الصفحة الأساسية > البديل العربي > من يزرع الشوك يجن الجراح
هجمات انتحارية جديدة على المصالح الأمريكية والغربية:
من يزرع الشوك يجن الجراح
20 أيار (مايو) 2003

في أقل من أسبوع تعرضت كل من مدينتي الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية، والدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمملكة المغربية لهجمتين مسلحتين شنتهما مجموعات انتحارية قيل إنها تنتمي إلى "جماعات دينية متطرفة". وقد استهدفت الهجمة الأولى، يوم 12 ماي 2003، مجمعا سكنيا يقطنه في الأساس رعايا غربيون وأدت إلى مقتل 34 شخصا منهم ثمانية أمريكيين ومائتي جريح. أما الهجمة الثانية فقد استهدفت يوم الجمعة 16 ماي عدة أماكن منها نزل وقنصلية بلجيكا ومطعما إسبانيا ومركزا ثقافيا يهوديا وأدت إلى مقتل 41 شخصا وجرح مائة آخرين.

وقد جاءت هذه الهجمات لتفند مزاعم جورج بوش الابن الأخيرة بأن احتلال أفغانستان والعراق مثّل "خطوة هامة على طريق القضاء على الإرهاب" الذي اتخذت الإدارة الأمريكية من مقاومته ذريعة لاحتلال هذين البلدين في نطاق سعيها المحموم إلى إعادة اقتسام مناطق النفوذ في العالم وتكريس هيمنتها المطلقة عليه. وتدل العديد من المؤشرات ومنها ما حدث في الرياض والدار البيضاء بالذات أن الأعمال الإرهابية ضد المصالح الغربية وفي مقدمتها المصالح الأمريكية، سواء كانت داخل البلدان الغربية ذاتها أو خارجها، مرشحة لتصعيد خطير في المستقبل، تصعيد في مستوى شراسة الهجمة الإمبريالية، بقيادة الولايات المتحدة على الشعوب وفي مقدمتها الشعوب العربية والإسلامية.

وهذا الأمر طبيعي في رأينا. فما تمارسه الإمبريالية الأمريكية وحلفاؤها من إرهاب على هذه الشعوب من أجل إخضاعها والسيطرة على ثرواتها الاقتصادية والتحكم في مصائرها، وما تقدمه من دعم للعصابة الصهيونية التي لا تتوقف عن تقتيل الشعب الفلسطيني، لا يولد لدى هذه الشعوب التي تشعر بالإذلال والمهانة القومية سوى النقمة.

وهذه النقمة يمكن أن تعبر عن نفسها بعدة أشكال من بينها الإرهاب الذي ترى فيه بعض الفئات "الجواب الأسلم" على الإرهاب المسلط عليها، إرهاب القوة العظمى، فتتحول المعادلة إلى "إرهاب وإرهاب مضاد".

ومن البديهي أننا حين نقول هذا الكلام ليس من باب الدفاع عـن الإرهاب كأسلوب نضال سياسي وعسكري وإنما من باب تحديد أسبابه. فالإرهاب الذي نشهده اليوم في البلاد العربية والإسلامية خاصة هو في الواقع رد فعل المضطهدين والمسحوقين والشاعرين بأنهم مغتصبون في كرامتهم وفي هويتهم على إرهاب الدولة العظمى وغطرستها، وعلى إرهاب ربيبتها الصهيونية المجرمة والعنصرية والفاشية والتوسعية، وعلى إرهاب عملائها الذين يحكمون شعوبهم بالحديد والنار دفاعا عن مصالحها في الأقطار العربية والإسلامية وعن كراسيهم.

ولكن الإرهاب، مهما كانت دوافعه ليس أسلوب النضال السليم. وهذا ما أكدته مجريات الأمور بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. فقد استغلت الدول الإمبريالية و في مقدمتها الولايات المتحدة تلك الأحداث لإحكام قبضتها على شعوبها وتشريع غطرستها على شعوب العالم وفي مقدمتها الشعوب العربية والإسلامية بدعوى "مقاومة الإرهاب". وليس من المستبعد، بل من المتأكد أن ما حدث في الرياض والدار البيضاء ستستغله الإدارة الأمريكية لمزيد حشر أنفها في الأقطار العربية (إرسال جيوش من الاستخبارات، تكثيف التدخل في تحديد سياسات الدول، تبرير اعتداءات جديدة...) كما ستستغله الرجعيات العربية لتبرير مزيد قمع شعوبها وتأخير الاستجابة لتطلعاتها الديمقراطية بدعوى "أولوية ضمان الاستقرار الأمني".

إن النضال الشعبي التحرري بمختلف أشكاله السياسية والعسكرية، التي تراعي ظروف كل بلد والمهمات المطروحة عليه، هو وحده الذي يقدم قضايا الشعوب، حتى يوجه ضرباته رأسا إلى مقاتل العدو، لأنه في هذه الحالة لا يمكن تشويهه أو عزله أو الخلط بينه وبين الإرهاب. إن الغاية المشروعة ينبغي أن تتبع في تحقيقها وسائل مشروعة. فحين تكون الغاية هي التحرر من ربقة المحتل أو من نير الدكتاتورية، أي حين تكون الغاية تحقيق الاستقلال والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتقدم والمساواة، فمن الضروري أن تستلهم الوسائل من مشروعية هذه الأهداف فيكون النضال مركزا على مقومات الاحتلال (من جيوش وفرق أمنية وعصابات استيطان) أو على مقومات الدكتاتورية (مؤسسات عسكرية وأمنية وسياسية...).

إن معضلة الإرهاب أنه يضر القضايا التي يزعم معتنقوه الدفاع عنها. وهو يضر لأن هؤلاء لا يفهمون أنه لا يمكن اعتبار مجموعة بشرية معينة أو شعبا ما أو أمة ما مذنبة برمتها بسبب انتمائها العرقي أو الديني أو القومي أو الأيديولوجي. وهو ما يسهل إثارة الناس في البلدان المستهدفة ضد مرتكبي الأعمال الإرهابية وتشويه القضية التي يزعمون تبنيها وتشريع أشنع الأعمال الإجرامية والقمعية على حساب أصحاب القضية الأصليين . لذلك فإننا نرى أن تحقيق الاستقلال والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتقدم للشعوب العربية والإسلامية لا يمكن أن يتم إلا عن طريق تعبئة هذه الشعوب وتنظيمها وتوعيتها ضد مضطهديها ومستغليها والحائلين دون نهضتها وتطورها من قوى إمبريالية و صهيونية ودكتاتوريات عميلة وفاسدة، وتوجيه ضربات المقاومة التي تصدر عنها إلى حيث ينبغي أن توجه حتى لا تحصد بصورة عمياء المدنيين الأبرياء.

إن الضربات الإرهابية قد تؤلم العدو وتزعزع لحين استقراره ولكنها لا تقضي عليه، بل يمكن في بعض الظروف أن تعزز سطوته وتشرع غطرسته وتؤخر الخلاص منه.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني