الصفحة الأساسية > البديل الثقافي > شيخوخة قبل الأوان
أيام قرطاج السينمائية:
شيخوخة قبل الأوان
30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2006

مهرجان قرطاج السينمائي المنتظم بتونس من 11 إلى 12 نوفمبر 2006 بلغ الأربعين سنة... كان أولى به أن يظهر في نسخة أكثر نضجا وأفضل إخراجا في مستوياته المتعددة، بدءا بالتنظيم بكل ما يعنيه من إعداد مادي ولوجستي وصولا إلى الاستقلالية وتحوله إلى مؤسسة ذات بنية تحتية في كل مجالاتها وحيثياتها (تسيير، إعداد، برمجة...). لكن المؤسف أن هذا المهرجان أصابته الشيخوخة قبل الأوان.

في مستوى التنظيم:

في كل دورة من أيام قرطاج السينمائية يذهب الناس بآمال الواهمين الكبار. وهم يمنون النفس بنسخة جديدة فإذا بها مكررة فتصيبهم آلام الروتين المزمن. ففي الافتتاح نفس كلمة الوزير تقريبا في نفس الجو المحتقن، والخوف من انزلاق خارج الضوابط السلوكية واللغوية المرسومة مسبقا، والسقوط في مطب التدخلات المرتجلة. ربما الفارق الوحيد هو وجود محمد العزيز بن عاشور، عوض عبد الباقي الهرماسي وزيرا للثقافة. الأمر الثاني المقرف هو الدعوات التي تحمل عبارة "صالحة لشخص واحد" وهي تذكرنا بالاستدعاءات لمراكز الشرطة التي عادة ما تكون فردية.

كما نجد نفس قاعات السينما (وأحيانا أقل نظرا لغلق بعض القاعات نتيجة الإفلاس) بتجهيزاتها المتهرئة في مستوى آلات البث وأجهزة الصوت وضيق القاعات التي لا يتسع بعضها لأكثر من 100 مشاهد مثل قاعة الفن السابع، وهو ما من شأنه أن يخلق حالة من الاكتظاظ أمام القاعات وحرمان الأغلبية من المتابعة والاستفادة.

ومن مشاكل التنظيم، أيضا البرمجة غير المدروسة عند توزيع الأفلام على القاعات. مثلا في باب تكريم يسري نصر الله تمت برمجة شريطه "باب الشمس" والمتكون من جزأين في نفس التوقيت في قاعتين مختلفتين ولمرة واحدة فقط و لك أن تشاهد أي جزء تختاره، رغم تمفصل وتسلسل وتكامل الجزءين. إن هذا الارتباك في التنظيم دعمه غياب دليل المهرجان الذي لم يظهر سوى في اليومين الأخيرين، الأمر الذي جعل محبي السينما يضربون ضربا شعواء بين القاعات والعناوين، فمرة يصيب وكثيرا ما يخيب، مثله مثل حاطب الليل الذي يأتي على الأخضر واليابس.

لجنة التحكيم الدولية:

هذه اللجنة يرأسها الروائي اللبناني إلياس خوري، شملت أعضاء مهمين من السنغال والمغرب ومصر وبوركينا فاسو وفرنسا وتونس. وكان من المفروض التفكير مرات ومرات في اختيار ممثل تونس في هذه اللجنة، لأن اختيار هند صبري رغم نجاحها الجماهيري نسبيا ورغم تجربتها السينمائية كممثلة لم يكن مقنعا لأن هناك من هو أجدر منها في مجال النقد وقراءة السينما مثل الهادي خليل والطاهر شيخاوي وإقبال زليلة والطاهر بن غذيفة والناصر الطردي... فالجمعيات التونسية العاملة في حقل السينما تزخر بالكفاءات من ATPCC وFTCC و FTCA وهو ما يجعل النتائج أكثر جدية وأكثر إقناع.

اختيار الأفلام:

الأفلام الطويلة: كانت الاختيارات في مجملها جيدة سواء في المسابقة الرسمية مثل شريط "بامكو" للمخرج الموريتاني عبد الرحمان سيساكو، وفلم "انتظار" للمخرج الفلسطيني "رشيد مشهراوي، وشريط دنيا للمخرجة اللبنانية جوسلين صعب، وفلم "دارات" للمخرج التشادي محمد صالح هارون. وكذلك في الأقسام الأخرى كالقسم الدولي وقسم بانوراما، حيث شاهدنا العمل الوثائقي الرائع للمخرج الأرجنتيني "فرناندو سولاناس" بعنوان "وقائع عملية تخريب" صور الأرجنتين في أعنف أزمة اقتصادية واجتماعية شهدتها البلاد. وهذا العمل السينمائي يقوم بتفكيك خيوط الآلية التي قادت إلى الكارثة من تآمر الشركات المتعددة الجنسيات إلى فضح وتعرية المافيا الحاكمة.

الأفلام التونسية: لم نفاجئ في هذه الدورة بوجوه جيدة في قسم الأفلام الطويلة لا داخل المسابقة ولا خارجها، فالنوري بوزيد والناصر خمير والجيلاني السعدي وجوه تعود دائما للمهرجان باستثناء الجيلاني السعدي. فالنوري وخمير من مكونـــات الروتين المزمن ليس في مستوى الحضور فقط، بل كذلك في مستوى الأعمال المقدمة شكلا ومضمونا. ويمكن لنا أن نعود لمناقشة كلاهما في ورقات أخرى لاحقة. أما السعدي وهذا المهم فقد مثّل استثناء في خارطة الأفلام التونسية وذلك من خلال جرأة الطرح وحداثة الخيارات الجمالية رغم بعض النقص في بناء شخصياته والتي دافع عنها تحت تعلة أنه خيار ارتآه لكي تبقى الشخصيات ناقصة الملامح في شريطه "عرس الذيب".

الأفلام القصيرة: مثلت سارة العبيدي في شريطها Le Rendez Vous بذرة واكتشاف يبشر بسينمائية جادة ومتمرسة بفن السينما وفن الإخراج.

النتائج:

جاءت مخيبة للآمال حيث نال النوري بوزيد التانيت الذهبي عن فلم يمكن أن يستحق التنويه لضعف المعالجة السينمائية في القضية المطروحة. وسنعود لاحقا لتحليل الشريط ومناقشته.

أما "دارات" المتوج بالفضي و"انتظار" بالبرنزي فهما فلمان جيدان ويستحقان ذلك لجدية وجمالية المعالجة السينمائية للقضايا المطروحة إلى جانب "باماكو" و"عرس الذيب" اللذان يستحقان أكثر التنويه ولن نخوض كثيرا في النتائج لأن الأمر محل خلاف وقد يكون محكوما بالذائقة أكثر منه بالمنهج النقدي الدقيق.

ملاحظات هامة:

- الجامعة التونسية لنوادي السينما التي كانت وراء تأسيس المهرجان تغلق أمامها أبواب دور الثقافة والفضاءات العمومية لبعث نوادي.
- أزمة قاعة السينما من أزمة البلاد التي تتخبط تحت كلكل آلة القمع والمراقبة.
- البوليس السياسي حضر بكثافة أمام القاعات التي تعرض فيها الأفلام التونسية ونظم الدخول وواكب كل العروض من أولها إلى آخرها.

أيام قرطاج السينمائية إذا استمر بها الحال على ما هي عليه ستنتهي كجذع نخلة في فم الصحراء يستجدي الحياة.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني