الصفحة الأساسية > البديل العربي > لا خيار أمام غزاة العراق سوى الهروب
لا خيار أمام غزاة العراق سوى الهروب
20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2003

لم تترك المقاومة العراقية أي خيار أمام الغزاة سوى الهروب من الجحيم العراقي. هذه الحقيقة التي تتأكد يوما بعد يوم أصبحت محل إجماع لدى كل متتبع نزيه للأحداث في العراق. فالإمبريالية فشلت في العراق وهزيمتها واقع لا جدال فيه. والمقاومة العراقية صارت تتحكم في الأوضاع الأمنية… فهي التي تقرر ما إذا كانت الدول الموالية لبوش سترسل جنودا إلى العراق أم لا، وهي التي تقرر فرض حظر التجول أو السماح به، وهي التي تمنع سرقة النفط، وهي التي تؤثر بشكل ملموس على السياسة الأمريكية تجاه العراق… هذه الحقائق لمسناه خاصة في الأسابيع الأخيرة مع تصاعد وتيرة المقاومة كميا ونوعيا واتساعا. فرأينا تركيا تتراجع عن إرسال جنود إلى العراق استجابة للرسالة الواضحة والعاجلة التي وجهتها إليها المقاومة العراقية من خلال تفجير سفارتها في بغداد. هذه الرسالة وصلت أيضا إلى عديد الدول التي بدأت تفكر في دخول المستنقع العراقي، خاصة بعد أن اهتزت الأرض تحت القاعدة الإيطالية في الناصرية. فكانت الاستجابة الفورية لصدى المقاومة، حيث تراجعت اليابان وكوريا الشمالية عن إرسال المدد إلى مرتزقة بوش وبلير المحاصرين بنار المقاومة.

وتحولت المدن العراقية، وخاصة العاصمة بغداد إلى مدن أشباح، بمجرد أن أعلنت القيادة المركزية للمقاومة يوم 9 أكتوبر المنصرم يوما للمقاومة. ونشاهد يوميا ألسنة اللهب تتصاعد من أنابيب النفط حتى لا يقع تهريبه وتمويل الاحتلال بعائداته.

أما المحتلون فإنهم يبدون اليوم أكثر من أي وقت مضى في موضع العاجز والمرتبك وغير القادر على تحقيق أي هدف أو إنجاز أي مهمة حتى وإن كانت تتعلق ببعض الجوانب السياسية الشكلية مثل سن "دستور" أو تشكيل حكومة صورية، أو حتى مجرد تنسيق المواقف بين مكونات العصابة البوشية.

لقد تمكنت المقاومة العراقية الباسلة والمتصاعدة من التحكم الفعلي في الواقع العراقي عسكريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا. وبات المواطن العراقي يعدل ساعته على وقع تصاعد المقاومة ويأخذ تعليماتها مأخذ الجد، ضاربا عرض الحائط بالوعود الكاذبة للمحتلين العاجزين عن تحقيق أي شيء بما في ذلك توفير الأمن لأنفسهم ولعملائهم.

ورغم التصريحات المتضاربة للمسؤولين الأمريكيين حول تصميمهم على عدم الخروج من العراق، فإن عديد المؤشرات تؤكد أن صقور البيت الأبيض بدأوا بالفعل يعدون العدة للفرار من الجحيم العراقي. هذه الحقيقة يمكن استخلاصها من الواقع على الميدان. فالأمريكيون لا يمكنهم البقاء على أرض ما فتئت تلتهب تحت أقدامهم يوما بعد يوم ولا أمل لهم في إخماد هذا اللهيب. بل إنهم كلما توهموا أنهم حققوا تقدما إلا وازداد اللهيب ضراوة واتساعا، ملتهما المزيد من الجنود (من المنتظر أن يبلغ عدد الجنود الأمريكيين الذين قتلوا في العراق منذ بدء الغزو إلى حوالي 300 مع نهاية شهر نوفمبر الجاري) ومكلفا الإدارة الأمريكية الأموال الطائلة وهي التي تعاني من العجز ومن الركود الاقتصادي ومن تفاقم المشاكل الاجتماعية؟

وقد بدأت بالفعل تتسرب أنباء عن ترتيبات ما قبل الهروب من العراق. فقد ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن إدارة بوش بدأت تفكر باستراتيجية للخروج من العراق. ففي الوقت الذي تنفي فيه الإدارة هذه الأقاويل إلا أنها بحسب كولونيل متقاعد تبحث في الحقيقة عن استراتيجية للخروج، ويبدو أن إلحاح الحملة الانتخابية على بوش يدفعه للتفكير بالإسراع في الخروج (أو الهروب) من العراق.

ولم يعد بعض المسؤولين في الإدارة الأمريكية يتحرجون من التصريح بضرورة الإسراع بمغادرة المستنقع العراقي وتجنب المزيد من الخسائر البشرية والمادية. فقد أكد جيم ليتش وهو عضو في مجلس النواب الأمريكي ان القوات الأمريكية تخوض في الوحل ببطء في العراق… وطالب ليتش بضرورة الإسراع في مغادرة العراق قبل التورط في مزيد من المشاكل والخسائر...

وبعد التصريحات المتضاربة للعصابة البوشية بشأن الخروج أو البقاء في العراق، جاءت عودة بريمر، ممثل الاحتلال في العراق، إلى واشنطن في منتصف الشهر الجاري للتشاور (أو بالأحرى لإقناع إدارته بضرورة الإسراع بالهروب من الجحيم العراقي)، لتؤكد أن لا خيار آخر أمام بوش وزبانيته سوى الفرار في أقرب وقت. فعودة بريمر إلى واشنطن جاءت بعد التصعيد النوعي والمكثف للعمليات ضد الأمريكيين وضد كل الدول التي لها جنودا على أرض العراق. وخاصة قصف فندق الرشيد بالصواريخ وإسقاط المروحيات والتفجيرات الهائلة التي هزت العاصمة بغداد مع حلول شهر رمضان، دون أن ننسى الانفجار الكبير الذي هز القاعدة الإيطالية في الناصرية في الوقت الذي كان فيه بريمر يتشاور مع بوش… وتزامنت هذه الزيارة أيضا مع بروز خلافات بين "مجلس الحكم الانتقالي" والحاكم العسكري في العراق بول بريمر. وهي خلافات تعكس في الحقيقة حالة واليأس التي أصبح عليها ممثلو بوش في العراق.

وبعد مشاورات بريمر في واشنطن، خرج زعيم العصابة، بوش الإبن، ليعلن أن إدارته قررت "تغيير استراتيجيتها في العراق والإسراع بنقل السيادة إلى العراقيين". وهو مؤشر واضح على أن الموقف الداعي إلى ضرورة الإسراع بالهروب هو الذي فرض نفسه بحكم الأوضاع المتردية التي باتت عليها قوى الاحتلال في العراق.

وتدعم هذا الاعتقاد فور عودة بريمر من واشنطن إلى بغداد، حيث سارع بالاتصال بـ"مجلس الحكم الانتقالي" ليعرض عليه مسألة الإسراع بنقل "السيادة" إليه قبل نهاية صيف 2004. وهو الذي اشتكى قبل يومين فقط من تصرفات هذا المجلس داعيا إلى تغييره!

لكن تأكيد صقور البيت الأبيض بأنهم لن يهربوا من العراق قبل إتمام مهمتهم، له ما يبرره. فخروج الولايات المتحدة من العراق سيكلفها خسائر جسيمة على جميع المستويات. فعلى المستوى العسكري ستفقد هيبتها كأعظم قوة عسكرية في العالم، ومن غير المقبول أن تتعثر في هذه الخطوة الهامة نحو استكمال مشروعها الاستعماري الهادف إلى السيطرة على العالم. وهذا من شأنه أن يشجع الدول المهددة بالغزو (كوريا الشمالية، إيران، سوريا…) على مزيد "التمرد والعصيان". وعلى المستوى السياسي ستتعمق عزلة الولايات المتحدة في حال خروجها منهزمة من العراق بعد أن غزت هذا البلد منفردة ضاربة عرض الحائط بكل المواثيق والمعاهدات الدولية ومتجاوزة المؤسسات الدولية الرافضة لهذا التدخل.

أما على المستوى الاقتصادي فإن مصاعب واشنطن الاقتصادية ستتفاقم جراء ما صرفته من أموال طائلة على حملة استعمارية لم تجن منها سوى القتلى والجرحى والخسائر المادية الجسيمة. وهذا ما يدعو إلى الاعتقاد إلى أن الولايات المتحدة تعتبر "الانتصار" في حربها ضد العراق مسألة استراتيجية من الصعب التراجع عنها. وهو ما قد يدفع بها، وهي في حالة يأس، إلى ارتكاب أشنع الجرائم واستعمال أفتك الأسلحة لتركيع الشعب العراقي الصامد حتى يكون عبرة لغيره. وقد بدأت بالفعل بتنفيذ عملية واسعة النطاق، أطلقت عليها هذه المرة اسم "المطرقة الحديد"، تسعى من خلالها إلى إرهاب الشعب العراقي وحمله على الاستسلام من خلال قصف الأحياء السكنية والتجمعات العمومية وإطلاق النار بشكل عشوائي وعمليات الاعتقال الواسعة النطاق… إلا أن هذا الخيار لن يأتي بنتيجة. فالتفوق التكنولوجي وامتلاك الأسلحة المتطورة غير مجد مع حرب عصابات تحظى بتأييد شعبي واسع وتضم عناصر مدربة على جميع أنواع الأسلحة ولها خبرة سنوات عديدة مع الحروب (حرب الخليج الأولى والثانية). وإسقاط المروحيات بواسطة الصواريخ الخفيفة المحمولة على الكتف وقصف المواقع بواسطة الصواريخ والنجاح في التسلل إلى أحصن المواقع.. يؤكد أن المقاومة العراقية تمتاز بتوفرها على كوادر عسكرية محترفة ومدربة جيدا ولها خبرة في التعاطي مع الحروب.

بالإضافة إلى ذلك فإن المقاومة العراقية تحظى بدعم شعبي واسع عكسه الابتهاج الشعبي عقب كل عملية ناجحة ضد المحتل والذي لم تستطع وسائل التضليل الإعلامي حجبه. في هذا الإطار ننقل شهادة صحافي بريطاني زار بغداد في الآونة الأخيرة وكتب مقالا في "التايمز" جاء فيه:" إن ما يدهش الزائر لبغداد هذه الأيام هي موجة الكراهية للأجانب وللأمريكيين بالذات. وهذا الكره لا يتأتى فقط من الذين يدعمون الهجمات على الأمريكيين ولكن بين ملايين العراقيين العاديين.. حتى الشرطة العراقية اشتكت لي بوصفي صحافي من سوء المعاملة التي تلقاها من الأمريكيين". ولاحظت صحيفة "الغارديان" أن محلا في حي الرسالة في مدينة الفلوجة علق لافتة كتب عليها عدد الجنود الأمريكيين الذين قتلوا في عملية إسقاط المروحية (60 قتيلا حسب ما جاء في هذه اللافتة)، تحتها عبارة "أبطال المقاومة الشرفاء الذين يقاتلون العدو لإخراجه من العراق".

هذه الشهادات الصحفية وغيرها تأتي لتكذيب ما تردده أبواق الدعاية الإمبريالية من أن الشعب العراقي ضد المقاومة (التي تنعتها الإمبريالية وعملاؤها بالإرهاب) ومع الاحتلال.

من ناحية أخرى فإن الهوة ما فتئت تتسع بين الحكومات البرجوازية المساندة لواشنطن وبين شعوبها، وهو ما أكده استطلاع الرأي الذي أجرته المفوضية الأوروبية، حيث اعتبر 58% من الأوروبيين الذين شملهم الاستطلاع أن الولايات المتحدة وإسرائيل هما أخطر دولتين على السلم والأمن في العالم. المفوضة الأوروبية سارعت إلى التنصل من نتائج هذا الاستطلاع لتؤكد بذلك أنها في واد بينما الرأي العام الأوروبي في واد آخر.

وما زالت الدول العربية والدول المجاورة للعراق تتآمر على الشعب العراقي في سعي محموم لإرضاء بوش وعصابته طمعا في المساعدات وخوفا من الغزو. آخر المؤامرات جاء من الجارة سوريا التي استضافت مؤخرا اجتماعا لوزراء خارجية الدول المجاورة للعراق. الذين أصدروا بيانا جددوا فيه الولاء والتأييد وعبروا عن استعدادهم لمساعدة العصابة البوشية في "إحلال الأمن" والقضاء على المقاومة ومنع المتطوعين من التسلل إلى العراق عبر أراضيهم، ونقل السيادة إلى "العراقيين"، أي إلى عملاء المجلس الذي شكله الاحتلال. وجددوا رفضهم لـ"الإرهاب" (أي ما تقوم به المقاومة وليس جنود الاحتلال). ولم يتضمن البيان أي إشارة إلى ضرورة إنهاء الاحتلال أو حتى مجرد إدانته لفظيا. النظام التونسي هو الآخر لا يترك أي فرصة تمر دون إثبات الولاء وتجديد الاستعداد لرهن الوطن وتلطيخ المشاعر الوطنية والقومية للشعب التونسي في والوحل تلبية لرغبة بوش وعصابته. فقد جدد رمز التبعية والدكتاتورية في تونس، بن علي، في خطابه بمناسبة الـذكرى 16 للانقلاب مواقف نظامه في علاقة بالقضيتين العراقية والفلسطينية وهي مواقف منسوخة عن المواقف الأمريكية.

وكل متتبع لوسائل الإعلام التابعة لبن علي وخاصة الإذاعة والتلفزة يلاحظ هذا التواطؤ المكشوف من خلال نشرات الأخبار التي لم ترق حتى إلى مستوى وسائل الإعلام المرتبطة بالمخابرات الأمريكية والبريطانية (BBC، صوت أمريكا، إذاعة العراق الحر…) في علاقة بتعاطيها مع الشأن العراقي. فصوت المقاومة غائب تماما في وسائل إعلام بن علي ولا حوارات إلا مع رموز الاحتلال وعملائه. فضلا عن وصف عمليات المقاومة بالإرهاب وعدم اعتبار القتلى العراقيين شهداء...

إن الشعب العراقي في حاجة ماسة إلى المساندة والدعم في وقت تحاول فيه الإمبريالية العالمية بقيادة واشنطن تنظيم صفوفها وتكتيل جهودها وحشد أكبر عدد ممكن من الدول لتركيع الشعب العراقي وفرض الاحتلال عليه وتنصيب حكومة عميلة على أرضه…

ومن غير المقبول أن تتحرك شعوب أوروبا وتبقى الشعوب العربية مكتوفة الأيدي. لا بد من التحرك على جميع المستويات وبكل الوسائل من أجل دعم مقاومة الشعب العراقي الباسلة.

إن الأنظمة العربية المتورطة في العدوان على العراق ترتعد خوفا من انتصار المقاومة العراقية. لأن ذلك سيشجع القوى الوطنية والتقدمية على تصعيد النضال ضد الدكتاتورية وضد العمالة. لذلك نرى هذه الأنظمة العميلة تعمل على منع أي تحرك شعبي مساند للمقاومة.
-  تسقط العمالة، تحيا المقاومة.
-  الدعم كل الدعم للمقاومة العراقية.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني