الصفحة الأساسية > بديل الشباب > وضعية متأزمة وحيف متواصل
الصحفيون الشبان:
وضعية متأزمة وحيف متواصل
30 أيلول (سبتمبر) 2010

ما فتأت الدعاية الرسمية، تصم آذاننا حول تطوّر قطاع الإعلام في تونس وحول ما يتمتع به هذا القطاع من حرية في عهد السابع ومن "عناية موصولة" من بن علي. فعلاوة على المهمة المناطة بكل وسائل الإعلام سواء كانت خاصة أو حكومية وهي الدعاية لخيارات النظام وتمجيد سياسته على كل المستويات وإعادة إنتاج الثقافة السائدة، وخاصة في ميدان الصحافة المكتوبة، لا تغني ولا تسمن من جوع، سواء كان ذلك من حيث المحتوى والمضمون أو من حيث تشغيليتها واستيعابها للمتخرجين من معهد الصحافة وعلوم الإخبار. لكن الدعاية التي تروّجها السلطة لا تنطلي على عاقل ملمّ بوضعية قطاع الإعلام وبوضعية الصحفيين ولو إلماما بسيطا، فعلاوة على القمع المستشري في البلاد والذي أتى على كل الأصوات الحرة والمستقلة وعلى الجمعيات والمنظمات والأحزاب فإن للعمل الصحفي أيضا نصيبه من القمع الذي طال الصحفيين عن طريق السجن (توفيق بن بريك، الفاهم بوكدوس، سليم بوخذير...) أو الصحف عن طريق المصادرة والتضييق (الطريق الجديد، مواطنون، الموقف) وهو ما جعل المنظمات العالمية المهتمة بالشأن الصحفي تصنف تونس من ضمن أكثر البلدان معاداة لحرية الصحافة وتداول المعلومات. فكل المهتمين بالشأن الصحفي يجمعون أن هذه الأوضاع المزرية التي تتخبط فيها "السلطة الرابعة" والمتسبب فيها الرئيسي وهي الدكتاتورية (الرقابة، احتكار المؤسسات ووسائل الإعلام من طرف مقربين من السلطة...) تمثل العائق الرئيسي أمام تطور قطاع الإعلام وتمثل السبب المباشر في تدني الأوضاع المادية والمهنية للصحفيين الشبان مع غيرهم من الشباب في مواجهة القضايا والمشاكل بصورة عامة لكن تبقى لهم مشكلاتهم الخاصة التي تعترضهم في عملهم داخل المؤسسات الصحفية.

أوضاع مادية ومهنية مزرية:

في البداية لا بد من الإشارة أن أغلب الصحفيين الشبان هم صحفيون يشتغلون بـ"القطعة" أو بالصفحة ومتعاقدون. فالصحفي الشاب في تونس هو ذلك الصحفي المتخرج من معهد الصحافة وعلوم الإخبار أو من مؤسسة جامعية أخرى وانتمى إلى المهنة لشغفه بها والذي لا يتعاطى إلا العمل الصحفي وليس له مورد رزق آخر. لكنه لا يتلقى مقابل ذلك أجرا محددا وإنما أجرا متقلبا حسب عدد وأهمية المقالات والصور التي يقدمها إلى إدارة الصحيفة ولا يستفيد من الضمانات القانونية المخولة للصحفيين المهنيين. وتساهم هذه الفئة في عمل المؤسسات الصحفية بشكل غير رسمي وغير قار وغالبا ما تكون دون التزام أو حقوق ممّا يجعلهم "مجهولين" أو "صحفيين من الدرجة الثانية".

وتعتمد أغلب المؤسسات على الصحفيين بـ"القطعة" لأنهم أقل تكلفة. وهو مسعى كل أرباب العمل الذين يجدون ضالتهم في الارتباط بالصحفي العرضي بطرق تمويهية حتى لا يصنف ضمن خانة المشمولين بالحماية التي يضمنها قانون الشغل والاتفاقية المشتركة. فمديرو المؤسسات الصحفية يتعاقدون مع هذه الكفاءات الشابة بشروط متدنية استغلالا منها لرغبتهم القوية للعمل في هذه المهنة دون غيرها. وقد قال بعض الصحفيين الشبان أن الأجور التي يتقاضونها لا تتجاوز 200 دينار وهي لا تتناسب مع عطاءهم ولا تضمن لهم حياة كريمة ولا تغطي مصاريف الكراء والتنقل والملبس ولا تجاري تدهور المقدرة الشرائية وتحسين الأجور. فأهم المشكلات والعقبات التي تقف في طريق الصحفيين الشبان للدخول إلى مهنة الصحافة هي إعاقة واعتراض مسارهم بدءا بالاعتراف بهم كجزء من هذا النشاط التفاعلي والإنساني وصولا إلى التزام المؤسسات الصحفية بحقوقهم المادية مثل المرتبات والأجور والحوافز ومحاولتها الاستفادة منهم بدون موجب قانوني. فبين الأجور الخرافية لأشباه الصحفيين والدخلاء عن المهنة ولصانعي السياسات التحريرية، وأغلبهم وكلاء للأجهزة الأمنية والرقابة، والوضعية المادية للصحفيين الشباب هناك حقيقة مرة وهي الحيف الذي طال هذه الفئة والذي يزداد يوما بعد يوم.

وقد تناول عالم الاجتماع الفرنسي آلان آكاردو هذه الشريحة المهنية في كتابه "صحفيون عرضيون، الواقع اليومي"، وقام ببحث حول وضعيتهم في بعض البلدان الأوروبية عن طريق مقابلات وحوارات معم وشهادات حول معاناتهم. وحلـّل ظاهرة العرضية التي تمس العمل في المؤسسات الصحفية والتي تخضع لقانون السوق والتي لها تأثيرات كارثية سواء على مستوى النشاط الصحفي أو نوعية المعلومة. ويُرجِع أكاردو تردي وضعية الصحفيين الشباب إلى تعرضهم لاستغلال رؤسائهم في العمل الذين يتحملون مسؤولية تدني العمل الصحفي. يقول أكاردو: "وعامة الناس لا ترى من الصحافة سوى وجهها البراق لكنهم يجهلون كيف أن قلة تطلق على نفسها لقب النخبة وغالبا ما تلعب دور ملقن الدروس تتحكم في ظروف ومعيشة وعمل الشباب المتخرجين من مدارس الصحافة وتستغلها أشرس استغلال". وبالنظر إلى أن هذه الشريحة ووضعيتها المادية المزرية يعلن آكاردو في مؤلفه المذكور عن ظهور ما سماها بـ"البروليتاريا المثقفة" داخل الطبقة المتوسطة وهي تختلف عن البروليتاريا بكونها حاملة لملكية الرأسمال الثقافي أو الرمزي أو الفكري. وكل من درس عن كثب ظاهرة فقر هذه الشريحة من المثقفين يصل إلى نفس الاستنتاج هو أن قانون السوق ومنطق المنافسة اللذان جعلا قطاع الإعلام مثل أي قطاع اقتصادي آخر يقع ضحية التطورات السريعة التي يشهدها العالم اليوم. فهو بات أيضا يعرف تسريح العاملين ويبحث عن اليد العاملة الرخيصة ويلتف على الضمانات الحقوقية لهذه الشريحة. وإننا نعتقد أن وضعية الصحافيين العرضيين أو المتعاقدين الشبان في أوروبا لا تختلف في شيء عن الوضعية في بلادنا والتي هي أكثر تدهورا نظرا لمناخ القمع والاستبداد الذي يمنح هذه الشريحة من التنظم في هيكل يدافع عن مصالحها، وحتى إن وجد هذا الهيكل فإنه قد تم الانقلاب عليه من أجل تحويله إلى بوق دعاية للنظام القائم. وكذلك عمل هذه الشريحة في بلادنا لا يرتكز على ممارسة حرية الرأي والتعبير بل إنه يدخل في إطار التبعية القانونية التي تخول للمشغل إعطاء الأوامر وفرض التوجهات والالتزام بالخطوط الحمراء التي تتجنب نقد برامج السلطة وتوجهاتها. فخضوع العمل الصحفي لسلطة مديري الصحف الذي يرتبط أغلبهم بمؤسسة الرقابة ووزارة الداخلية يتناقض مع حرية الصحافة التي لا تسعى إلى توفير معلومة كاملة وذات جودة وهذا يعني كذلك القضاء على تعدد الأصوات والتوجهات داخل المؤسسة الإعلامية. وهذا ما نلاحظه تقريبا في أغلب وسائل الإعلام، فالأشكال تختلف لكن المضمون يبقى واحدا: دعاية ممجوجة، إعادة إنتاج للواقع السائد، التكالب على الربح السريع، الهجوم على الأصوات الحرة وتخوين المعارضين، والإثارة عن طريق المحتويات الجنسية المقنعة.

وبالإضافة إلى الوضعية المادية المزرية على مستوى الأجور، نجد أن الصحفيين الشبان ليس لهم الحق في التمتع بالعطل خالصة الأجر مثل عطلة المرض، وليس لهم الحق في مناقشة العقود خوفا من الطرد بالإضافة إلى غياب الحماية الاجتماعية والتأمين على الأجر والتأمين الصحي.

ولا تتولى المؤسسات الصحفية فتح المجال أمام هذه الكفاءات لتنمو وتكبر، فعلاوة على حرمانها من حقوقها المادية والتي ذكرناها آنفا، تحرمها من أبسط حقوقها المعنوية والتي تبدأ من الحق الأدبي وفرص التكوين والتدريب المتساوية والعدالة في الترقية انتهاء ببرامج تحسين القدرات وإتاحة الفرص لهم للاحتكاك بعوالم الصحافة خارج البلاد. وهذا بالإضافة إلى تضييق الخناق والحصار الذي استهدف النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ثم الإجهاز عليها عن طريق حفنة من المرتزقة والذين سمّيوا زيفا صحافيين وبالتالي حرمان الصحفيين من هيكل مستقل يدافع عن مصالحهم ويعيد للصحافة الدور المنوط بها وهي الدفاع عن القضايا العادلة وتنمية الحس المدني والمواطنة لدى الجمهور والكشف عن تجاوزات السلطة وتقديم معلومة كاملة وموضوعية للقراء، بالإضافة إلى انخراطها في الدفاع عن الحريات وعن العمل الصحفي المستقل.

مقترحات:

إن تهميش مطالب القاعدة الصحفية الشابة تتطلب معالجة سريعة للوضعيات المادية والمهنية الهشة. لا بد من التعمق أكثر في الموضوع وفتح الباب أمام المدافعين عن مهنة الصحافة لطرح الموضوع بكل جدية ومسؤولية والخروج بالتالي بمنظور إجرائي ينصف الوضعية القانونية والواقعية لهذه الفئة من الصحفيين وذلك عن طريق:
- إنشاء مرصد حقوق للصحفيين الشبان في شكل مركز استماع لمختلف قضاياهم من أجل تقديم العون اللازم لهم والضغط القانوني والإعلامي لمساندتهم.
- مزيد كشف ممارسات مديري المؤسسات الإعلامية وذلك عن طريق مزيد نشر التقارير عن هذه الفئة (تقارير سنوية أو نصف سنوية).
- إلزام نقابة الصحفيين بالدفاع عن هذه الشريحة المهنية ومزيد تكوينهم وتدريبهم ومعاملتهم معاملة منصفة وعادلة.
- إنشاء بنك معلومات يرصد ما تتخبط فيه الصحافة في بلادنا من مشاكل ووضع خطة عمل واقعية وملموسة للنضال من أجل تحقيق مطالب القاعدة الصحفية.

عاشت نضالات الصحفيين من أجل صحافة حرة ومناضلة ومستقلة.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني