الصفحة الأساسية > البديل الوطني > كيف السبيل لتحقيق أهداف الثورة؟
كيف السبيل لتحقيق أهداف الثورة؟
1 آذار (مارس) 2011

مرّ اليوم شهر ونصف على إسقاط الدكتاتور بن علي بعد صراع ضار معه دام طيلة قرابة الشهر، انتصر شعبنا في هذا الفصل من المعركة لكن بقية المهام مازالت إلى اليوم عالقة، فما هي هذه المهام وكيف السبيل إلى تحقيقها؟

لاشك أن منطلق الأحداث إذا أرّخنا لها منذ يوم 17 ديسمبر 2010 الجاري، كان بإقدام الشاب محمد بوعزيزي على إضرام النار في نفسه احتجاجا على الظلم والحيف والقهر بمختلف مستوياته الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والإداري والثقافي ووو. وهو ما دشن للمسار الذي أخذته الأحداث منذ يومها إلى يوم 14 جانفي يوم فرّ الدكتاتور، لقد رفعت الجماهير المنتفضة في كل ربوع تونس، في كل مدنها وأريافها وقراها جملة من المطالب الواضحة والجلية، مطالب تتعلق بالحق في التنمية العادلة التي لا معنى لها دون ضمان الحق في الشغل والصحة والتعليم والضمان الاجتماعي والثقافة والترفيه والبيئة السليمة، وهي شعارات/مطالب هيمنت على مطالب المحتجين في الأسبوعين الأولين للانتفاضة الشعبية التي تركزت خاصة في جيوب الفقر والحرمان والفاقة من سيدي بوزيد إلى القصرين إلى الكاف إلى قفصة إلى سليانة، في خضم هذا النضال الضاري الذي واجهته الدولة البرجوازية بمنتهى القمع والتنكيل اقتنعت الجماهير الثائرة أن مطالبها الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق، بل يستحيل أن تتحقق، تحت هذا النظام بل على أنقاضه وفي خضم النضال ضده لذلك اصطفت جماهير الشعب تحت شعار مركزي هو رحيل النظام ورموزه (بن علي والعائلات المافيوزية المتحلّقة حول نظامه والمستفيدة منه) وهو شعار/مطلب توحّد حوله الشعب وقواه الثورية التي كانت في أغلبها في الموعد حتى تحقيقه مساء يوم 14 جانفي بفرار الدكتاتور، وبهذا حقق الشعب جزءا هاما من مطالبه وليس كل مطالبه، صحيح أن النظام في بلادنا فردي مطلق، وأن الجنرال الفاشي كان يجمع في يديه كل السلطات، لكن صحيح أيضا أن الدكتاتور كان يعتمد على دستور وترسانة قوانين قهرية قدّت على قياسه، وكذلك على مؤسسات قمعية وسياسية (البوليس السياسي، التجمع، مجلس النواب والمستشارين والبلديات ووو) وكذلك اختيارات اقتصادية واجتماعية تابعة وغير شعبية، شكلت لعقود متتالية البنية الأساسية للاستبداد، ومادامت هذه البنية الأساسية قائمة وموجودة فان الدكتاتورية قائمة أيضا، وهو شيء تعيه اليوم الجماهير التي لن يكتب لثورتها النجاح ما لم تفكك بنية الاستبداد ومقوماته وعلاماته، فلا شك أن شعبنا ثار وقدم التضحيات ليس من اجل نصف حل، وليس من أجل أن يرحل بن علي ويبقى نظامه ومؤسساته وأجهزته وقوانينه وخياراته، إن شعبنا ثار كي ينهي الاستبداد والدكتاتورية، ويؤسس على أنقاضهما الحرية والديمقراطية والعدالة، وهذه الأخيرة ليست مجموعة إجراءات مبتورة وجزئية تتعلق بالحريات، بل هي تأسيس للديمقراطية الفعلية في مختلف أبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية، وذلك لأول مرة في تاريخ بلادنا، إن الشعب لم يقدم هذه التضحيات كي تقوم حكومة التفاف يشارك فيها منق مع الشعب وخذله ولم يناضل يوما من اجل رحيل بن علي، بل كان قابلا بإنقاذه في اللحظات الحاسمة التي لم ترتعش فيها أيادي الجماهير بل ارتعشت فيها الأيادي الانتهازية والرجعية. إن الجماهير الكادحة ثارت كي تخلق وضعا جديدا يعكس سيادتها واختياراتها ومصالحها وليس مصالح عدوها الطبقي الذي ظل يمصّ دمها منذ عقود، إن هؤلاء ثاروا من أجل اختيارات تضمن كرامتهم وعزتهم وحقوقهم، وليس للحفاظ على اختيارات كانت سببا في كل ماسيهم ومصائبهم.

إن شعبنا اليوم هو في مفترق طرق وفي وضعية حاسمة، إما أن ينتصر إلى الأبد على الدكتاتورية وإما أن ينهزم في هذه الجولة أمامها. وطريق الانتصار بيّن وظاهر وهو لن يكون إلا بمواصلة الصيرورة الثورية إلى منتهاها، إن هدف الجماهير الثائرة هو بعث نظام يعكس مصالحها، نظاما يكون نتاجا لهذه الثورة لا بقايا لوضع سابق عنها، إن الحكومة الحالية لم تنشأها الثورة بل هي التفاف عليها وحكومة ثورة مضادة، فالحكومة هي حكومة بن علي معدلة ومنقحة، محتكمة إلى دستور وقوانين ومؤسسات القمع والدكتاتورية، وهو وضع هجين لا يمكن قبوله بل يجب دحضه ودحره، إن الديمقراطية لا يمكن إن تتحقق باليات الدكتاتورية، بل تولد في قطيعة معها وعلى أنقاضها، إن الخطر اليوم هو في وهم تحقيق الديمقراطية في تواصل مع الدكتاتورية، انه وهم يفنده التاريخ والمنطق السليم وكذلك تطلعات شعبنا، إن الشعوب التي اختارت الديمقراطية قطعت دابر الاستبداد في مختلف تجلياته وتمظهراته، وشعبنا يريد اليوم الحرية الحقة والديمقراطية الكاملة، لذلك لا خيار أمامه إلا العمل على إسقاط هذه الحكومة كاملة وليس وزيرها الأول الذي استقال يوم 27 فيفري تحت الضغط الجماهيري الواسع، إن شعار المرحلة هو إسقاط الحكومة المحتكمة إلى آليات وقوانين العهد البائد، وهي مدعومة اليوم من قبل القوى الرجعية المحلية والإقليمية والخارجية، وهي تحافظ على نفس الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

إن الجماهير بصدد الاهتداء إلى حلولها الثورية الخاصة، وما أشكال الانتظام الذاتي التي باشرتها منذ اليوم الأول في شكل لجان ومجالس ورابطات شعبية وجبهات نضالية(جبهة 14 جانفي..)تطورت اليوم إلى مجالس حماية الثورة تتكون في المدن والأحياء والقطاعات من قبل النشطاء النقابيين والسياسيين والنساء والطلاب ووو هي رد عملي وميداني على حكومة البرجوازية، إن هذه المجالس هي أشكال وتعبيرات عن الإرادة الشعبية في هذه اللحظة التاريخية وهي يمكن أن تتطور إلى سلطة مضادة للجماهير تعبر من خلالها عن مصالحها ومطالبها على درب أن تكون بديلا فعليا عن حكومة الطبقات الرجعية، وهذا مشروط بمدى اقتناع الجماهير بأهمية هذه الخطوة الجريئة، على أن الواقع في الجهات يؤكد هذا النزوع نحو إيجاد الآليات المستقلة والذاتية للجماهير ضد الآليات المنصبة والصورية الموجودة كالمجالس البلدية وغيرها، وقد قامت الجماهير في عديد المدن بإسقاط المجالس البلدية المنصبة وعوضتها بلجان شعبية، كما قامت بتأميم مقرات الشعب وحولتها إلى ملكيتها، وهي تخوض اليوم معركة هامة ضد الولاة والمعتمدين وكبار المسئولين، الفاسدين والمعينين، دفاعا عن حق الجماهير في اختيار مسؤوليها عبر انتخابهم انتخابا حرا وشفافا، وهو أمر يشمل المستوى المحلي والجهوي والقطاعي والوطني، من العمدة إلى مجلس النواب والمستشارين الذين يجب حلهما وانتخاب مجلس تأسيسي كي يعكس إرادة الناس وتطلعهم إلى وضع جديد يكون عنوانه: إعلان ميلاد الجمهورية الديمقراطية، المدنية والعصرية التي تعتمد دستورا ديمقراطيا وقوانين عادلة و نظاما سياسيا يمكن/أو يجب أن يكون برلمانيا كي يسد التونسيون الباب نهائيا أمام العودة للدكتاتورية، إن الشعب الذي أسقط بن علي وهو من أفضع الأنظمة الاستبدادية في العالم، قادر اليوم على كنس المتاجرين بثورته وفي مقدمتهم حكومة الغنوشي/السبسي على طريق تحرره النهائي من الدكتاتورية والاستغلال.

إن التنظم الذاتي الواسع والجماهيري هو حلقة متقدمة في نضال شعبنا اليوم من أجل مجتمع بديل، والتنظم لا يجب أن يبقى حكرا على الملفات السياسية رغم أهميتها، بل يجب أن يشمل كل الفئات الشعبية مثل الفلاحين الصغار والحرفيين والمعطلين والنساء والتلاميذ والمثقفين والمبدعين... كما يهم مختلف أوجه النشاط اجتماعية وخدمية وثقافية وحقوقية ووو... إن التنظم الذاتي وخلق أشكال التمثيل الجديدة على أسس ديمقراطية يمكن جماهير الشعب من الدفاع عن نفسها باليات وأطر هي التي أنتجتها وخلقتها، كما يمكنها اليوم من الدفاع الأنجع على الثروة ومطالبها والتصدي لأعدائها الظاهرين والمندسين. إن نقطة القوة في كل الثورات المظفرة كانت حسن تنظيمها، ونقطة الفشل في الثورات المتعثرة كانت ضعف تنظيمها، وشعبنا فهم هذا الآمر وهو بصدد انجازه بشكل خلاق ومبدع.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني