الصفحة الأساسية > البديل الوطني > لنرفع أصواتنا ضدّ آفـة التّعذيب
إثر إيقافات الرديف:
لنرفع أصواتنا ضدّ آفـة التّعذيب
20 نيسان (أبريل) 2008

أفرجت السلطات التونسيّة في بحر الأسبوع الماضي عن آخـر المُعتقلين من النشطاء النقابيين والمُعطّلين بمدينة الرديف، وغنيّ عن البيان أنّ ذاك الإفراج ليس إلا ثمرة الصّمود البطولي لأهالي تلك البلدة مُضافا إليها بطبيعة الحال مجهودات الحركة الديمقراطيّة في الداخل والخارج.

وعلى قدر فرحتنا بهذا الانتصار الكبير على الديكتاتوريّة النوفمبريّة الغاشمة، فإنّ الكثير من مشاعر الألم والسُخط اعترتنا ولا زالت، وهي نفس المعاني التي كانت حاضرة بقوّة لدى الأهالي بهذه البلدة، وفي مُحيطها الجغرافي القريب، ذلك أنّ كل المُسرّحين عادوا إلى بيوتهم وأهاليهم يحملون على أجسادهم آثـارا بيّنة تشي بفظاعة التّعذيب الهمجي الذي مُورس ضدّهم، ليس فقط أثناء اعتقالهم على مرأى ومسمع الحاضرين وإنما في مكاتب التحقيق والاستنطاق بمنطقة الشرطة بقفصة.

استعاد الجميع حُريّتهم، ولم نعثر على نفر واحد من بينهم لم يـرو لنا ولأهله حكايات مُفزعة عن التعذيب الوحشي الذي طالهم، إما لحظة الإيقاف بمنازلهم أو الساحـات العامّـة، وإمّـا في سراديب الاعتقال جميعهم وإن بدرجات مُتفاوتة، فقد تــمّ إخضاعهم إلى أشكال لا إنسانيّة في الاستنطاق، بعض تلك الأساليب أضحى معروفا في بلادنا وبعضها الآخر جاء حديثا ومبتكرا من الآلة البوليسية لنظام بن علي. وضمن هذا السياق نذكّر إبقاء بعض المُوقوفين طوال مُدّة الإيقاف في زنزاناتهم مجرّدين من ملابسهم مثلما أفاد السيد بوجمعة الشرايطي. أو ذاك الذي تعرّض له المناضل عادل جيّار(أستاذ التعليم الثانوي) الذي أكّد تعرّضه أكثر من مرّة إلى الحرق بالولاّعات في معصميه المقيّدين للوراء بهدف مضاعفة آلامه (ألام الحرق والقيد الحديدي).

نال كلّ الموقوفين نصيبهم من التنكيل والتعذيب الذي مسّ حتّى المرضى والأحداث. فالمناضل عدنان الحاجّي الذي يعيش بكلية واحدة وأمراض عدّة نال نصيبه من تلك الهمجيّة، أيضا بعض الشبّان الأحداث تمّ تعليقهم على طريقة "الفرّوج" لأوقات طويلة قاربت الإغماء وفق ما أعلمونا. وقد يكون المناضل الطيّب بن عثمان (نقابة الأساسي) الذي حمل كفنه على كتفه للدفاع عن العراق الشقيق إبّان الغزو في 2003 أكثر الموقوفين عرضة لهمجيّة البوليس السياسي لسبب بسيط يتّصل بما ذكرناه سابقا.

ولعلّ نفس العقلية الانتقامية هي التي حدّدت درجات العنف ضدّ المناضل الطلاّبي غانم الشرايطي الذي أُوقف وهو تلميذ سنة 2002 على خلفيّة تحرّكات احتجاجية ضدّ اجتياح غزّة.

فقد صرّح لنا الأخير أنّه تمّ تعليقه في وضع "الهليكوبتر" مرّتين، وأنّه قضى كلّ ليالي الإيقاف عاريا... وقد لاحظنا على صدره ومؤخّرته آثار حروق السجائر.

هكذا عامل بوليس بن علي طالبي الشغل والمنتفضين على الفقر والحرمان وأقام الدليل مرّة أخرى على أنّ ممارسته للتعذيب والعنف هي سلوك قارّ لهذه السلطة وأدواتها القهرية، مفنّدا بذلك مزاعم الخطاب الرّسمي حول حقوق الإنسان واحترام الذات البشرية.

وفي كلمة فإنّ ما تعرّض له موقوفي انتفاضة الرديف يشكّل من جهة وصمة عار لنظام بن علي، ومن جهة أخرى تحدّيا صارخا للحركة الديمقراطية في الداخل والخارج.

ونحن نعتقد أنّ من أوكد واجبات هذه الحركة اليوم وعلى ضوء الفظاعات المرتكبة، تنشيط الحملات الدعائية والتشهيرية ضدّ آفة التعذيب ومهنة الجلاّد، والانطلاق من شهادات مناضلي الرديف، وما توفّر من قرائن ملموسة (صور، مخلّفات التعذيب: حرق سجائر وسقوط أسنان...) للشروع العملي في محاصرة مرتكبي جرائم التعذيب وملاحقة مصدري الأوامر مهما علت مراكزهم في جهاز هذه الدولة.

وفي قضيّة الحال فإنّ أسماء كثيرة من مرتكبي هذه البشاعات معروفون بأسمائهم ومناصبهم مثل المدعو محمّد اليوسفي رئيس فرقة الإرشاد بقفصة، الذي كان حضوره أثناء حصص التنكيل عنصرا قارّا جعله الأكثر دمويّة وفضاضة مع مجموعة النقابيين وغيرهم، بل أكثر من ذلك فقد جاهر أمام المناضل عادل جيّار باسمه وصفته معلنا تحدّيه بالقول: "هذا اسمي... أفعل بك ما أريد وحتّى عند خروجك من السجن لا تقدر أنت وكلّ حقوق الإنسان على فعل شيء..."

وحتّى نضمن إيقاف هذا الاستهتار بالذات البشرية لكلّ موقوف في أيّ قضيّة كانت، وحتّى نضع حدّا لمثل هذا الاستخفاف بالهيئات الحقوقيّة، نؤكد مرّة أخرى على إعلاء الصوت عاليا ضدّ آفة التعذيب وفضح مهنة الجلاّد وحشد كلّ الطاقات الوطنية والدولية من أجل فضح الوجه الدمويّ لنظام بن علي ومعاقبة كلّ من تبيّن تورّطه في التنكيل بموقوفي الرديف وسواهم. وقد علمنا أنّ جميع الموقوفين بصدد الإعداد المادّي لرفع شكاوي لدى المحاكم وما على الرأي العامّ الوطني سوى الإسهام النشيط في هذه المعركة المهمّة.


- جميعا ضدّ آفة التعذيب.
- جميعا من أجل محاسبة الجلاّدين.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني