طويتَ اليوم شهرك الثاني قابعا في غرفتك معدومة التهوئة.

لا شكّ لديّ في أنّ هذه الفترة كانت كفيلة بمنحك قدرات إضافيّة على التأقلم معالم "المكان".

فحرب "السجين" طويلة ومراحلها معقّدة ومتشابكة، فالبداية حرب المكان والبشر التي تفتح على أقسى المعارك وهي "الوقت" أو الزمن. من قسمات وجهك وراء هذا الستار البلّوري "اللاإنساني" ومن نبرات صوتك في هذا الهاتف "الموحش" عرفت أنك أنهيت الجولة الأولى بنجاح وإن كان بصعوبة الأمراض التي تنخر جسدك.

وجدت نقاط التوازن مع بشر لا تعرفهم وتفصل بين قضيّتك وقضاياهم مسافات بعيدة، وخلقت نوعا من الألفة مع تلك الأسلاك التي تمتدّ.

تأقلمتَ مع عفونة الهواء، أزمات الربو الحادّة وتناول جرعات متعدّدة من مضادّات حيويّة تسكّن الآلام وتعمّق الآلام وتؤخّر تدهور حالتك الصحّية.

أنت عرفت السجن، ولديك تجربة الانتصار في المعارك. ومن المؤكّد أنّ مسألة الوقت على قسوتها لن تغلبك.

قلت يوما عن فترة سجنك القديمة "معركة الوقت تُربح بحرّية الفكر والتفكّر في الماضي والمستقبل".

قلت كيف؟

أجبتَ: "السجن مؤسسة تدميريّة لمن يدخلها وخصوصا المناضلين. ولعلّ بداية التفسّخ وإضاعة البوصلة تأتي من خسارة معركة "الوقت".. وحتّى ننجح نقتل الوقت "الميّت الثقيل" بالتجوال بين الماضي والحاضر..".

أنا أيضا عرفت السجن، ولا أظنّ الفرق شاسعا بين حبس النساء وحبس الرجال. أتقنت أيّامها التنقّل بين الماضي والحاضر وانتبهت أيضا إلى المستقبل وعشقت المستقبل وأتقنت التجوال في الأبعاد الزمنيّة وحلاوة أن تبرح الأسوار بالفكرة وترى خلفك السّجان قابع طول حيلته داخل الجدران. حلّقت بعيدا ورسمت برغم بعض الوجع والاشتياق والضعف أحيانا طرقا ومسالك، أنت كنت فيها، فهل تبقى يا فاهم هناك؟ هل تُكمل جولات أخرى من معارك السجن؟ هل سيستمرّ المستنقع الآسن في محاصرتك؟

قد تبقى قليلا أو كثيرا، قد تتمكّن منك الأمراض. وقد يلحق بك ضحايا جدد غير أنّ ساعة الخلاص مؤكّدة وقريبة أيضا.

دون ريب، حتّى وإن حرموك من أن تشهد قدوم الخريف وعودة الأطفال للمدارس وتوهّج الرمّان والبلح، ولم تسعفك الأسوار العالية من متابعة تساقط الشُهب، فأنت بعقلك ترصد تغيير الفصول وتمضي مع الفرح في غفوة قصيرة تنتهي باستفاقة شمس الحرّية وطلوع قوس قزح.

الحرّية لك
وسيكسر الوطن الجميل كلّ السّلاسل

عفاف بالناصر
13 سبتمبر 2010