الصفحة الأساسية > البديل الوطني > مرّ زمن الخوف والانتهاك يولد التعنت لفرض الحقوق
أنور القوصري:
مرّ زمن الخوف والانتهاك يولد التعنت لفرض الحقوق
7 تموز (يوليو) 2008

وأنا راجع من أوروبا بمطار تونس قرطاج الدولي يوم الأحد 29 جوان 2008 حوالي الساعة الثانية بعد الزوال رأيت مجموعة من أعوان الأمن بالزي المدني بمكان حلول المسافرين يتخاطبون بهواتف جوالة ويرمقونني وكأني مجرم خطير، ربما مثل أولائك الذين يتعاطون بيع المخدرات أو تهريب المحرمات وصيد سمين سيتلقفونه.

وعند مروري بالديوانة توجه نحوي ضابط كبير طلب مني جواز سفري فمكنته منه ثم طلب تفتيش حقيبتي ومحفظتي فتركته يفعل لأن ذلك يدخل في إطار عمله الذي يستوجب التثبت في ما يمكن توريده من الخارج حتى يقوم المواطن بواجبه بخلاص معاليم الديوانة المستوجبة.

ولكنه فاجأني بعد إتمام تلك العملية أن طلب مني أن أتبعه إلى خلوة بعيدا عن الأنظار حتى يقوم بتفتيش معمق لجسدي وهي إجراءات معمول بها ضد مهربي المخدرات والمحرمات فرفضت طبعا هذا التصرف الذي حاولوا من خلاله النيل من كرامتي.

حجزوا جواز سفري وحجزونى معه حوالي ساعتين ببهو المطار وكنت محاطا بعونين من الديوانة أحدهم يحمل ثلاثة نجوم كان يحاول إقناعي بضرورة "احترام القانون" فعدل عن ذلك لما أفهمته أن القانون يشجب الاعتداء على كرامة المواطن وحرمته وأن الرأي العام في تونس وحتى في الخارج يتساءل بدوره كيف يتم تطبيق القانون من طرف الديوانة في هذه البلاد بالنظر لما يعرض في الأسواق أو لما تتضمنه بعض المواقع الإلكترونية أو الصحف الأجنبية خلافا للصحف التونسية التي تنأى لحد الآن على نقل مثل تلك الأخبار حتى لا تقع تحت طائلة قانون صحافة يجب إلغاؤه.

ثم قدم رئيس مكتب الديوانة بالمطار واستدعاني إلى مكتبه وقد كان ينوي تنفيذ ما قرُر من تفتيش جسدي فرفضت وبقيت واقفا مدة ساعتين محروسا بأعوان الديوانة وفجأة أحاط بي ستة أعوان شرطة بزي مدني فاخر انقضوا علي كلاما وفعلا وحملوني بالقوة مع تعنيفي إلى غرفة صغيرة جدا لا توجد بها نافذة وأدخلوني عنوة فيها وأغلقوا الباب. وكان هناك عونان من الديوانة أحدهم يحمل ثلاثة نجوم حاولا إرغامي على التفتيش الجسدي فرفضت فقاموا في غفلة مني بوضع أيديهم على مناطق من جسدي وخاصة بمكان جيوب ثيابي ثم فتحوا الباب وطلبوا مني الإمضاء على كراس يحمل إمضاءات من تولوا تفتيشهم بتلك الطريقة فرفضت قائلا لهم: عندما تقوم السلطة بإعطاء أوامر للتنكيل بالنشطاء مثلي ومثل غيري فإن ذلك يعد تجاوزا للسلطة ويمكن أن يمثل جريمة يعاقب عليها القانون وهو اعتداء على الحرية الشخصية وعلى الحرمة الجسدية للأشخاص. وإن القانون في هذه الحالة يخول فقط بعض الاستثناءات للمشتبه فيهم بالتهريب وتكون مضبوطة في إطار احترام كرامة الإنسان. أما أن يقع استعمال تلك الاستثناءات ضد أحد النشطاء للتنكيل به لأنه حضر فعاليات بالخارج نظمتها منظمة العفو الدولية بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة التعذيب للتشهير بتفاقم هذه الظاهرة في بلادنا وطالب وضع حد للإفلات من العقاب الذي يتمتع به الجلادون وطالب الجهات الرسمية بالعدول عن التصريحات الخشبية التي تنفي وجود هذه الظاهرة جملة وتفصيلا وتتهم المنظمات الدولية باختلاق الوقائع لتشويه سمعة تونس بالاستناد إلى شهادات مناوئين مثلي وغيري، فإن ذلك لن يجدي نفعا وعلى السلطة أن تعي ذلك. وهذا أضعف الإيمان.

إن ما يشوه سمعة تونس بالخارج بل بالأحرى سمعة السلطة دون غيرها، لأن تونس هي ذلك الشعب التونسي المتحضر والواعي بحقوقه وبضرورة المطالبة بها بصفة حضارية، إن ما يشوه سمعة تونس هي الانتهاكات المختلفة المتواصلة ضد المواطن التونسي وخاصة آفة التعذيب وحرمانه من حقوقه الأساسية منذ عقود وقد حان الوقت لوضع حد لهذه السمعة البائسة في الخارج.

أنور القوصري

(المصدر: جريدة الموقف)


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني