الصفحة الأساسية > البديل العربي > الفساد يضع السلطة الفلسطينية في مأزق
الفساد يضع السلطة الفلسطينية في مأزق
13 أيلول (سبتمبر) 2004

تتعرّض "السلطة الوطنية الفلسطينية" لأزمة خانقة قد تعصف بها نهائيا. وجاءت هذه الأزمة في أعقاب قيام فصائل فلسطينية مسلحة باختطاف مسؤولين كبار في أجهزة السلطة، وخاصة أجهزتها الأمنية، وباقتحام المراكز الأمنية وإضرام النار في بعضها… وقد أدى هذا الانفلات الأمني إلى إعلان بعض رموز السلطة الفلسطينية استقالتهم، وهدد البعض الآخر بالاستقالة من بينهم رئيس الوزراء الفلسطيني أحمد قريع.

وفي الحقيقة فإن هذه الأحداث لم تفاجأ الذين يتابعون الشأن الفلسطيني، باعتبار وأن المشاكل الداخلية والخارجية التي تعاني منها السلطة الفلسطينية تأزمت إلى الحد الذي بات ينذر بانفجار داخلي في أي لحظة. لكن ربما الغريب في الأمر هو أن الذين يهاجمون السلطة هذه المرة ليسوا من الصهاينة بل هم من المقاتلين الفلسطينيين الذين يئسوا من أية عملية إصلاح جدية تطال السلطة بعد أن استفحل الفساد بجميع أنواعه وطال جميع أجهزتها. فمنذ انبعاث هذه السلطة والتقارير تشير إلى أن الفساد المالي والمحسوبية واستغلال النفوذ والتداخل بين السلط وعدم استقلاليتها وتشعب الجهاز الأمني الذي أصبح سيفا مسلطا على رقاب المقاومين والمقاتلين وكل الرافضين لنهج الفساد والتلاعب بالسيادة الوطنية. ولم تقتصر هذه التقارير على المنظمات الفلسطينية غير الحكومية بل شملت منظمات عالمية منها ما هو مساند وداعم لهذه السلطة. كما أن التنظيمات الفلسطينية المسلحة التي تواجه الصهاينة ما فتئت تشتكي من الفساد الذي ينخر السلطة من أعلاها إلى أسفلها. وكثيرا ما كانت تبعث برسائل إلى رموز هذه السلطة وخاصة الرئيس عرفات تلفت انتباهم وتدعوهم إلى التدخل لوضع حدّ لهذا الطاعون قبل أن يستفحل ويصعب إصلاحه. وفي الفترة الأخيرة وأمام وصول أزمة السلطة إلى نفق مسدود بدأت بعض الفصائل المعروفة بجديتها في مقاومة المحتل والتي تحظى بثقة ودعم جانب كبير من الشعب الفلسطيني بتوجيه تحذيرات مباشرة بوضع حد للفساد عن طريق أجهزة السلطة (السلطة القضائية…) وإلا فإنها ستتصرف من تلقاء نفسها وبما تراه صالحا للشعب الفلسطيني المتضرر الأول من تصرفات السلطة الفاسدة.

وكانت فضيحة "الإسمنت المصري" المستعمل في بناء الجدار العنصري من بين الفضائح التي عجلت باندلاع المواجهات المسلحة بين أتباع سلطة عرفات والمعارضين لها. وللتذكير فإن هذه الفضيحة جاءت بعد أن تمكنت "لجان مقاومة التطبيع في مصر" من كشف ملابسات صفقة سرية بين مصر ودولة شارون يتم بموجبها بيع 120 ألف طن من الإسمنت المصري (شركة بني سويف للإسمنت المصرية) لصالح الكيان الصهيوني بغرض الإسراع في بناء جدار الفصل العنصري. وبعد كشف هذه المعلومات التي نشرتها صحيفة "العربي" الناصرية، أُلغي الاتفاق المذكور وتوقف توريد الإسمنت المصري إلى "إسرائيل". لكن الوسطاء الذين نجحوا في عقد الصفقة الأولى لم ييأسوا وتمكنوا من إعادة الصفقة عن طريق الشركات الفلسطينية بتواطؤ واضح من السلطة الفلسطينية. فأصبح الإسمنت المصري يصل إلى الجدار العنصري بواسطة هذه الشركات الفلسطينية التي دفعها الجشع والحصول على الربح الفاحش والسريع إلى تغليب مصلحتها الخاصة على المصلحة الوطنية العليا. ففي المرحلة الأولى يتم استيراد الإسمنت المصري عن طريق وزارة الاقتصاد الفلسطينية تحت غطاء تلبية الاحتياجات الفلسطينية وبناء ما يهدّمه شارون من بيوت فلسطينية..إلخ، ليقع تسريبه سرا إلى السوق الصهيونية في مرحلة ثانية. والغريب في الأمر أن وزارة الاقتصاد الفلسطينية واصلت استيراد الإسمنت المصري لصالح الشركات الفلسطينية المتورطة في هذه الصفقة حتى بعد انكشاف الفضيحة وصدور تقرير المجلس التشريعي الفلسطيني الذي أدان هذه الشركات وطالب بوقف استيراد الإسمنت لصالحها ومحاسبة جميع المتورطين في هذه الجريمة وتقديمهم للمحاكمة مهما كانت مواقعهم ومسؤولياتهم. لكن السلطة الفلسطينية بجهازيها التنفيذي والقضائي بقيت صامتة وتركت عصابات الفساد تتاجر بالمصلحة العليا للوطن. مما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك تورط هذه السلطة في هذه الصفقات المشبوهة وغيرها.

وما هذه في حقيقة الأمر سوى عينة فقط من الفساد الذي بات ينخر أجهزة السلطة. فالشعب الفلسطيني يتهم المسؤولين الكبار في السلطة بالتلاعب بالمال العمومي والاستيلاء على جزء هام من المساعدات التي تصل إلى الأراضي المحتلة علاوة على الرشوة واستغلال النفوذ… ولا يمكن للفساد المالي أن يوجد بدون أجهزة صورية تابعة للسلطة التنفيذية تعمل على تغطيته وحماية المنتفعين به. فإلى جانب الفساد توجد البيروقراطية وانعدام التسيير الديمقراطي وعدم وضع الإطار المناسب في المكان المناسب، بل على العكس من ذلك فإن المصالح الفردية والأنانية هي المقياس الأول للانتدابات في جميع هيئات السلطة مع العمل على تهميش مؤسسات المجتمع المدني وإلحاق الجمعيات المستقلة بالجهاز التنفيذي الفاسد وضرب استقلالية القضاء حتى يفلت الجناة من العقاب ومنع حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة حتى لا ينكشف المستور… وهذا ليس حال سلطة عرفات فقط بل هو حال جميع الدول العربية لكن الفرق بين الشعب الفلسطيني وبين الشعوب العربية الأخرى هو أن الشعب الفلسطيني له القدرة الميدانية على فرض تصوراته من خلال التنظيمات الفلسطينية المقاتلة التي استطاعت في ظرف وجيز توجيه رسالة واضحة إلى "السلطة الوطنية الفلسطينية" مفادها أن الشعب الفلسطيني قادر على وضع حدّ للفساد إذا لم تتمكن أجهزة السلطة من وضع حد له. وكانت هذه السلطة الفاسدة تحاول دائما استغلال هجوم شارون عليها لتبرير فسادها وفرض الصمت على الشعب الفلسطيني واتهام كل من يطالبها بالإصلاح بـ"ضرب وحدة الصف الفلسطيني وتقديم خدمة مجانية لشارون". إلا هذا لم يمنع الشعب الفلسطيني بالمطالبة بالإصلاح لاعتقاده الراسخ بأن وحدة الصف الفلسطيني تفترض وجود حكومة وحدة وطنية ممثلة للشعب الفلسطيني وتحظى بثقته، حكومة وطنية ديمقراطية بعيدة عن الفساد ولا تتردد في مقاومته. لأن السلطة التي لا تحظى بثقة شعبها ولا تستمع إلى نداءاته ومطالبه المشروعة في الإصلاح والتغيير غير قادرة على مواجهة استعمار استيطاني عنصري كالذي يقوده المجرم شارون.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني