الصفحة الأساسية > البديل الوطني > ماذا يحدث في تونس؟
ماذا يحدث في تونس؟
16 شباط (فبراير) 2010

هذا هو السؤال الذي طرح في تونس قبل أكثر من عقدين ونصف، وتحديدا بين السنوات 1983/1987، أو ما تسمّى سنوات الجمر في تونس، ولم يكن السؤال وقتها لغزا محيّرا لكل مطّلع على الشأن العام في تونس.

في تلك الفترة كانت البلاد أشبه بحالة الرجل المريض، فقد بلغ "الزعيم" ذروة الشيخوخة وأصبحت البلاد في حيرة من أمرها وفي شكّ من مصيرها الغامض، أصبح التندّر علنيّا بما يحدث في القصر من مؤامرات ودسائس تحوكها المجموعة المحيطة بالقصر من وزراء مقرّبين ومستشارين وكوادر أمنيّة متنفّذة، وكان الصراع معلنا بين جميع الأطراف حلبته مصير البلاد وسياساتها واقتصادها.

وفي ظل ذلك التعفن السياسي كان للشريحة الحاكمة أن تنقذ ما يمكن إنقاذه حفظا للمصالح والنفوذ، وحتّى لا يخفي لهم التاريخ ما قد يذهب برؤوسهم ومصالحهم رغم أنّ المعارضة في تلك الفترة كانت مشتّتة وضعيفة لم تستطع أن تحمل مشروعا يحقّق للشعب طموحاته وانعتاقه، ولم تكن قادرة أن تكون محلّ إزعاج للسلطة الحاكمة وقد تكشّف ذلك بعد انتفاضة الخبز في 1984، وبالفعل تسنّى لذلك القادم من بعيد من الأجهزة الأمنيّة أن يصبح مديرا للأمن الوطني ثم وزيرا، فرئيسا للبلاد في انقلاب يحفظ للمؤسسة السياسيّة هيبتها ويحافظ على مصالح الطغمة الحاكمة.

ماذا يحدث في تونس؟ يقال أنّ التاريخ إذا أعاد نفسه فتلك المهزلة، ويبدو أنّ السؤال يعيد نفسه في هذه الحقبة التاريخية التي نعيشها اليوم، ويبدو أنّ التاريخ سيعيد نفسه ليكون تاريخ البلاد ومصيرها مهزلة بكل المقاييس لنرتدّ إلى الوراء رجعا ماسخا.

ويظل تكرار سيناريو 87 مطروحا على اعتبار أنّ الظروف تتجاوب مع سابقتها، فهرم السلطة بات رجلا مريضا وعاجزا تمام العجز عن مواصلة مهامه، وانتخابات 2009، كانت محاولة للهروب إلى الأمام لأنّ العصابة الحاكمة لم تهيئ الظروف لتغيير الهرم، وانتقلنا في هذه الفترة من حكم بن علي من دولة القانون إلى دولة الأمر الواقع ومن دولة المؤسسة إلى دولة العصابة.

وكل المؤشرات توحي باستحالة بقاء الحال كما هو، وعليه سارعت العصابة الحاكمة إلى مزيد خنق الحريات ومعاقبة الرأي المخالف والتعامل بالحلول الأمنية مع كل الملفات، وذلك لتبرز سطوتها وقوّتها وحزمها في تثبيت الواقع الراهن على مدى العقدين الأخيرين.

فحالة الانغلاق السياسي التي تشهدها البلاد في مجال الحريات والتدابير الاقتصادية لرأسمالية مشوّهة جعلت السلطة تخوض حروبا أمنية مع فعاليات المجتمع المدني ولم تخض حروبا تنموية تدفع البلاد لتحسين مستوى المعيشة في تونس، مدفوعة بإحكام السيطرة على كل المنظمات والأحزاب والجمعيات يحرّكها منطق انقلابي شخّصه التعامل مع ملف جمعية القضاة، نقابة الصحفيين، قطاع المحاماة، الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، اتحاد الطلبة... أو حتى في تعاملها مع الملفات الاجتماعية المتفجرة في الجهات الداخلية للبلاد وكانت احتجاجات الحوض المنجمي مقياسا يبرز العجز السياسي في التعامل مع الملفات الاجتماعية وسرعة حضور الحل الأمني العنيف.

واستطاعت السلطة أن تجمّد اتحاد الشغل إن لم نقل قد أفرغته من روحه النضالية المطلبية فصار هيكلا عاجزا تابعا تسيطر عليه مجموعة من المرتزقة والانتهازية النقابية في مستوى الجهات أو حتى المركزية النقابية، وفي ظل هذا الانغلاق السياسي والاقتصادي بدأت تتفجّر الأوضاع في الجهات الداخلية حيث تنسدّ الآفاق وتتفاقم المعاناة جـرّاء التهميش والفقر والبطالة، وكانت أزمة الحوض المنجمي الأكثر تعبيرا عنها لتظهر عجز النظام عن الخروج من هذا المأزق إلا بمعالجة أمنية قضائية والمشهد نفسه يتكرّر إزاء معارضة تساند التحرّكات الاجتماعية دون أن تقدّم البديل الحقيقي لتجميع الناس حول مشروع ينقذ البلاد والعباد.

أحمد التليلي


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني