الصفحة الأساسية > البديل الوطني > مشروع الأرضية السياسية
الجبهة الشعبية:
مشروع الأرضية السياسية
29 أيلول (سبتمبر) 2012

لقد رزح شعبنا طيلة عقود تحت نظام استبدادي، بوليسي، لاوطني ولاشعبي، اتسم سياسيا بالحكم الفردي وسيطرة حزب الدستور بنسخه المختلفة (الحزب الدستوري الجديد، الحزب الاشتراكي الدستوري، التجمع الدستوري الديمقراطي) على كافة أوجه الحياة السياسية وبانتهاك الحريات وحقوق الإنسان واقتصاديا بِرَهْنِ اقتصاد البلاد وثرواتها لفائدة الدوائر الاستعمارية والرأسماليين المحلّيين السائرين في ركابها، واجتماعيا بتفشّي التهميش والفقر والبطالة والفساد. وقد بلغت هذه الآفات في عهد بن علي أقصى مظاهرها في ظلّ سيطرة عائلته وأعضاده والمافيا السياسية والمالية والاقتصادية المرتبطة به على سائر دواليب الدولة والمجتمع.

إن الشعب التونسي بقواه الثورية الوطنية والديمقراطية والاجتماعية المناضلة لم ينقطع عن النضال ضدّ الدكتاتورية والاضطهاد منذ قيام النظام الدستوري، وقدّم مئات الشهداء وآلاف المساجين وخاض ملاحم كبرى لعل أبرزها: تحركات الفلاحين الفقراء في أواخر ستينات القرن الماضي وحركة فيفري 1972 الطلابية والشبابية ونضالات النقابيين والطبقة العاملة التي توجت بالإضراب العام في 12 جانفي 1978 وانتفاضة الخبز في جانفي 1984 وانتفاضة الحوض المنجمي سنة 2008، علاوة على التحركات والنضالات ذات البعد القومي التي شقت كل هذه المرحلة دعما لفلسطين والعراق ولبنان وسائر البلاد العربية في مواجهتها مع الكيان الصهيوني والقوى الإمبريالية.

وقد أدّى تراكم هذه النضالات إلى ثورة عارمة انطلقت شرارتها الأولى في 17 ديسمبر 2010 بسيدي بوزيد لتتمكّن جماهير الشعب من إسقاط بن علي، رأس الاستبداد والعمالة والفساد، يوم 14 جانفي 2010، بعد أن سقط مئات الشهداء وأضعافهم من الجرحى في مختلف جهات البلاد. وقد رفع الشعب الثائر خلال هبّته، الشعارات المنادية بإسقاط نظام الاستبداد والاستغلال الفاحش والعمالة وبتحقيق الحرية والمساواة والكرامة والتشغيل والعدالة الاجتماعية وهي الأهداف التي ظل يحلم بها في مختلف مراحل تاريخه النضالي.

ولئن تمكن شعبنا من الإطاحة ببن علي وبحكومتي الغنوشي اللتين ورثتا الحكم بعده، وحقّق عديد المكاسب بفضل النضالات الشعبية على إثر اعتصامي القصبة 1 و2، وأبرزها فرض هامش من الحريات العامة وحل التجمع الدستوري قانونيا وحلّ مجلس النواب والمجلس الدستوري الصوريين وإلغاء القوانين اللاديمقراطية (قانون الأحزاب، قانون الجمعيات، مجلة الصحافة...) وتعليق العمل بدستور 1959 والاستجابة لمطلب المجلس التأسيسي لسن دستور جديد، فإن الجزء الأكبر من أهداف الثورة وخاصة في المستوى الاقتصادي والاجتماعي والوطني لم يتحقّق في ظل الحكومات المتعاقبة، بما في ذلك الحكومة الحالية التي أنتجتها انتخابات 23 أكتوبر 2011، وهو ما جعل الشعب التونسي يواصل النضال من أجل التغيير السياسي والاجتماعي الذي يحقق له طموحاته.

لقد أفرزت انتخابات 23 أكتوبر 2011 مجلسا تأسيس يّا تهيمن عليه حكومة الترويكا بقيادة "حركة النهضة"، واليوم بعد مرور قرابة ثمانية أشهر من وصول هذا التحالف إلى الحكم فقد بدا واضحا أنه يسير بخطى حثيثة نحو الالتفاف على ثورة شعبنا والتمهيد لإعادة إنتاج نظام التبعية والاستبداد والفساد بغلاف ديني.

إن وحدة الشعب التونسي مهددة بالصراعات العقائدية المفتعلة التي تحركها قوى خارجية بأياد محلية متسترة بالدين، والحريات التي افتكها الشعب بدمه مهدّدة أيضا من الحكومة ومن العصابات الإجرامية المنسوبة إلى بعض التيارات السلفية التي تتحرك دون رادع. كما وقع الالتفاف على الإصلاحات الديمقراطية التي طالبت بها الثورة على مستوى الإعلام والقضاء والإدارة والمؤسسات الأمنية التي استندت إليها الدكتاتورية في قمع الشعب والسيطرة على المجتمع. إن الحكومة تماطل إلى حد الآن في إنصاف الجرحى ومحاسبة قتلة الشهداء ورموز الاستبداد والفساد وتحاول كسبهم إليها وتمكينهم من صكوك غفران مقابل دعمهم لها. كما أنها تماطل في وضع أجندة للفترة الانتقالية وما تقتضيه من ضبط تواريخ رسمية لإنهاء تحرير الدستور وبعث هيئة مستقلة للانتخابات وسن قانون انتخابي وتنظيم الانتخابات.

إن "حركة النهضة" التي تقود الائتلاف الحاكم وتوجهه، تسعى إلى وضع يدها على كل مؤسسات الدولة لتستعملها، بتزكية من حليفيها، كما استعملها "التجمع"، لبسط نفوذها وتوظيفها مباشرة في هذه الفترة الانتقالية لضمان نتائج الانتخابات القادمة وإرساء دكتاتورية جديدة تصفّي مكاسب الثورة كما تصفّي المكاسب التاريخية والحضارية للشعب التونسي في مختلف المجالات الاجتماعية والثقافية والتربوية وخاصة المكاسب التي حققتها المرأة...

أما على الصعيد الاقتصادي فإن الحكومة لم تتخلّ عن سياسة نظام بن علي التي أدت إلى تفقير الشعب. فثروات البلاد ظلت تحتكرها أقليات محلية وأجنبية، وهي مازالت تخضع لنير المؤسسات المالية الدولية والاتفاقات والمعاهدات اللامتكافئة. كما تواصلت عملية التفويت في الثروات (مناجم، نفط...) وفي المؤسسات العمومية لفائدة الرأسمال الأجنبي وخاصة الخليجي بما فيها المؤسسات المصادرة بعد الثورة، ولم تسلم من التفويت لشركات غربية وخليجية الأراضي التونسية ممّا يؤشر لاستعمار فلاحي جديد، على حساب الفلاحين الفقراء والصغار والعمال الفلاحيين. يضاف إلى كل هذا العجز عن التسيير والفوضى الإدارية واستفحال البيروقراطية مما يهدد البلاد بكارثة حقيقية.

إن الآثار المدمّرة لهذه السياسة على حياة الطبقات والفئات الكادحة والشعبية ما انفكت تتفاقم في شكل بطالة وتهميش وغلاء معيشة وجباية مجحفة وغير عادلة وتفاوت جهوي وتدهور للخدمات العامة (انقطاع الماء والكهرباء، انتشار الأوساخ والفضلات، تردي الخدمات البلدية والصحية...). ولئن كانت كل هذه المظاهر موروثة من النظام السابق وكانت سببا في ثورة الشعب فإنها تفاقمت مع الحكومة الحالية لأنها لم تغيّر السياسة الاقتصادية ولم تتخذ الإجراءات المستعجلة الكفيلة بالتخفيف من حدّة هذه المشاكل على حياة المواطنين علاوة على قلة الكفاءة في إدارة شؤون البلاد وتهميش الكفاءات المتوفرة وتغليب منطق الولاء على منطق الكفاءة وهو ما يوفر أرضية لتعزيز منظومة الفساد القائمة .

إنّ السياسة الخارجية للحكومة ظلت تدور في فلك دوائر الهيمنة الرأسمالية العالمية وقد صار من الواضح وجود نزعة إلى الزج بتونس في محور خليجي تركي تحت رعاية أمريكية. إن هدف هذا المحور هو تخريب نضالات الجماهير العربية والالتفاف على طموحاتها التحررية وزرع الفتنة في صفوفها وتمزيق وحدتها بما يضمن استمرار الهيمنة الاستعمارية الأمريكية والغربية والصهيونية على المنطقة.

إن بلادنا تعيش أزمة حقيقية ولا مخرج لها إلا بمواصلة الشعب التونسي لمسيرته النضالية بأبعادها الوطنية والديمقراطية والاجتماعية والثقافية والبيئيّة حتى تحقيق أهداف الثورة كاملة وإرساء سلطة الشعب. ولن يكون ذلك ممكنا إلا بالقطع مع تشتت القوى الثورية والوطنية والديمقراطية والتقدمية أحزابا وجمعيات ومنظمات وشبابا وشخصيات مستقلة وتحالفها معا صلب جبهة شعبية تشكل بديل حكم حقيقي وتتجاوز الاستقطاب الثنائي المغشوش الذي يقابل بين "قطبين" والحال أنهما يلتقيان في الحفاظ على نفس التوجهات الاقتصادية الليبرالية المرتهنة للدوائر الأجنبية وإن تغلف أحدهما بغلاف "ديني" والأخر بغلاف "حداثوي" ممّا يدفع باتجاه طمس التناقض الحقيقي بين القوى المتمسكة بتحقيق أهداف الثورة والقوى التي تعمل على الالتفاف عليها.

ويتأسس هذا البديل على أرضية سياسية تشكل الحد الأدنى السياسي والوطني لكل القوى والأطراف الوطنية والشعبية المتمسكة بالنضال من أجل تحقيق أهداف الثورة والعمل على إنجاحها وتقوم على الخيارات والمبادئ والقيم التالية:

1- المسألة الوطنية والديمقراطية:

بناء نظام جمهوري مدني ديمقراطي في خدمة الشعب
- يكرّس الاستقلال الفعلي للبلاد.
- يستند إلى مبدأ سيادة الشعب التي تتجلى في انتخاب كافة مؤسسات الحكم في المستويات الوطنية والجهوية والمحلية مع توفير إمكانية مراقبتها ومحاسبتها وعزلها.
- يقوم على أساس الفصل بين السلطات وضرورة التوازن بينها.
- يضمن استقلالية السلطة القضائية وفق المعايير الدولية المتعارف عليها.
- يضمن حياد الإدارة إزاء الأحزاب والقوى السياسية وتسييرها بصورة ديمقراطية.
- يضمن الحريات العامة والحريات الفردية وعلى رأسها حرية الرأي والإبداع والتعبير والصحافة والإعلام والنشر وحرية التنظم والتنقل والاحتجاج والتظاهر والإضراب وتوفير الشروط المادية لممارستها.
- يحقق المساواة التامة والفعلية بين المرأة والرجل ويقر تكافؤ الفرص بينهما في كل الميادين والمجالات ويحفظ مكاسب المرأة ويدعم مجلة الأحوال الشخصية ويطورها ويقاوم كل أشكال التمييز والعنف المادي والمعنوي ضدها.
- يفصل بين الشأن الديني والشأن السياسي ويضمن حرية المعتقد وحريّة ممارسة الشعائر الدينية ويتصدى لكلّ شكل من أشكال التوظيف السياسي للدين ولدور العبادة والمؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية ومؤسسات العمل الاجتماعي واستغلالها لأغراض فئوية أو حزبية.
- يتبع سياسة خارجية مستقلة ووطنية قائمة على دعم المقاومة الوطنية في فلسطين والعراق ولبنان وكل حركات التحرر الوطني والانعتاق الاجتماعي في الوطن العربي والعالم ومساندة الثورات العربية والتصدي للتدخل الأجنبي فيها وتجريم كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني والحركات العنصرية والعمل على تحقيق الوحدة العربية على أساس مبادئ الحرية والمساواة والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

2- المسألة الاقتصادية والاجتماعية:

بناء اقتصاد وطني مستقل ومتوازن ومندمج، يحقق سيادة الشعب على ثروات البلاد ويضمن التنمية الفعلية لكل الجهات ويقوم على التوزيع العادل للثروات بما يكفل تلبية الحاجات الأساسية المادية والمعنوية للشعب وهو ما يقتضي الإجراءات التالية :
- مراجعة الاتفاقيات المضرة بمصالح البلاد والماسة باستقلاليتها.
- تأميم القطاعات الإستراتيجية وضمان إداراتها بصورة ديمقراطية وناجعة.
- تأميم المؤسسات المصادرة وعدم التفريط فيها للرأسمال الأجنبي .
- تطوير صناعة وطنية تستند إلى حاجات البلاد وإلى كفاءاتها وقدراتها.
- إلغاء المديونية بناء على دراسة دقيقة للقروض التي أبرمتها الدكتاتورية .
- إرساء نظام جبائي عادل وشفاف.
- إصلاح زراعي لفائدة الفلاحين الفقراء والصغار.
- ضمان الحقوق الأساسية في الشغل الكريم والسكن اللائق والتعليم العمومي المجاني والإجباري والراقي وفي العلاج المجاني.
- ضمان حرية التنظم النقابي والحق في الإضراب.
- ضمان حق كلّ مواطن وحق كل الأجيال القادمة في بيئة متوازنة وسليمة وفي محيط طبيعي ملائم للصحّة وخال من النفايات ومقاومة التلوث والتركيز على الطاقات المتجددة غير المضرة بالأحياء.

3- المسألة الثقافية والتربوية:

- ضمان حرية الإبداع في كل أشكاله الفنية والثقافية والفكرية والعلمية وإيجاد الأطر والأشكال الكفيلة بدعمه وتطويره.
- إرساء ثقافة وطنية منفتحة على الثقافات الأخرى يتساوى في الانتفاع بها جميع المواطنين دونما تفرقة أو تمييز بين الفئات والجهات.
- ضمان الحريات الأكاديمية وتطوير هياكل البحث العلمي وتكريس استقلاليّتها.
- إرساء منظومة تعليمية ديمقراطية شعبية وموحَّدة.
- إرساء سيادة اللغة العربية وحمايتها وتطويرها وتنميتها وتكريس استعمالها في التعليم والمعاملات الرسمية والإدارية مع الانفتاح على اللغات الأخرى.
- العمل على تجذير شعبنا في هويته الوطنية التي تشكلت عبر سيرورة تاريخية طويلة ومتنوعة تَثرى وتتطور باستمرار عبر التفاعل الخلاق بين مقوماتها الحضارية العربية الإسلامية النيّرة ومكتسبات التقدم الإنساني والوقوف ضد كل محاولة لضرب انتمائه الوطني والقومي والحضاري وكل أشكال الهيمنة الثقافية ومقاومة كل ضروب التعصب والانغلاق.
- العمل على نشر قيم العقل والتنوير والتقدم وقيم المواطنة وحقوق الإنسان.
- العمل على تجاوز النزعات الفردانية والسعي إلى ترسيخ قيم وعلاقات اجتماعية تضامنية بين أفراد الشعب.

هذا ويعتبر الممضون على هذه الوثيقة أنّ الهدف الرئيسي للجبهة هو استكمال المسار الثوري وإرساء سلطة الشعب عبر كل أشكال النضال الممكنة بما في ذلك الانتخابات ويؤكدون على الاستعداد للتفاعل الإيجابي مع كل المبادرات الوطنية والشعبية التي تلتقي مع توجهات الجبهة ومهامها.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني