الصفحة الأساسية > البديل الوطني > 20 عاما من الوقت الضائع على تونس الخضراء
7 نوفمبر 1987 - 7 نوفمبر 2007:
20 عاما من الوقت الضائع على تونس الخضراء
6 تشرين الثاني (نوفمبر) 2007

يوم 7 نوفمبر 2007 يكون قد مرّ عشرون عام على إزاحة بورقيبة من قبل وزيره الأول الذي استأثر بالحكم وحوّل رئاسته السابقة إلى رئاسة مدى الحياة وأجهض أحلام الشعب التونسي في الحرية والكرامة والسيادة التي ناضل من أجلها وقدّم جسيم التضحيات زمن الاستعمار الفرنسي وزمن الحكم البورقيبي.

20 عاما من الوقت الضائع على تونس الخضراء التي كانت مؤهلة بخيراتها وخبرتها وكدّ عمالها وكادحيها، كي تنهض وترتقي إلى مستوى بلد متطور متقدّم.

20عاما من الاستبداد والاستعباد الذي خلّف آثارا ماديّة ومعنويّة وخيمة على المجتمع حيث تفشّت أخلاق العبيد وقامت علاقة المحكوم بالحاكم على الخوف والطمع، ولم يعد بمقدور التونسي أن يعيش إلاّ بشخصيتين علنية لإرضاء الحاكم ولأعوانه، وسرية لإرضاء ضميره وصحبه.

20 عاما كانت بدايتها الوعود التي سرعان ما تبخّرت، وبمجرّد أن استقرّ الأمر لبن علي والحاشية الجديدة، عادت الأوضاع إلى ما هو أسوأ، وتمّ الالتفاف على مكاسب الحركة الديمقراطية والنقابية، سواء في مجال الصحافة والإعلام أو التنظيم، أو الاجتماع والتظاهر، أو الانتخاب، أو التعبير عن الرأي أو القضاء والإدارة، وتمّ ضرب المجتمع المدني الوليد (الرابطة وجمعية القضاة...) وتوخّي الحلول الأمنية لحسم الخلافات والاختلافات السياسية كما تمّت العودة للرئاسة مدى الحياة بعد الوعد بوضع حدّ لها، فتأبّد الحكم الفردي المطلق الساري في البلاد منذ نصف قرن كما تأبدت هيمنة الحزب الحاكم على الحياة العامّة، واشتغلت ماكينة القمع لتشمل كافّة التيارات الفكرية والسياسية وتمتلئ السجون بالمعارضين ناهيك أنه من الصّعب أن توجد عائلة تونسية لم يطل القمع أحد أبنائها أو بناتها خلال العشرين سنة من حكم بن علي وأدى التعذيب في محلاّت البوليس السياسي وسوء المعاملة في السجون إلى وفاة العشرات من المعتقلين وظلّ المسرحون من هؤلاء وهم يعدّون بالآلاف يعيشون تحت المراقبة المستمرّة دون حقوق تذكر، وقد طال القمع أفراد عائلاتهم وأقاربهم.

وأفضت الصدمة الناجمة عن إجهاض أحلام الحرية وانتهاج نهج التعذيب والقمع والإرهاب إلى إفراغ الحياة السياسية وحمل الناس عن العزوف عن السياسة، والكفاءات على الهجرة. وامتدّ هذا التصحّر ليشمل الحياة الثقافية والفكرية التي أصابها الجدب والرّكود جراء تطبيق سياسة الإقصاء وتهميش القيم الثقافية والإبداعية الأصيلة. (أين المسرح؟ أين السينما؟ أين الموسيقى أين الأغنية؟ أين الرّسم؟ الخ.).

وبإعطاء الأولوية للولاء والموالين، والمدح والمداحين، ونظرا إلى ما يربط الثقافي بالاجتماعي فقد شمل التردّي كافّة القطاعات ذات النّفع العام، كالتعليم والصّحة والنقل والبنية الأساسية وغيرها، وزحفت آفة الخوصصة التي أخضعت هذه القطاعات لمنطق السوق والمردودية الماديّة قبل منطق المستوى والمحتوى وخدمة المصلحة العامّ. وتقلّص حظّ التكوين والسؤال النقدي من برامج التعليم ومناهجه، وتمّ تهميش دور أهل المهنة والاختصاص وترهيب نشطائهما النقابيين والفكريين.

وأفضت سياسة القبضة الأمنية وثقافة تشريع الفوارق الطبقية وامتهان الذات البشرية والتساهل مع الجريمة الحقيقية إلى تردّي العلاقات داخل المجتمع وتفاقم تدهور الوضع الأخلاقي والذهني بما جعل الغشّ والرشوة والوشاية والإدمان والبغاء والسرقة والاعتداء المادي واللفظي يشهد انتشارا غير مسبوق، والجهل يخرج من الباب كي يعود من الشبّاك، وسوق الخرافة والشعوذة تستقطب كافّة الفئات الاجتماعية.
ولم يسلك ساسة السابع سياسة الاستبداد والتفقير الحسّي والمعنوي هذه طيلة العشرين عاما من حكمهم إلاّ للإستلاء على ثروة البلاد دون منازع، وتعميق تبعية اقتصادها الهشّ بما يخدم مصالح الأقلية البرجوازية العميلة وأسيادها الامبرياليين وفي مقدّمتهم الأمريكان، وبما يجعل طريق التطبيع مع الكيان الصهيوني وخيانة المصالح الوطنية والقومية سهلة. وقد وفّرت "العولمة" غطاء لهذه الأقلية كي تمعن في ربط مصير البلاد بالخارج الاستعماري وإفقادها هويّتها الثقافية وذاتها الحضارية.

وفي هذا الإطار وباسم "الإصلاح الهيكلي" و"التأهيل الشامل" تمّ تخريب النسيج الاقتصادي وتصفية القطاع العام والدور الخدماتي للدولة وبيعت البلاد أرضا ومؤسسات للرأسمال الأجنبي، واستولت المافيا الجديدة على الأخضر واليابس وعمّ الفساد وإفساد عالم الأعمال وكافّة مجالات الحياة، ولم يجن العامل وسائر الطبقات والفئات الكادحة من هذه الاختيارات المفروضة عليهم سوى المزيد من المتاعب، من بطالة طالت لأوّل مرّة وبشكل واسع أصحاب الشهادات العليا، وتدهور المقدرة الشرائية نتيجة غلاء الأسعار من جهة وتدنّي الأجور والمداخيل من جهة ثانية، وتردّ للخدمات الاجتماعية من صحّة وتعليم ونقل وسكن من جهة ثالثة.

مما لاشكّ فيه أن سلطة السابع استفادت كثيرا من ضعف القوى المعارضة وعملت ما في وسعها كي يتحوّل هذا الضعف إلى وهن لا قيام بعده.

ومما لا شكّ فيه أيضا أن تشرذم تلك القوى وتشتت صفوفها جرّاء هيمنة الرّوح "الدكاكينية" والفئوية وانتهازية الرؤية السياسية شلّ قدرتها على المواجهة، والسّلطة لم تتردد في تأجيج خلافاتها الداخلية ووقفت وراء عديد التصدّعات والانشقاقات التي نخرتها وقاومت مشاريع الجبهات والتحالفات النضالية.

هذه حقيقة لا بدّ أن يقف عليها التقييم الموضوعي والمبدئي طيلة العشرين سنة الماضية، وأن يهتدي الرأي السديد إلى سبل التجاوز عسى أن يشهد بذلك ميزان القوى تعديلا من شأنه أن يُري شعبنا وأحراره باب النّفق، وفي هذا الإطار ووفق هذه الرؤية التصويبية التي يتبنّاها حزب العمال كان تجمّع 18 أكتوبر نواة سياسية وتنظيمية لمسعى اجتياز العقبة الواقفة في وجه الجميع مهما كانت الخلفية الفكرية والبرنامج الاستراتيجي لكل فصيل، بعد تجربة سنوات طويلة من النضال المشتت ومواجهة آلة القمع والتعذيب فرادى. على أن عقلية مجموعة الضّغط الصغيرة التي يستفيد منها الأقوى وملازمة موقف الانتظار، ما تزال تؤجّل صحوة عدد من فصائل المعارضة وتطيل أمد هامشيتها وشكلية حضورها.

إنّ حزب العمال الشيوعي التونسي الذي يواصل النضال ضدّ الدكتاتورية والتعبئة والفساد والتصحّر الثقافي والتطبيع مع الكيان الصهيوني لا يرى من مدخل إلى حياة الحرية والكرامة والاستقلال والسيادة إلاّ عبر الارتقاء بالفعل المعارض تنظيما وسياسة، بغية رفع الكابوس الجاثم على رقاب الجميع، وفتح الطّريق المسدود، طريق الجمهورية الديمقراطية، والمواطنة الحقيقية. وتتوفر اليوم فرصة هامّة للمعارضة الديمقراطية كي تكتل جهودها وتؤثّر في مجرى الأحداث.

إنّ نظام السابع من نوفمبر يعُدّ بعد عامين (2009) لمهزلة انتخابية جديدة يرمي من ورائها إلى تكريس الرّئاسة مدى الحياة مجدّدا وتأبيد هيمنة الحزب الحاكم على الحياة العامّة بما يعنيه من استمرار للقمع والقهر من جهة وتواصل للنهب والاستغلال والتبعية من جهة ثانية. وبإمكان المعارضة أن تتصدّى موحّدة من الآن لتقول لا للرئاسة مدى الحياة! لا للنّهب والاستغلال! لا للفساد! لا للتبعية!

المجد للشعب ولتضحياته طيلة العشرين سنة الماضية،
والعزّة لمناضليه الصامدين
تسقط الديكتاتورية
ولا عاش في تونس من خانها

تونس في: 6 نوفمبر 2007

حزب العمال الشيوعي التونسي


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني