الصفحة الأساسية > إلى الأمام > سلسلة جديدة - عـدد 6 فيفري 2008
من هم أعداء الشباب ؟
شباط (فبراير) 2008

تواجه الدولة التونسية تحديات كبيرة وغير مسبوقة في حدتها والنتائج المصيرية المترتبة عليها، لعل أهمها مشكل البطالة، ومواجهتها والتخفيف من حدتها وانعكاساتها الخطيرة، ترتبط عضويا بمواجهة تحديات اقتصادية واجتماعية أشمل.

إن البطالة هي تعبيرة مكثفة عن فشل ذريع لأداء الحكومة وعن غياب الرؤية التنموية في برنامجها. فاستقرار نسبة البطالة على امتداد فترة زمنية يعني في ما يعني عدم قدرة البرامج والمخططات التنموية على تجاوزها، فما بالك إذا كانت هذه النسبة ترتفع باستمرار خاصة في العقدين الأخيرين حيث اتسعت قاعدة المنتسبين إليها هيكليا وقطاعيا وحتى احتياطيا.

منذ أن تبنت الدولة التونسية برنامج الإصلاح الهيكلي في النصف الثاني من الثمانينات فتحت الباب على مصراعيه أمام الاستثمار الأجنبي والشركات الاحتكارية العالمية التي استفادت من التسهيلات الجمركية وتوفر بنية تحتية ملائمة وجيش من طالبي الشغل مقابل أجور لا تفي حتى بالحاجيات الأساسية. يقابله استثمار وطني ضعيف، غير قادر بهشاشته على المنافسة وبالتالي على الصمود أمام الهجمة الامبريالية، وإذا أضفنا إلى ذلك توجها لا يخدم السواد الأعظم من الشعب، ولا يضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، موسوم بطابع مافيوزي تجني من خلاله بعض العائلات القريبة من قصر قرطاج، ثروات طائلة على حساب أغلبية تعاني الفقر والإملاق، فإن خارطة البطالة ستكون بشكل مباشر موسومة بالخطورة وبانعكاساتها غير المسبوقة.

لقد توّج النظام الحاكم عشرين سنة من تربعه على العرش بإحكام قبضته على البلاد والعباد، بأن أنتج الجريمة والفساد والبيروقراطية و"الإرهاب" في كل مؤسسات الدولة وإداراتها، فالطغمة الحاكمة تعتبر نفسها مالكة وراعية للبلاد، والوزير يتصرف على هواه دون أن يطاله النقد، والمدير العام لأي مؤسسة يتصرف كما يحلو له دون احترام القوانين الداخلية لمؤسسته وهكذا دواليك، لنجد أن أي مسؤول هو صورة مماثلة لشكل الحكم، أي الحكم الفردي المطلق الذي لا ينقد ولا يحاسب ولا يقاضى، ويسن القوانين والقرارات حسب مزاجه، لا كما يمليه عليه الواجب الوطني أو المصلحة الجماعية. وقد استفادت الطغمة الحاكمة من ضعف الحركة السياسية ومن عفوية التململ الاجتماعي، وخاصة من انحسار دور المجتمع المدني في التصدي للاستبداد، لتمعن في تكالبها على الربح غير المشروع وصمّ الأذن عن صيحات التظلم والقهر. فإلى جانب أكثر من نصف مليون معطل مقصي من دائرة الإنتاج يعيش بطالة دائمة أو شبه دائمة فإن القاعدة تتسع باستمرار بوافدين جدد من المسرحين الذين لفظهم أرباب العمل وأصحاب رؤوس الأموال، زد على ذلك عشرات الآلاف من أصحاب الشهائد وهي فئة انفجرت بشكل سريع خاصة في العشر سنوات الأخيرة نتيجة تخريب الجامعة عبر المشاريع التعليمية المرتجلة في مقابل آليات تشغيل هشة وغير مدروسة لا تعدو أن تكون سوى مسكنات لتأجيل الأزمة وليس لحلها.

لقد بات من المؤكد اليوم أن هناك صفين متوازين لكل منهما ملامحه وخصائصه: صنف البرجوازية العميلة وأداتها النظام الحاكم وما له من قوة (سلطة تنفيذية قمعية، قضاء تابع، وسائل إعلام مظللة...) وبعض المتذيلين له من الانتهازيين من أصحاب المصالح الظرفية ومن البيروقراطية المتنفذة على رأس منظمة الشغيلة، وصف آخر يضم أغلب فئات الشعب التونسي وقواه الحية، والتي تتناقض مصلحتها مع وجود النظام الجاثم بكلكله على أحلامه وتطلعاته.

إن المعطلين بعمومهم، سواء من يبيعون قوة عملهم لأصحاب رؤوس الأموال وأرباب العمل، أو من أصحاب الشهادات الذين تحصلوا على رصيد علمي وثقافي، هم مؤهلون عضويا وموضوعيا لكي يدفعوا بمعركة التشغيل إلى منتهاها، عبر الوعي بالدور التنظيمي لهذه الفئة مما يجنب الحركة العفوية والانتكاسة، بل ويمكن أن يسلحها ببرنامج سياسي يربط بين المطلب (الشغل القار) وبين المناخ السياسي والاقتصادي الذي يتحقق فيه ويكفله.

من نافلة القول أن قراءة متأنية للوضع الاقتصادي والاجتماعي الراهن، وفي ظل سلطة ترفض الحوار وتحترف سياسة التعنت والهروب إلى الأمام، تحملنا على الشك في وجود مخرج لأزمة البطالة وأفق انفراج. وبالتالي فإن الانعكاسات المنجرة عنها كالجريمة و"الحرقة" والإحباط والدعارة (...) ستتفاقم أكثر وربما ستنتج -كما هو الحال- أرضية خصبة للتطرف والارتهان للغيب وللجنة الموعودة، بدل جحيم المناخ السائد.

إن ضمان مستقبل أفضل لعموم الشعب التونسي مرهون بالضرورة بحماية فئة الشباب من الإقصاء والحرمان من الإبداع، فعليها فقط يتوقف بناء المستقبل وبه فقط تسير قاطرة التغيير.

إن حركة اجتماعية تتحسس الطريق باطراد، وقد تتطور وتأخذ أشكالا احتجاجية أرقى، ولكن الخوف كل الخوف أن تفوّت طليعة الشعب فرصة قيادتها إلى مبتغاها وتبقى رهينة الإنتظارية والتذيل لها في حين تلقي الحركة بأسرها في العفوية، ويسهل بالتالي قمعها أو تكون حصان طروادة لحركة أخطر وأشد رجعية.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني