الصفحة الأساسية > البديل الوطني > كفى خمسين عاما استبدادا ودكتاتورية
هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات:
كفى خمسين عاما استبدادا ودكتاتورية
17 آذار (مارس) 2006

تمر يوم 20 مارس 2006 خمسون سنة على إعلان الاستقلال السياسي لتونس. وقد غذى هذا الإعلان آمالا كبيرة في نفوس التونسيات والتونسيين الذين قدموا تضحيات جسيمة من أجل إخراج المستعمر تحدوهم الرغبة في أن يكون الاستقلال فاتحة عهد جديد يحققون فيه الحرية والكرامة والسيادة والرقي والتقدم. ويحق لهم اليوم أن يتساءلوا عن مآل تلك الآمال والطموحات بعد كل هذه الفترة التي لم يعرفوا خلالها غير حكم حزب واحد سيطر على مصائرهم وسدّ أمامهم أبواب التغيير.

1- إن خمسين عاما من حكم النظام القائم أكدت عجزه عن تحقيق تنمية وطنيّة شاملة تستجيب لمقتضيات النهوض بالبلاد وتضمن مقوّمات العيش الكريم للشعب، فتفاقمت التبعيّة وهدرت الثروات العمومية وتفشّى الفساد والإثراء غير المشروع وتعمّقت الاختلالات الاجتماعية بين الفئات والجهات، وانتشرت البطالة بما في ذلك في أوساط أصحاب الشهادات العليا وتدهور مستوى العيش، وتلاشت تدريجيّا المكاسب المحققة في مجانيّة التعليم و الصحة وتفاقمت الجريمة وحلت بالمجتمع أزمة قيميّة غير مسبوقة وشهدت البلاد تصحّرا ثقافيا خطيرا بفعل القيود المضروبة على حرية البحث والإبداع والنشر.

2- كما أكدت تنكر الحزب الحاكم لتضحيات الشعب التونسي وطموحات الحركة الوطنية بإرساء نظام استبدادي قائم على الحكم الفردي المطلق، وإلغاء دور المؤسسات وطغيان جهاز الأمن والمخابرات على الحياة العامة وفق أسلوب استثنائي قائم على "التعليمات" عوضا عن القانون رغم علاته. وقد أقامت السلطة المنبثقة عن هذا النظام علاقتها بالمجتمع على أساس الإخضاع وفرض الوصاية على كل تعبيراته المدنية والسياسية وألغت جميع الحرّيات وجرّمت ممارستها، وأحالت الآلاف من المواطنات والمواطنين من مختلف التيارات السياسية والفكرية ومن النقابيين والحقوقيين على المحاكم وزجت بهم في السجون وواجهت بالقمع الوحشي الحركات الاجتماعية الكبرى التي عرفتها البلاد (جانفي 1978، جانفي 1984، ...). كما زيفت على مدى نصف قرن الإرادة الشعبية ومنعت حصول أي تداول على السلطة وجعلت من الرئاسة مدى الحياة قاعدة للحكم. وبقدر تفاقم أزمة شرعية نظام الحكم نتيجة ذلك، ازداد ارتهانه بالخارج والاستقواء به على الشعب وقواه الديمقراطية المطالبة بالتغيير ومضى في استفزاز المشاعر الوطنية للشعب التونسي بإقدامه على التطبيع السافر مع اسرائيل والتخلي عن واجب التضامن مع القضايا القومية العادلة في العراق وفلسطين ...

3- وقد شهدت أوضاع البلاد في الآونة الأخيرة تدهورا خطيرا للحقوق والحريات تجسّد في الاعتداء على المحامين وعلى هياكلهم الممثلة والسطو على جمعيّة المحامين الشبان وعلى جمعية القضاة ومنع انعقاد مؤتمري الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ونقابة الصحافيين التونسيين وشلّ نشاطهما ومعاقبة الجامعيّين اثر إضرابهم الإداري وتشديد الحصار على أنشطة الأحزاب والتيارات السياسية المستقلة القانونية وغير القانونية وقمع التحركات المناهضة لدعوة شارون لزيارة تونس وتصعيد الاعتداءات الجسدية على رموز المجتمع المدني والسياسي. وقد تزامن تشديد القبضة الأمنية على المجتمع مع الهجوم على مستوى عيش الشعب بما تشهده البلاد من التهاب مستمرّ للأسعار وتدهور للخدمات الاجتماعية وطرد جماعي للعاملات والعمال وانسداد الآفاق أمام الشباب خاصّة الذي لم يبق من خيار أمام العديد منه سوى امتطاء "قوارب الموت".

4- إن هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات التي تمثل التقاء لأهم التيارات الفكريّة والسياسيّة بالبلاد، تدعو بهذه المناسبة كافة التونسيات والتونسيين إلى الوعي بخطورة ما آلت إليه أوضاع تونس وإلى مسك مصيرهم بأيديهم والاستلهام من نضالات الأجيال التي سبقتهم للنهوض مجدّدا بوطنهم ومجتمعهم. وهي تعتبر أن المدخل الضروري لأي إصلاح لأوضاع البلاد يمرّ حتما عبر النضال من أجل إقرار الحرية السياسية وإخلاء السجون من المعتقلين السياسيّين وسن العفو التشريعي العام، وهي مطالب دنيا تفتح الطريق نحو القضاء على الاستبداد وتحقيق الانتقال الديمقراطي وبناء مؤسّسات الدولة على قاعدة الشرعيّة الديمقراطيّة القائمة على مبادئ المواطنة والمساواة وسيادة الشعب والتداول الديمقراطي على الحكم والتعددية الفكرية والسياسية وصيانة حقوق الإنسان. وتؤكد "الهيئة" أن الحرية والديمقراطية تمثلان الإطار السياسي الضروري كي يصبح الشعب صاحب السيادة في تقرير الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تستجيب لتطلعاته وتحقق الطموحات التي ضحت من أجلها الأجيال المتعاقبة من التونسيات والتونسيين.

هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحرّيّات

تونس في 17 مارس 2006


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني