبير والتّنظيم والإجتماع، عرضة لقمع جهاز بوليسي ضخم ووحشي (130ألف بوليس لـ9ملايين من المواطنين إضافة إلى هياكل الحزب الحاكم ولجان الأحياء وشبكة الوشاة المرتبطة به والتي تتمعّش من انشطة موازية) يتصرّف كما تتصرّف عصابات الإجرام، خارج القانون ومستعملا أبشع الطّرق من اختطاف واعتداء جسدي وعلى الحياة الخاصّة وتعذيب وقتل، وإدارة في خدمة سلطة عائليّة، تيسّر لها نهب البلاد وممارسة الفساد على أوسع نطاق من رشوة ومحسوبيّة وابتزاز وتزوير الإنتخابات ليبقى زعيمها وطغمته في الحكم، وقضاء جائر ومجرم ليس له من دور سوى تشريع القمع السّياسي وحماية سلطة بن علي من أيّ نقد أو معارضة وتغطيّة انتهاكات حقوق الإنسان. ومن الملاحظ أنّ الشّعب التّونسي الذي حلم بالإستقلال وكافح من أجله وقدّم التّضحيات الجسام وجد نفسه من جديد، يرزح، عن طريق الدّكتاتوريّة الدّستوريّة النّوفمبريّة، تحت براثن الهيمنة الإمبرياليّة في شكلها الإستعماري الجديد. وهي هيمنة ما انفكّت تتوسّع وتتعمّق حتى أصبحت تونس اليوم مجرّد محميّة للمؤسّسات الماليّة الدّوليّة والإتّحاد الأوروبي وفروع الشّركات العالميّة الكبرى والمنظّمة العالميّة للتّجارة فاقدة لسلطة القرار الإقتصادي والتّحكّم في ثرواتها وخيراتها.

وهذه هي حال تونس بعد 63 عاما من حوادث 9 أفريل 1938 و45 سنة من "الإستقلال" 1956: شعب بلا سيادة ونظام بلا شرعيّة حسب العبارة الرّائجة في بلادنا اليوم والتي تعبّر بشكل مركّز ومكثّف عن واقع الشّعب من جهة وواقع نظام الحكم من جهة أخرى. ولقد آن الأوانم ليستعيد الشّعب التّونسي سيادته ويكون مصدر الشّرعيّة الــوحيد لكلّ سلطة سياسيّة. ولا يمكن أن يتحقّق ذلك إلاّ إذا تمتّع الشّعب بحرّيته وفي مقدّمتها حرّية التّعبير والتّنظيم والإجتماع وأصبح بإمكانه اختيار حكّامه من خلال انتخابات حرّة وديمقراطيّة ونزيهة ومراقبتهم ومحاسبتهم وعزلهم عند الإقتضاء، والمشاركة المباشرة في وضع التّشريعات وضبط الإختيارات الدّاخليّة والخارجيّة. وليس خافيا على أحد أنّ العائق اليوم أمام تحقيق الشّعب سيادته وتمتّعه بحقوقه الأساسيّة إنّما هو الدّكتاتوريّة البوليسيّة النّوفمبريّة الغاشمة التي يرأسها الجنرال بن علي والفاقدة لأيّ شرعيّة. وهو ما يتطلّب إزاحة هذا العائق عبر نضال مرير مستلهم من نضال أبطال حوادث9أفريل1938 وتضحياتهم واستشهادهم. وهذا ما بدأ يدركه التّونسيّون والتّونسيات من أبناء الشّعب وبناته، خاصّة في الفترات التي تعدّدت فيها التّحرّكات والبيانات والدّعوات إلى الوحدة والعمل المشترك والمجابهات مع بوليس بن علي وتحدّي ترسانته القانونيّة الفاشيّة. ولقد أصبحت المطالبة برحيل بن علي وإفشال مخطّطه الرّامي إلى إرساء رئاسة مدى الحياة على قياسه وتنظيم انتخابات رئاسيّة حرّة وديمقراطيّة سنة 2004 تكون منطلقا لإعادة تنظيم المجتمع سياسيّا على قاعدة ديمقراطيّة، أصبحت عنوان المرحلة القادمة التي تحتّم النّضال من اجل توفير الشّروط اللاّزمة لضمان أن يكون رحيل بن علي مقترنا يتغيير النّظام السّياسي تغييرا ديمقراطيّا. ومن بين تلك الشّروط : العفو التّشريعي العامّ، واحترام حرّية التّعبير والتّنظيم والإجتماع وما يعنيه ذلك من إلغاء للقوانين المعادية للحرّيات وإطلاق حرّية الإعلام، تشريع الجمعيات والأحزاب الرّاغبة في ذلك وإلغاء المجلّة الإنتخابيّة الحاليّة وتعويضها بقانون يضمن حقّ الإنتخاب والتّرشّح لكلّ التّونسيّين والتّونسيّات إناثا وذكورا، ويجرّم التّزوير الإنتخابي ويخضع الإنتخابات لمراقبة هيئة عليا مستقلّة وذات مصداقيّة، إضافة إلى حياد الإدارة وتحريم كلّ سلوك يصدر عنها ويخلّ بذلك الحياد.

إنّ حزب العمّال الذي لم يتخلّف يوما عن أداء واجبه في مقاومته الدّكتاتوريّة النّوفمبريّة وتعرّض مناضلوه ومناضلاته من أجل ذلك للإختطاف والإعتقال التّعسّفي والتّعذيب الوحشي والمحاكمات الجائرة والسّجن في ظروف بشعة إضافة إلى الملاحقة البوليسيّة المستمرّة التي يتعرّض لها البعض الآخر من مناضليه، من بينهم النّاطق الرّسمي باسم الحزب، الرّفيق حمّة الهمّامي، إنّ حزب العمّال يستغلّ هذه الذّكرى المجيدة ذكرى أحداث 9 أفريل 1938، ليعبّر عن مساندته لكلّ مسعى جدّي يهدف إلى توحيد قوى المعارضة الدّيمقراطيّة من أجل إرغام بن علي على الرّحيل ووضع حدّ للحكم الفردي المطلق، والدّكتاتوريّة البوليسيّة وإقامة نظام ديمقراطي يكفل للشّعب التّونسي حرّيته ويضمن له ممارسة سيادته ويكون الإطار السّياسي الذي يتحقّق فيه خلاصه من الأقلّية المافيوزيّة النّهابة ومن الهيمنة الإستعماريّة الجديدة وبالتّــالي يتحقّق له فيه السّيادة على بلاده وثرواتها لتسخيرها لتسديد حاجياته وتحقيق نهضته وضمان استقلال وطنه.

- ليرحل بن علي

- تسقط الدّكتاتوريّة النّوفمبريّة

- المجد والخلود لشهداء تونس

- عاش الشّعب التّونسي



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني