الصفحة الأساسية > البديل الوطني > كلمة حمة الهمامي باسم "هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات" في ندوة تونس بمناسبة الذكرى (...)
كلمة حمة الهمامي باسم "هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات" في ندوة تونس بمناسبة الذكرى الـ50 لإعلان الجمهورية
24 تموز (يوليو) 2007

7 جويلية / يوليو 2007

أيتها الأخوات،
أيها الإخوة،
الحضور الكرام،

نلتقي اليوم في الذكرى الخمسين لإعلان الجمهورية وكم كنا نودّ أن نلتقيَ بهذه المناسبة للاحتفال بمكاسب الجمهورية، ولكن مع الأسف ها إننا نلتقي لننعاها، ننعى الجمهورية في بلادنا، لأنها كانت منذ إعلانها، في 25 جويلية 1957، شكلية بلا روح وبلا مضمون. فالنظام الجمهوري الذي جاء تاريخيا نقيضا للاستبداد، ليؤمن للأفراد حرياتهم، ويضمن لهم المساواة في الحقوق دون ميز بسبب الدين أو الجنس أو اللون أو المركز الاجتماعي أو الانتماء السياسي ويجعل من المواطنة أساسا للعلاقة بين الدولة والمجتمع ويقر السيادة للشعب الذي يمارسها عبر انتخابات حرة ونزيهة، ويجعل من القانون فيصلا بين المواطنين، وبينهم وبين السلطة، إن هذا النظام، ظل مفقودا في بلادنا وحل محله الاستبداد.

إن الحرية عوضت بالمنع والقمع، والتعددية بالحزب الواحد والرأي الواحد وفي أفضل الحالات بتعددية شكلية تؤثثها أحزاب وجمعيات إدارية للديكور. كما عوّضت المؤسسات بسلطة الفرد، صاحب الحكم المطلق الذي يجمع بين يديه كافة السلطات والذي تحوّلت معه الرّئاسة إلى رئاسة مدى الحياة، ومبدأ الانتخاب ألغي لتحلّ محلّه التزكية والقانون استبدل بالتعليمات، والولاء للوطن بالولاء للشخص، والحقوق بالامتيازات والمواطنة بالرّعية والعدل بالجور والاطمئنان بالخوف والطواعية بالإكراه.

هذا ما حلّ بنا طوال العقود الخمسة الماضية، التي تلت إعلان الجمهورية. ولكن التونسيات والتونسيين لم يبقوا مكتوفي الأيدي. فقد ناضلوا ضدّ هذا الواقع السّياسي بما يبطن من استغلال وفساد وتبعيّة. وإذا نظرنا إلى تاريخنا خلال نصف القرن الأخير لوجدنا أنّ كلّ فئة من فئات الشعب كان لها مشوارا مع نظام الاستبداد. الفلاحون كان لهم مشوار في الستينات من القرن الماضي زمن التّعاضد القسري، الشباب الطلاّبي والتّلمذي والمهمّش كان له مشوار، العمال والنقابيون كان لهم مشوار، النساء كان لهنّ مشوار، المثقفون والمبدعون كان لهم مشوار. وخلال هذه المشاوير التي ما تزال مستمرّة، سقط المئات من الضحايا من أبناء الشعب وزجّ بالآلاف منهم في السجون وعرفوا ألوانا من الحرمان والعذاب.

كما كان لكل التيارات الفكرية والسياسية مشوار مع القمع والاستبداد الذي لم يستثن طرفا. يساريون وقوميون وليبيراليون وإسلاميون، نقابيون وحقوقيون ومبدعون، رجال ونساء، منظمون ومستقلون، جميعا كان لهم، وما يزال، مشوار مع الاستبداد الذي عطّل نهضة مجتمعنا، عطّل نمو طاقاته الزاخرة وحكم عليه بالجمود. الآلاف من النساء والرجال اعتقلوا وعذّبوا وشرّدوا وحرموا من أبسط حقوقهم المدنية والسياسية وما يزال العديد منهم اليوم يقبع في السجون التي ما أن تفرغ أو تكاد حتى تمتلئ بوافدين جدد. وخلال هذه المسيرة فقد العشرات حياتهم سواء بسبب التعذيب أو سوء ظروف الاعتقال.

إنّ طاحونة القمع جاءت على كل الحركات الاجتماعية والتنظيمات السياسية والجمعيات والهيئات الرّاغبة في الحفاظ على استقلاليتها. لقد عطّل القمع نموّ المعارضة في بلادنا، سواء كانت سياسية أو نقابية أو حقوقية أو غيرها. ومن الأكيد أنّ مناخ الحرّية والدّيمقراطية هو المناخ الوحيد الذي من شأنه أن يمكن المعارضة من أن تتطوّر وتنمو وتقدّم البدائل وتتنافس على كسب ثقة الشعب وتدفع عجلة تطوّر مجتمعنا، غير أنّ نظام الاستبداد أراد غير ذلك.

ولكن إذا اكتفينا بالحديث عن طاحونة القمع لنحملّها وحدها مسؤولية تخلّف المعارضة السياسية والمدنية في بلادنا فإننا سنسقط في التبرير، وننسى دور أخطائنا ونواقصنا في ذلك التخلّف. فالمعارضةّّ، سياسية كانت أم مدنية لها مسؤولية في تعطّل نموّها وبالتالي في تعطّل نموّ بلادنا ومجتمعنا.

فطوال عقود عانت المعارضة من أخطائها ونواقصها وخصوصا من تشتت صفوفها. وقد استغل نظام الاستبداد ذلك حتى يبقى جاثما بكلكله على صدر شعبنا وبلادنا. ولكن الوعي بدأ يتطوّر في السنوات الأخيرة، وأخذ كل طرف يراجع نفسه، يراجع مسيرته، وكان إضراب الجوع الذي شنّه في أكتوبر 2005، ثمانية من رموز الأحزاب والجمعيات نقطة تحوّل في تاريخ المعارضة التونسية. فلأوّل مرّة التقى ممثلون من تيارات فكرية وسياسية مختلفة، ولأوّل مرّة التقى ممثّلون عن أحزاب من جهة وجمعيات من جهة أخرى، ولأوّل مرّة سادت بينهم فكرة الالتقاء حول الحدّ الأدنى وغابت المزايدة بالحدّ الأقصى. وكانت المطالب الثلاثة التي رفعها المضربون عن الطعام، أي حريّة التعبير والصحافة، وحريّة التّنظيم والعفو التشريعي العام، التي كرّست ذلك الحدّ الأدنى، أساسا لوحدة عمل جمعت كافة المشاركين في الإضراب.

ونحن اليوم وبعد أكثر من عام ونصف من العمل المشترك فإنّ ما استنتجناه من هذه التجربة، وهنا أذكر بأنني أتكلم باسم "هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحرّيات" هو أنّ وحدة العمل بيّنت أنّنا قادرون على الالتقاء حول مهمّات محدّدة، كما بيّن النّقاش والحوار في إطار "منتدى 18 أكتوبر" أننا قادرون على الاتفاق حول مقتضيات دنيا للتعايش الديمقراطي. لا يعني ذلك أنّنا متّفقون أو أنّنا سنتّفق على كلّ شيء. فنحن التقينا ونحن مختلفون حول قضايا جوهريّة. وكذلك حول تفاصيل وجزئيات، ولكن الاختلاف لم يحل دون التقائنا. جمّعنا القمع والاستبداد من جهة والرّغبة في تحقيق الحرّية من جهة أخرى. إنّ الحريّة هي التي ستمكّننا من الصّراع والنّقاش حول اختلافاتنا، هي التي ستمكننا من التوجّه إلى الشعب التونسي بآرائنا وأفكارنا وبرامجنا ومقترحاتنا، وهذه الحرية هي التي ينبغي للجميع النضال من أجلها اليوم والالتزام، عند تحقيقها، بعدم المساس بها غدا لتكون قاسما مشتركا غير قابل للتصرّف.

إنّ أكثر من عام ونصف من التجربة أقنعتنا بأنّ العمل الموحّد، الذي لا ينفي الاختلاف، ولا الاستقلالية السياسية والفكرية لكل طرف، هو قدرنا ومصيرنا إذا أردنا أن نتقدّم بهذه البلاد ونخلّصها ونخلّص أنفسنا من الاستبداد. ومن النافل أنّ الحوار الذي أجريناه وما زلنا نجريه هو حوار من أجل الارتقاء بالعمل الموحد حول المطالب الثلاثة إلى أرضيّة تشمل أسس النظام الدّيمقراطي. إنّ المطالب الثلاثة التي التقينا حولها ضرورية لكلّ نظام جمهوري ديمقراطي ولكنّها ليست كافية لتشكّل وحدها أساسا لذلك النظام، وهو ما يفسّر اتفاقنا على إجراء الحوار. وقد صدر إعلان حول المساواة بين الجنسين بمناسبة اليوم العالمي للمرأة في الثامن من شهر مارس الماضي كثمرة أولى لذلك الحوار. واليوم بدأنا نقاش نقطة جديدة تهمّ مسألة حرّية الضمير والمعتقد التي تمثل بندا من بنود أي نظام ديمقراطي وسيصدر في ذلك إعلان مشترك أيضا. ونحن جادون في مواصلة الحوار ليشمل كافة القضايا التي أدرجناها في بياننا التأسيسي والمتعلقة بالحد الأدنى الديمقراطي الذي ينبغي لكل طرف مهما كان، يساريا أو إسلاميا أو قوميا أو ليبيراليا، عدم المساس به، إذا وصل إلى السلطة في يوم من الأيام. وهذا الحد الأدنى غير قابل للتصرف وملزم للجميع لأنه الأساس الذي تقوم عليه أي جمهورية ديمقراطية جديرة بهذا الاسم.

إنّ "هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات" التي تنظم اليوم هذه الندوة، تحت مظلة حزبين قانونيين هما الحزب الديمقراطي التقدمي والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، تؤكد بهذه المناسبة عزمها على مواصلة العمل المشترك وعلى تكذيب كل الرهانات عل فشلها، وهي تدعو مجددا كل الأطراف للالتقاء حول حد أدنى مشترك حتى لا يستمر الاستبداد في بلادنا مستغلا الخلافات في صلب المعارضة وحتى يفتح أفق جديد أمام شعبنا وبلادنا.

وبطبيعة الحال أمامنا مناسبات كثيرة للعمل مع بعضنا البعض. وكما ستتبيّنون عند تلاوة الإعلان المقترح صدوره عن هذه الندوة، فإن اهتمامنا بالمطالب الثلاثة التي تعرفونها، وهي حرية التعبير والصحافة وحرية التنظم وسن قانون العفو التشريعي العام لا يحول دون اهتمامنا بقضايا أخرى هامة مثل الموعد الانتخابي لعام 2009 الذي سنتصدى له تحت شعار : "لا للرئاسة مدى الحياة، لا للحكم الفردي المطلق" دفاعا عن حق كل التونسيات والتونسيين في المشاركة في الحياة العامة وفي الترشح لكافة المناصب التمثيلية وفي مقدمتها رئاسة الدولة. إن النضال من أجل الحريات دون التصدي للرئاسة مدى الحياة لا معنى ولا مصداقية له وذلك بقطع النظر عن الاختلافات التي يمكن أن تظهر بصدد الأساليب والوسائل التي يمكن أن تستعمل في ذلك التصدي.

إنّ "هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات" تدعوكم للالتفاف حولها وحول أرضية النضال التي تطرحها، وهي تأمل أن تلتف كافة مكونات المعارضة السياسية والمدنية في تونس، حول ذات الأرضية حتى وإن اختلفت فكريا وسياسيا، فالوحدة ضرورية لزعزعة أسس الاستبداد وتعبيد السبيل نحو القضاء عليه وإقامة جمهورية ديمقراطية في بلادنا تضمن الحريات وتكفل الحقوق للجميع دون ميز كائن ما كان.

- عاش النضال من أجل الحرية والديمقراطية.
- عاش النضال من أجل الجمهورية الديمقراطية.
- لا للرئاسة مدى الحياة، لا للاستبداد والحكم الفردي المطلق.

وشكرا لكم.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني