الصفحة الأساسية > البديل الوطني > هنيئا لتونس..
هنيئا لتونس..
23 حزيران (يونيو) 2008

تموت الأسود في الغابات جوعا *** ولحم الضأن تأكله الكلاب

الإمام الشافعي

مبارك عليكم أهل تونس أجمل يد لقد كانت ڤفصية الكف جنوبية الرحم تونسية المنبت.. تخيلوا أن ڤفصة الملبدة سماؤها دائما بالغبار. المتجهمة وجوه ناسها من الصباح إلى ما بعد المساء... تصوروا هذه المدينة ذات المزاج الصاخب تنجب فتاة تفوز بمسابقة أجمل يد.. أليست هذه ثمار الديمقراطية واللامركزية الجهوية..

هنيئا لتونس بأجمل يد

يا أمة ضحكت من جهلها الأمم....

ولاية ڤفصة تخفي في شعابها قرية جبلية بعيدة عن أنظار الدولة والسماء.. قرية لا تطلب إلا لذاتها.. الشمس قريبة منها تكاد تلامسها بيديك إذا أردت.. وإن لم ترد ملامسة الشمس فلتتعلم درس من يعبرون إلى الشمس صاخبين.. هي آخر شيء في كل شيء ..

الرديف..

قرية بحجم وطن.. فيها أخشن الأيادي الوطنية منذ رسمت الخرائط والخرائب في تلك التلال.. تلك الأيدي معفرة بالفسفاط مشققة بحجارة الصوان..

وذلك هو الفوز العظيم..

ثم ماذا أقول ؟؟ في اليوم الوطني للأيادي البيضاء، الناعمة، الملفوفة في الحرير

أقول ما قاله القرآن عن فرعون:

"واستخفّ قومه فأطاعوه"

أو

وعبد قد ينام على حرير *** وذو نسب مفارشه التراب

الشافعي مرة أخرى....

لقد اعتقل عدنان حاجي ورفاقه لأن يديه خشنتان ولسانه أخشن.. ومعطفه خشن.. وكل ما فيه وكل من معه وكل من سقطوا وكل من ذهبوا وكل من هربوا وكل من كتبوا.. كلهم تحت معطف عدنان يحتمون.. لأنه معطف خشن.

مبارك على أهل تونس اليدين الناعمتين

مبارك على أهل الرديف معطف عدنان

أنا لا أقدس الناس حتى أبي.. والمقدس لا يكون أهلا للتقديس إذا لم يبرهن على أنه فوق الزمان والمكان.. وعدنان في الزمان والمكان نفسه يتردد على مقهاه فإن واعدته وجدته.. وإن وعد لم يخلف موعده.. امض إليه يمض إليك.. لا يشرب الخمر الرديء دائما ولكنه يكتفي ببعض البيرة لأن كليته الوحيدة تؤلمه... أنا لا أقدس أحدا ولكنني أحببت عدنان هذا دون أن أراه.. وحينما قررت رؤيته أخذوه ليلا وتركوا لي الذاكرة..

هنيئا لكم أهل تونس انضافت لتاريخكم القليل يدان ناعمتان.. ومعطف عدنان الخشن.. ولكم أن تختاروا بين الحقيقة والفضيحة.. وإليكم هذا المثال:

يقدّر عدد الشهداء الذين سقطوا على مدى الفترة الاستعمارية وعلى كامل مناطق ما يسمى بالجمهورية، بأربعة آلاف شهيد.. وهذه الفترة امتدت حوالي سبعين سنة.. وفي غضون ستة أشهر من العهد الجديد الذي لا يزال جديدا استشهد ستة شباب في منطقة واحدة.. ولأهل الحساب أن يقيسوا الزمن والناس والشهداء.. ولأهل الحساب أن يحسبوا أو إن كانوا أهل حساب عليهم أن يحاسبوا وأن يقارنوا بين الزمنين وأن يتكلموا قبل فوات الأوان..

كلنا يتذكر فيلم البريء بطولة أحمد زكي وإخراج عاطف الطيب.. ألم يخض البطل حروبا في المعتقل مع أعداء الوطن وفي النهاية اكتشف الحقيقة وسقط الناي..

حقيقة هذا الفيلم تجري في الرديف من دون مخرج أو كاميرا إلا ما ندر.. فتصورا الجيش الوطني يصبح خادما للبوليس الوطني.. ولا ضير، ماداما يبحثان عن مصلحة الوطن.. فكلاهما وطني كما يدل الاسم. ومصلحة الوطن تقضي بإبادة أعداء الوطن وهم في مدينة الرديف يعششون ويفرخون..

وكل صباح مشية عسكرية:

أنا الجندي أنا البطل... أنا السباق للقتال

لكن قتال من؟

إذن الصحيح أن نقول:

أنا الجندي أنا "الطبل" ... أنا السباق "للقتل"

الجيش يدخل إلى الأحياء الغنية بالشباب.. يحاصرها.. ويترك المجال للبوليس الفقير ليأخذ ثروات الناس من المحلات وليقتل إذا لزم الأمر.. ومن علامات الرجولة الوطنية أن يظهر بعض الأشاوس من البوليس الوطني عورته أمام نساء الرديف..
ذكرني بعورة عمرو بن العاص أمام علي بن أبي طالب في معركة صفين حينما خاف من الموت فكشف عن عورته فاستنكف علي عن قتله..

تصوّروا جيشا وبوليسا يكشفون عوراتهم ويحاصرون قرية أنهكها المرض والتلوث وأعباء الزمن.. يريدون إطفاء آخر شمعة فيها..

مبارك لكم أهل تونس انطفاء الشموع

انتهى الفيلم وكعادة الجينيريك فإننا نتوجه بالشكر إلى كل من ساهم في إعداد هذا العمل التاريخي العظيم وإخراجه.. أهنئ الجماعة الآتي أسماؤهم بانطفاء الشموع. وأرتبهم بحسب الأهمية:

برهان بسيس وبوبكر الصغير وعمارة العباسي وشركة فسفاط قفصة والاتحاد العام التونسي للشغل وأمينه العام خليفة فرحات حشاد وابن محمد علي الحامي وتلميذ الحبيب عاشور السيد جراد وهو لقب على مسمى.. ووزير العدل وحقوق الإنسان ووزير الداخلية ووزير الدفاع والأمين العام للحزب الحاكم ورئاسة الجمهورية ورؤساء الشعب ومدير الإذاعة والتلفزيون والشرطي البطل الذي أدخل في دبر الشاب جابر طبابي عصا والبوليس الهمام الذي كشف عن عورته.. وفندق قمرت الذي نظم مسابقة الأيادي الناعمة وسجن زروق في قفصة.. ورئيس فرقة الأنياب أو الكلاب.. وكل الصحف التونسية.. من الحرية إلى الشروق إلى الصباح... حتى الغروب...

أسوق لهم جميعا

أما ترى البحر تعلو فوقه الجيف **** وتستقر بأقصى قاعه الدرر

ثم لا يفوتنا أن نشكر..

كل الأحزاب المعارضة والمثقفين الصغار والكبار والمفكرين والمتدينين والملحدين والليبراليين والمتسولين والجمعيات الحقوقية والقضاة والمحامين والمجتمع المدني الذي لا أعرفه.. وأشكر كل الشعب التونسي الشجاع الهمام الثائر أبدا الذي يعطي درسا للشعوب فاق الدرس الفلسطيني في النضال ولا أستثني منهم أحدا.. نشكر كل هؤلاء وأولئك على بيانات التنديد القصيرة وما يحملونه في القلوب من حزن ووجل. نشكرهم كما نقول باللهجة التونسية على "الماخذة بالخاطر". ونقول لهم أتعبتم أنفسكم وكتبتم ليتكم بكيتم أو سكتم يا أشباه الأحزاب والناس...

ثم أرجوهم أن يتركونا لوحدنا سنخبز خبزنا بدم وطين وإذا مات عدنان فأرجوكم لا تولولوا ولا تحزنوا ولا تمشوا في جنازته يكفيه أهل الرديف يصلون عليه ليضمن جنة البشر والرب...

"يريدونني ميتا

كي يقولوا كان منا وكان لنا"

محمود درويش

خيبان

الرديف


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني