الصفحة الأساسية > بديل الشباب > ماذا تركت لنا 36 سنة من النضال؟
حركة فيفري 72:
ماذا تركت لنا 36 سنة من النضال؟
شباط (فبراير) 2008

يحتفل مناضلات ومناضلو الحركة الطلابية التونسية هذه الأيام بمرور ست وثلاثين سنة على اندلاع حركة فيفري 1972 المجيدة التي حملت في طياتها عديد الدروس والمعاني نهلت منها أجيال عدة وكرستها داخل أسوار الجامعة بل وصدرتها في أعماق الحركة الشعبية.

ولئن أبدعت الجماهير الطلابية على امتداد هذه السنين نضالات مريرة وعنيدة من أجل استقلالية منظمتها الطلابية وحرية الشعب التونسي، فإن أكبر درس من تلك الملاحم نستخلصه هو أن الأهداف النبيلة والمبدئية لا تأتي "بالنضال المريح" بقدر ما تكون بالتضحيات ونبذ الذات وما الفاضل ساسي وبن جنات ونبيل بركاتي وفاطمة البحري وغيرهم كثيرون إلا دليل على ذلك، فهؤلاء لقنوا دروسا لا تنسى في الصمود سواء لأجيالهم أو لجيلنا الحالي وحتى إلى التشكيلات الأمنية المختلفة التي قمعتهم بل وحتى إلى الكوادر الأمنية والتي مازال بعضها يحكم الآن بلادنا بالحديد والنار والذين تقشعر أبدانهم عند سماعهم لأسماء شهدائنا الأبرار.

واليوم يحق للجماهير الطلابية أن تطرح السؤال بعد كل هذا النضال وهذا الصمود: ماذا تركت لنا 36 سنة من النضال؟ إن النضالات العديدة للأجيال السابقة ولعدة أسباب، قد تمكنت من أن تُرضخ السلطة وتجعلها تتناول في عديد المطالب الحيوية التي كان يطرحها الطلبة. فملف استقلالية المنظمة الطلابية قد سُوّي بالكامل بعد نضال عنيد ضد الحزب الحاكم والبوليس وأصبح الاتحاد العام لطلبة تونس منظمة "مستقلة في هياكلها" لا دخل للحزب الحاكم فيها كما أن معركة القانونية فاز فيها الطلبة وعاد الاتحاد إلى القانونية بعد 17 سنة من العمل السري...

ملفات مادية وبيداغوجية عديدة سواء وقع طرحها في زمن اللاقانونية أو القانونية وقع تسويتها بعد خوض نضالات مضنية وافتك الاتحاد بذلك شرعية هو في أمس الحاجة إليها ليكون بذلك منظمة قوية كسبت ثقة الطلاب وتدافع عن مصالحهم المختلفة من جهة ومن جهة أخرى منظمة لها مواقف وممارسات مشرفة على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي...

لقد وعت السلطة بأهمية الاتحاد وقدرته على تأطير الطلبة وخوضه لمعارك كبيرة قد تهدد النظام بأكمله فسعى هذا الأخير إلى تفتيته شيئا فشيئا بعد أن تنازل على قانونية المنظمة، وبدأ هجمته الشرسة والممنهجة على مؤسسات الاتحاد ومناضلاته ومناضليه ومنخرطيه، فضرب الحق النقابي وزج بالمناضلين في السجون (القيروان، سوسة، تونس...) وحاك مجالس التأديب وعاقب المناضلين المتخرجين بحرمانهم من حقهم في الشغل ومنع الحق من التمويل وربطه بالعلاقة مع قيادة الاتحاد...

وإلى اليوم مازالت المنظمة الطلابية محرومة من مقراتها ووثائقها وتجهيزاتها... وفي كلمة، كان الاتحاد العام لطلبة تونس ولا يزال أحد أعداء السلطة.

ومن جهة أخرى، ولكي يضمن أكثر الفرص في تقزيم المنظمة وتهميشها، تفنن النظام الحاكم في شراء الضمائر وأصبحنا نشاهد إلى حدود اليوم أرهاطا كثيرة ممن لا يخجلون من كتابة التقارير واتخاذ المواقف المخزية فكانت عديد القيادات مثالا للعب الأدوار القذرة في ضرب استقلالية الاتحاد ووحدته...

كما أن عديد القراءات التي نراها خاطئة في التعامل مع الاتحاد العام لطلبة تونس سواء التي ترى وجوب أن تكون المنظمة نقابية بالأساس أو تلك التي ترى أن الاتحاد هو نقابة "حمراء هدفها الإطاحة بالنظام"!!، ساهمت في تأجيج الصراعات الهامشية وعزل الاتحاد عن محيطه. لقد ساهمت كل هذه الأسباب، في ضعف الاتحاد وانحسار دوره وفقدان الثقة فيه خصوصا من طرف طالب اليوم، وما انقسام الاتحاد وتذرره إلا تعميقا لهذه الوضعية الرديئة، إذ أن انقسام المنظمة العتيدة بنضالاتها وشهدائها سيمنعها من التطور ولن يفيد ذلك إلا السلطة وسيكون ذلك أحد الحواجز المعقدة أمام حق الحركة الشعبية التونسية من قوة دفع كبيرة لتتحرر وتنعتق من ربقة الدكتاتورية التي تجثم فوق صدر الشعب التونسي...

ليس من المعقول بعد 36 سنة ناضل خلالها المئات بل الآلاف من الطلبة حتى تستقل منظمتهم الوحيدة أن تبقى نفس تلك الحسابات التي تحكم بعض الأطراف السياسية لتترك المنظمة معزولة عن طلبتها وغريبة عنهم! ! فالواقع الجامعي اليوم آخذ في التأزم والبرامج التعليمية توضع دون استشارة الأطراف الجامعية، وهذه البرامج آخذة نحو فراغ المحتوى. كذلك فإن الظروف المادية للطلبة تجعلنا نطلق صيحة فزع، فلا حقوق المنحة ولا السكن ولا النقل ولا الإطار التدريسي الكفؤ والمختص ولا تطور على مستوى البنية التحتية...

أما على مستوى بطالة أصحاب الشهائد فلن نتحدث عنه!
إن ظروفا مادية وبيداغوجية كهذه إذا أضفنا إليها تصحرا ثقافيا ومدّا ظلاميا لن تنتج إلا مزيدا من البؤس ومزيدا من الراحة للنظام الذي سقطت عنه كل ورقات التوت وليس من دليل آخر لكي نقدمه بعد كل هذه السنين حتى نؤكد عداوته للطلبة وللشعب...

إننا بأي حال من الأحوال لا يمكننا أن نقبل بأن تمر 36 سنة هكذا ونحن لا نساهم في تطوير التاريخ وتقوية الصراع ضد أعداء الطلبة.

وما المبادرة الأخيرة في توحيد الاتحاد العام لطلبة تونس وقطعها لأشواط عملية مهمة إلا خيط أمل من أجل إعادة بناء المنظمة لتشتغل على أساس ضرب الهيمنة والإقصاء وتعمل على قاعدة مؤسساتية تنبذ التوظيف الحزبي وتطل على آفاق رحبة وتضع الطالب ضمن صدارة اهتماماتها وتواكب المتغيرات وتعيد لنفسها مكانتها القديمة في قلب الحركة الديمقراطية وترجع صلاتها مع المنظمات التقدمية العالمية الشقيقة والصديقة. نحن اليوم في حاجة أكيدة إلى تلك الروح التي تميز بها كل ديمقراطي شارك في قربة 71 ورفض الانقلاب الدستوري ومحتاجون كذلك إلى صمود الـ105 نواب الذين أمضوا على عريضة الرفض وإلى من سطّر برنامج 73، ومحتاجون أيضا إلى من ساند نقابيّي اتحاد الشغل في 78 ومن خرج إلى الشوارع في انتفاضة الخبز وكذلك إلى حماسة من شارك في الـ18 خارق للعادة ومحتاجون إلى من قبع في السجون في 94 و98...

وفي كلمة، نحن في حاجة إلى دروس 36 سنة من النضال ولكن في ظروف اليوم العصيبة وخصوصياته المعقدة.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني