الصفحة الأساسية > البديل الوطني > "لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض"مع دولة القتلة والمجرمين
بعد مجزرة تالة والرقاب والقصرين:
"لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض"مع دولة القتلة والمجرمين
12 كانون الثاني (يناير) 2011

بعد التطورات الأخيرة في تالة والقصرين والرقاب وسقوط عديد القتلى والجرحى برصاص الأجهزة الأمنية، ما عاد هنالك من شك اليوم في أن تونس تشتعل وأن شعبها ينتفض ضد بؤس وضعه الاجتماعي وضد قهره السياسي.

أين نحن الآن من أكاذيب بن علي وزبانيته من المرتزقة عندما ادعوا في بدايات الاحتجاجات في سيدي بوزيد أن ما يحدث هامشي ومن فعل قلة من الضالين. ها هو نهوض البلاد، رغم تخلف بعض أطرافها، يتواصل منذ أكثر من ثلاث أسابيع وبأكثر جرأة وبأكبر التضحيات. ها هي دماء الأبرياء تسقي أرض الوطن كما سقته دماء المكافحين عهد الاستعمار.

ما عادت "تونس الخضراء" خضراء.ها هي تغدو حمراء. حمراء بدماء الشهداء في تالة و الرقاب والقصرين. ما عادت عاصمة تونس اليوم مدينة تونس بل غدت مدينة تالة. ورغم صغر حجمها هي اليوم القلب الذي ينبض به كامل الوطن وهي الجرح الذي به تنزف كل الشرايين.

ها هي ولاية القصرين تدفع أثمن ضريبة للحرية وللنضال ضد دولة الاستبداد والفساد، دولة "العهد الجديد". ها هي راية الصمود والتضحية تخفق في ربوع القصرين بعد أن رفعتها ربوع الرديف وتداولتها ربوع سيدي بوزيد.

يا أهل الرديف ما كانت الرديف وحدها تناضل. يا أهل سيدي بوزيد ما كانت سيدي بوزيد وحدها تقاوم. أنظروا الآن ما تعانيه القصرين وتالة وكيف يجزر سكانها بوليس بن علي وجيش بن علي. ولكن سوسة تستعد لرفع نفس الرايات ضد القهر والاستبداد ومدن أخرى تمتلئ شوارعها بريح الحرية وبزغاريد النسوة وصخب تلاميذ المدارس وحناجر العاطلين القادم من غرب البلاد وجنوبها. مدن ترمق أعدائها، تتربص بهم وتنتظر موعدها مع التضحية والنضال.

ها هي تنكشف الآن حقيقة " الجيش الوطني".

ما عرفناه وطني عندما اغتيل أبو جهاد وما عرفناه وطني في الرد على غارات الدولة الصهيونية على حمام الشط وما عرفناه وطني في دعم نضال شعبنا العربي في فلسطين. من شدة علو وطنيته لم يسكب هذا الجيش إلى حد الآن قطرة دم واحدة في الدفاع عن أرضنا المغتصبة. قياداته أسود في مواجهة أهاليهم، فرسان عندما يتطلب الأمر المشاركة في تمزيق أحشاء أبناء شعبهم العزل، فئران ترتعد عند ذكر الصهاينة والأمريكان.

مند بداية نضالات سيدي بوزيد قلنا أن بن علي سيلجأ للرصاص وللجيش لإخماد النهوض الشعبي وأن المؤسسة العسكرية لن تدخر جهدها في إعانة بن علي في تقتيل المواطنين العزل من كل سلاح. فالجيش يحاصر المدن ويترك أيادي قوات البوليس طليقة في زهق أرواح المواطنين. وماذا ننتظر من دولة لصوص ظهرها للحائط و ماذا ننتظر من قيادات عسكرية تربت وتدربت على أيادي الفرنسيس والأمريكان وعملت طويلا كخدم مطيع في قصر قرطاج.

ألا يوجد في جيش الديكتاتورية قيادات وطنية تحمى شعبنا من قناصة بن علي؟

نحن لا ننتظر إلا أن نراهم حتى نصدق. أم على شعبنا أن يدفع ضريبة الدماء حتى يتزحزح بعضها؟! أم أن هده القيادات أقسمت بالولاء لدولة الطرابلسية ولا غير دولة الطرابلسية.

عشرات القتلى وعدد لا يحصى من الجرحى في تالة والقصرين والرقاب وتطويق كامل للمنطقة بقوات الجيش. في نفس الوقت تبث القناة التلفزية الرسمية مقابلة لكرة القدم كأن شيء لم يكن! يا لروعة الإعلام في دولة بن علي. صحيح أن الناطق الرسمي الجديد باسم الحكومة كان لتوه وزيرا للرياضة. ويا لروعة الحنكة السياسية لهذه الدولة في معاملة مواطنيها.

الديكتاتورية تصيح بأنها في حالة دفاع شرعي!

تدافع عن نفسها من من؟! من المواطنين العزل الذين يحاربونها بالشعارات والحناجر وفي أقصى الحالات بالحجارة وفي أخطرها بحرق أجسادهم؟!

لقد قلنا مررا أن دعوات المعتدلين للتفاوض مع بن علي لن تُجدي نفعا وأن محاولاتهم الطيبة حتى يستجيب لمطالب العاطلين عن العمل والمفقرين لن يكون لها أي جدوى.فعلى رأس هذا النظام كائن مشوه لا أذان له ولا سمع.

ما عادت لدينا مطالب نتقدم بها لدولة الطرابلسية، دولة اللصوص ودولة العمالة ودولة الإجرام. نحن لم ولن نعترف لها بأي شرعية حتى نتقدم لها بأي مطلب لا في مجال الشغل ولا في مجال التنمية ولا في مجال التوزيع العادل للثروة ولا في مجال الديمقراطية ولا في مجال حرية الإعلام ولا في مجال إقالة وزرائها.

معارضة سياسية تحترم نفسها يجب أن تتخلى عن كل مناشدة لهذا النظام. معارضة تحترم نفسها يجب أن تنخرط في المقاومة والتضحية إلى جانب شعبها وأن ترفع صمود الجماهير وجرأتها إلى مستوى المهمة السياسية الرئيسية، أي تحطيم الديكتاتورية وتحطيم مؤسساتها.

مسؤوليات المعارضة اليوم في الوحدة. ولكن وحدة على قاعدة القطع النهائي مع دولة بن علي الدموية. "لا اعتراف ولا صلح ولا تفاوض" مع دولة اللصوص والعمالة. وحدة المعارضة لا يمكن أن تكون إلا وحدة نضال لا وحدة مساومات.

لدلك سندعو شعبنا إلى رفض كل سيناريوهات التسويف والاحتواء والترقيع التي تبقي على حكم آل بن علي وآل الطرابلسية والماطرية ومن لف لفهم. حكم الطبقة المستثرية والعميلة للرأسمال الأجنبي. سندعو شعبنا إلى رفض أي ترقيع للديكور الديمقراطي المخزي ورفض أي 7 نوفمبر ثان ورفض أي جلف من أجلاف المؤسسة الأمنية، التي تتلطخ يداه اليوم بدماء شعبنا، كبديل لبن علي.

نحن مستعدون لأن نخسر أي شيء إلا شيء واحد: الأمل. وأملنا يتغذى اليوم بتضحيات الجماهير البسيطة والمسحوقة لكن المعطاء. نحن نعرف أن الطبقات المسحوقة تنتفض فتُسحق ثم تنتفض فتُسحق. وفي إحدى انتفاضاتها ستسحق مضطهديها وتحطم سلطانهم إلى الأبد.

وإذا ما سُحقت انتفاضة الشارع التونسي اليوم، ولن يتم هذا إلا في بركة من الدم، فإن جماهير شعبنا ستنهض من جديد وفي رأسها إجابات أوضح عن أسئلة تحيرها اليوم: كيف نتخلص نهائيا من دولة العنف؟ بأية أساليب؟ ماذا نفعل عندما يطلق علينا دركها وجيشها النار من جديد؟ بأية أدوات نرد وبأي حزم وبأية جرأة وبأي تنظيم؟

غسان الماجري


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني