الصفحة الأساسية > البديل الثقافي > شِعـْرٌ جميل لقضيّة عادلة
توقـّف قـلب درويش عن الخفقان:
شِعـْرٌ جميل لقضيّة عادلة
25 أيلول (سبتمبر) 2008

توفي الشاعر الفلسطيني محمود درويش في منتصف شهر أوت الفارط بعد صراع مرير مع مرض القلب. لم يكن باستطاعة قلبه المثقل بهموم القضية الفلسطينية وما عرفته من تداعيات خطيرة في السنوات الأخيرة تحمّل ثلاث عمليات جراحية، الأولى والثانية نجحتا والثالثة أودت بحياته. كان بإمكانه العيش أياما أخرى بقلب عليل لكنه أصر على إجراء العملية لأن عدم إجرائها يعني الإعاقة... وقد كان في مجالسه الخاصة يقول: "أفضّل الموت على العيش بإعاقة".

ولد محمود درويش في قرية البروة القريبة من حيفا في منطقة الجليل التي خصّها بقصيدة "العصافير تموت في الجليل". لتنطلق بذلك رحلته مع الشعر ومع النضال. كل قصيدة من قصائده كانت تعبّر عن مرحلة من مراحل نضال شعبه. كان يستمد صوره الشعرية من تجربته الخاصة ومن تجارب البسطاء من حوله، من صورة أمه وهي تعدّ فطور الصباح (أحن إلى خبز أمي...) ومن تمسك جده الفقير بقطعة أرضه الصغيرة لأنها رمز فلسطين المغتصبة، ومن هنا جاءت قولته "تعلمتُ معنى التمسك بالأرض" التي شـُرّد منها مع عائلته إلى لبنان سنة 1948 وهي الحادثة التي أثرت بشكل كبير في شعره واستعادها في عدة قصائد من أهمها "تعاليم حورية". كان شعره جميلا وعميقا ومعبرا لكنه أيضا مفهوم وبإمكان القارئ العادي تذوقه بسهولة لأنه انعكاس لمعاناة شعب يناضل من أجل قضيته العادلة.

لقد آمن درويش بقضية شعبه وكرّس كل حياته لخدمتها. ولأن الشعر وحده لا يكفي لتحرير الأرض وطرد المغتصبين فقد انخرط في العمل السياسي. كانت البداية بانتمائه للحزب الشيوعي الإسرائيلي. في هذه المرحلة كتب قصائده الأولى المتميزة بأسلوبها المباشر مثل "سجّل أنا عربي" التي أصبحت نشيدا للشباب العربي. ولم يكتف درويش بكتابة القصيدة بل كتب أيضا نصوصا نثرية من أهمها خُطب ياسر عرفات، ومن أشهرها بيانه في الأمم المتحدة الذي افتتحه بقولته الشهيرة "لا تسقطوا غصن الز￿تو￿ من يدي". كما ￿تب في صحيفة "الاتحاد" الصادرة في الأراضي المحتلة وأصدر مجلة "الكرمل" في بيروت. وبذلك أصبح درويش ليس مجرد شاعر عبقريّ فحسب بل وكذلك مناضلا سياسيا نشيطا خاصة بعد انتخابه في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وهو ما جعل الموساد يضعه على قائمة المطلوبين لتصفيته لأنه يرى فيه صوتا عاليا يشحذ العزائم ويشحن الهمم وينشر ثقافة المقاومة والحرية...

كغيره من الكتاب والشعراء العظام عاش درويش مشردا بين البلدان يعاني مرارة الغربة ووطأة المنفى... من فلسطين طردته عصابات الصهاينة إلى لبنان ومنها إلى روسيا ثم القاهرة ثم تونس ليعود من جديد إلى فلسطين... في بيروت كانت أجمل قصائده التي جاءت مصبوغة بما عاشه من حياة مليئة بالمعاناة والنضال حيث عايش حصار لبنان وتعرّض لخطر الموت والملاحقة وهو يتنقل بين المخابئ السرية ويحتك بالمقاومين والمناضلين فازدادت تجربته الشعرية صلابة ووضوحا وجمالية، فكتب واحدة من أهم قصائده "حصار لمدائح البحر" التي شبـّه فيها الامبريالية الأمريكية بالطاعون. كما كتب أيضا "بيروت نجمتنا بيروت خيمتنا".

في تونس عاش درويش بين التونسيين وقدّم بعض الأمسيات الشعرية في المسرح البلدي وفي مهرجان قرطاج وبيت الشعر وقفصة وكلية الآداب بمنوبة. وكتب بعض القصائد من أشهرها "أحد عشر كوكبا" التي قال فيها "إن إخوتي لا يحبونني يا أبي" في إشارة إلى علاقة الأنظمة العربية، ومن بينها النظام التونسي، بالقضية الفلسطينية. وفي تونس أيضا تحصل على "جائزة 7 نوفمبر للآداب". لم تضف له هذه الجائزة شيئا باعتبار أنه أكبر من"7 نوفمبر" ومن صانعه الذي اغتصب الحكم وحافظ عليه بالدوس على الإرادة الشعبية وإغراق البلاد في ظلمة الدكتاتورية والفساد والتبعية للقوى الامبريالية والصهيونية.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني