الصفحة الأساسية > البديل الوطني > فضيحة تعذيب جديدة بمركز شرطة قليبية
فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان قليبية قربة:
فضيحة تعذيب جديدة بمركز شرطة قليبية
15 حزيران (يونيو) 2010

الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان
في السنة الـ33 من انبعاثها القانوني
قرع قليبية قربة
في السنة الـ5 من حصاره البوليسي الظالم
لو يقيس الفاعلُ فعله على نفسه...

قالوا، والعُهدةُ عليهم أن إماما خطب في المصلين خطبة العيد، تحدث فيها عن ضرورة أن يَقسم المُضَحي أُضحيته على ثلاثة أقسام متساوية، وأن يتصدق بقسم منها (الثلث) على الفقراء. وعندما رجع إلى منزله وجد ابنه قد قام بما سمع منه في الخطبة، فغضب عليه وقال له: "كيف تفعل هذا أيها الأحمق؟" فأجابه ابنُه مندهشا: "لقد نفذت ما جاء في خطبتك، يا أبي" فاستعاذ بالله من شياطين الإنس والجن وقال له: "كلام تلك الخطبة عليهم، ولهم، وليس علينا ولا لنا. كيف لم تفهم هذا؟".

وطبعا لم نقل هذا هم قالوه ونحن نقلناه، ونذكره الآن لنستنتج منه، جِدا وليس هزلا، هَمًّا وليس حكاية، تنهيدة قهرٍ وليس استظهار براعة كلامية وبلاغة معنوية، خيالية. ولا تُطيلها وهي قصيرة، فالحالة لا تطاق والسكوت عنها إجرامٌ يفوق إجرام الفاعل، لا نقول هذا من باب "عْليهم مُوشْ علينا" لأن الأمر يهم جميع الناس، من أقلهم شأنا إلى أعلاهم (دون تمييز عنصري ولا طبقي)، وإذا كان القرآن الكريم يؤكد على أن "من قتل نفسا بغير حق كمن قتل الناس جميعا" (وهذا التعميم يدل على المعلم والأستاذ والفلاح والعامل والبطال والشرطي والضابط والمعتمد والوالي والوزير والرئيس والملك) – فإننا، نسمح لأنفسنا، بأن نقيس على ذلك فنقول "ومن عذب نفسا فكأنه عذب الناس جميعا" (وبنفس التعميم)، ولو قاس كل فاعل فعلته على نفسه لأحس بالفعلة، إحساسا حيا، غيرَ منقول له بكلام، أو بمشهد و "ما يْحِسْ الجمرة كانْ إللِّي يعْفِسْ عْليها". ولْننزل إلى واقع الناس، الحي، المعيش، ونقول: لو أن الشرطي الذي تفنن، بأعصابه الباردة، في تعذيب ضحيته، جرى عليه، هو بعينه، بنفسه، هذا التعذيب، أو جرى لأخيه أو أخته، أو أبيه أو أمه، هل كان يمارسه بالشدة والقسوة على غيره؟ لو أن الشرطي الذي بعج بطن المواطن محمد بن سعد، في مركز الشرطة بقليبية، منذ سنتين، وسبب له سقوطا بدنيا شديدا وأحاله على البطالة، لو أنه فكر، في نفسه وأخيه هل كان يفعل ما فعل، إن كان سليم النفس والضمير والطّويّة؟ فماذا يكون شعور هذا الشرطي المتطاول على القانون والإنسانية لو أنه تعرض إلى مثل ما تعرض له هذا المواطن؟ أم نردد ما يقوله العامة: "إذا وْلِيدْنا ضْربْ وليدكم يْشومْ النهارْ، وإذا وْليدكم ضرب وليدنا، راهُ لعْب صغارْ"؟.

ولكن أمر التعذيب والإعتداء على المواطن المسكين والإستهانة بحقوقه في مركز الشرطة بقليبية تكرر هذه الأيام بكيفية بشعة وفظيعة ومقرفة .

تصوّروا، أيها السادة، أنكم تقرؤون رواية من الروايات الأدبية مثل "الكرنك" لنجيب محفوظ، أو "شرق المتوسط" لعبد الرحمان منيف. لكن ما وقع في مركز الشرطة بقليبية، هذه الأيام، فاق التصور. وقد أُبلِغنا أن المواطن محمد الهادي القربصلي، من سكان قليبية وعامل في بلديتها، حُمل إلى مركز الشرطة بقليبية يوم الجمعة 11 جوان 2010 بتهمة من التهم (مهما كانت، وإثبات التهم هو من اختصاص المحكمة وليس من اختصاص البوليس، وكل متهم بريء حتى تثبت إدانته في محكمة، تكفل له كل الضمانات القانونية للدفاع عن نفسه. لكن هذا البوليس نصب نفسه بغير حق قاضيا بغير قانون وجلاّدا باستغلال سلطته وضعف المواطن)، وقضى المواطن الضعيف تحت الضرب والتعذيب وقتا من الساعة 11 صباحا إلى الساعة 18مساء حيث جُرّد من أغلب ملابسه، إلاّ من تبان صغير ورُبطت يداه، خلفه، لإجباره على الإعتراف بما نُسِب إليه من تهم. وفعلا، هو، من شدة الضرب والتعذيب اعترف بكل ما نسب إليه، وما لم يُنسب إليه، وليس له ما يفعله، بعد تورّم وجهه، وأجزاء من ظهره ومؤخرته وتكسير رجلُه، إلاّ الإعتراف، بأنه فجر الطائرات، وأثارَ البراكين، وشارك في الإنقلابات وحرّك المظاهرات، و.. و.. و.. ثم حُمل، لا من رحمة بل من خوف ورهبة، وهو لا يقوى على الوقوف ولا الجلوس، حمل إلى المستشفى الجهوي بنابل وهناك قُدّمت له الإسعافات الأولية ووُضعت رجله في الجبيرة وهو حاليا مقعدا بصفة مؤقتة لا يقوى حتى على أبسط الأمور مغلفا بالجبس.

لماذا هذا الإجرام في حق مواطن ضعيف، قيل إنه معروف بحسن السلوك والسيرة. وحتى لو أنه غير ذلك؟ وهل يُفعَل مثل هذا التعذيب ضد واحد ممن لهم "أكتاف" والحال أن التعذيب جريمة سواء تسلّطت على صاحب الأكتاف والجيوب، أو على غيره؟ ثم هل هناك محكمة، في أي مكان من الدنيا والآخرة، تحكم بعقوبة كسر الأعضاء والجلد، و "التربريب" زيادة على شتم الجلالة وتقحيب الأهل؟ وهل من فعل به هذا اندمج بسرعة، أسطورية، (وهو البوليس الملتزم بخدمة المواطن والمحافظة على أمنه، وليس تكسير عظامه، وتهريسه)- هل اندمج مع الأخبار الآتية له من معتقل غوانتنامو وسجن أبو غريب؟

إننا مع كل القوانين والمعاهدات الدولية التي تجرّم التعذيب، ونطالب بمحاكمة الذين مارسوا التعذيب ضد المواطن محمد الهادي قربصلي، أو أغمضوا عيونهم عليه، أو شجعوه، أو أمروا به. ونرفع أصواتنا عاليا، في السر والعلن إن التعذيب جريمة، ومجرمٌ مَن يمارسه أو يأمر بممارسته ونطالب بمحاكمته وعدم تمكينه، لأي سبب، من الإفلات من العقاب العادل، احتراما لكرامة المواطن وحرمته، وقدسيته، باعتبار أنه لا يكون الوطن منيعا ولا حرا ولا كريما إلا بمناعة المواطن وحريته وكرامته. أليس كذلك يا سيادة وزير الداخلية، ووراءك، أو أمامك، أو معك، لو كانت الدنيا دنيا؟.

ونحن، كرابطة،ومن موقعنا المحاصَر، أدنا، وندين كل تعذيب، وشهّرنا، ونشهّر، بفاعليه مهما كانت مراكزهم ومكانتهم.

أما البوليس الذي لا يعرف واجباته ولا يقدرها، ولا يحترم المواطن، فإنه لا يحترمه ولا يقدّره أحد. ربما يخافه البعض ويتظاهر بأنه يحترمه، لكن ذلك ليس احتراما ولكنه الخوف، فأيهما أفضل لك أيها الشرطي أن يحترمك المواطن أو يخاف منك، وفي وجهك فقط؟

قليبية في 15جوان 2010

رئيس الفرع
عبد القادر الدردوري


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني