الصفحة الأساسية > البديل الوطني > «المتغطّي بمتاع الناس عريان» (مكرّر)
«المتغطّي بمتاع الناس عريان» (مكرّر)
8 كانون الأول (ديسمبر) 2011
صوت الشعب - العدد 27

في مقالة بتاريخ 18 أوت 2011 عنوانها «المتغطي بمتاع الناس عريان» أعلمت جريدة «صوت الشعب» قرّاءها باعتزام الدولة التونسية الرّجوع إلى مشروع «صندوق الودائع والضمانات» الذي سبق أن أعلن عنه، في جوان 2010، رضا الشلغومي وزير مالية السابق في عهد المخلوع بن علي. في ذلك التاريخ طبّلت دعاية بن علي وصمّت آذاننا موضّحة أن هذا المشروع هو إنجاز للنقطة 13 من «البرنامج الرئاسي لرفع التحدّيات» . ثم أخرج جلول عيّاد، وزير المالية المؤقت في حكومة السبسي، المشروع من الرفوف في 29 جويلية2011 وأعلن عن قيام مشروع القرن الذي سيمحو الفوارق الجهوية ويقضي على دابر البطالة في البلاد. فعادت جوقة «الله ينصر من صبح» إلى التهليل وضرب الدفوف والحال أن المشروع «سلعة بايتة» كما يقول المثل الشعبي.

وها هو رئيس ديوان وزارة المالية جمال بالحاج يؤكّد من جديد يوم 18 نوفمبر 2011 وبحضور من ينوب الأغلبية الفائزة بمقاعد المجلس التأسيسي، أنّ تونس ستشهد في الأيام القليلة المقبلة انطلاق مؤسسة مالية جديدة مختصّة في تمويل الاستثمارات أطلق عليها اسم «صندوق الودائع والضمانات» برأس مال يقدر بحوالي 3 آلاف و خمسمائة مليون دينار. الجديد في الأمر أن السيد بلحاج الذي سيترأس هذه المؤسسة المالية أوضح، بما لا يدع للشكّ، أن «صندوق الودائع و الضمانات» سيمكن «الصندوق الفرنسي للودائع» CFD من المساهمة في رأس مال الصندوق التونسي، وأن رأس مال المؤسسة سيتكون أساسا من الأموال التي ستوضع تحت تصرفها والمتأتية من موارد «صندوق الادخار التونسي» (2700مليون دينار) ومن الودائع والأمانات والموارد الأخرى التي يعهد لها التصرف فيها (من الخزينة العامة وحسابات الادخار المجمّدة المتمتعة بالإعفاءاتcomptes bloqués).

كما واصل السيد بلحاج قائلا: «ستتمثل مهمة الصندوق في القيام باستثمارات في مجال التكنولوجيا الحديثة والبنية الأساسية والمشاريع الكبرى وتطوير رأس المال المخاطر والمؤسسات الصغرى والمتوسط والمساهمة في نشاط بورصة تونس...» هذا الكلام كنّا سمعناه على لسان رضا الشلغومي، وزير مالية المخلوع، في جوان 2010.

يتساءل العاقل كيف يمكن للدولة المتصرفة في الأموال البسيطة التي أودعها الناس لديها أن تحيلها إلى صندوق يساهم فيه أجانب بدون إبلاغ أصحاب الحقوق الذين سلموا أموالهم إلى «صندوق الادخار» التابع للبريد التونسي. وهل يجوز أن تضارب مؤسسة «صندوق الودائع والضمانات» بأموال ليست ملكا لها؟ ماذا سيبقى إذن من مداخيل البريد التونسي وآلاف عماله وموظفيه إذا سحبت منه موارد «صندوق الادخار؟

هذا دليل آخر على الاختيارات النيوليبرالية التي توّختها الأغلبية الفائزة بمقاعد المجلس التأسيسي والتي لا تختلف في جوهرها عمّا كان يمارسه الدكتاتور المخلوع. ما يرمون إليه من خلال هذا المشروع وغيره هو فتح مجالات جديدة للمصالح الأجنبية وبعث «موارد» مالية جديدة، هي في الحقيقة أوهام، مثل أوهام subprimes التي رجعت بالوبال على آلاف المدخرين في الولايات المتحدة.

التشغيل الذي يتحدث عنه السيد جمال بلحاج سيكون من الأرجح في ليبيا كما تدلّ على ذلك تصريحات سعاد عبد الرحيم، بوق النهضة، عندما أجابت مذيعة إذاعة «شمس اف ام»: «...العاطلون عن العمل؟...سنبعث الكثير منهم إلى ليبيا...».

رأس مال هذه المؤسسة المالية المضاربة سيخصص، لأنه ليس مالا خاصا، بلا أدنى شك إلى كراء العمارات الفخمة وشراء أساطيل من السيارات الفاخرة ودفع رواتب موظفين لا ينتجون إلا الهواء والأوهام. إن الاختيارات الاقتصادية للأغلبية الفائزة بانتخابات التأسيسي جليّة وواضحة المعالم. قوامها طمأنة دوائر البورصة وأصحاب البنوك المحلية ووعد أرباب الأعمال في تونس بامتيازات جبائية جديدة وإعلام الدوائر المالية العالمية أن مديونية بن علي الفاسدة سيقع تسديدها.

المناطق المحرومة من النماء، القصرين، بوزيد، قفصة وباقي جيوب الفقر والخصاصة تحتاج 15000 مليون دينارا سنويا، لمدة عشرة سنين على الأقل، للحاق بمستوى باقي الجمهورية. سيكون ذلك بشقّ المسالك الفلاحية وكهربة الآبار وحفر آبار جديدة، والتزويد بالماء الصالح بالشراب وبناء طريق سيارة تربط النفيضة بقفصة مرورا ببوزيد والقصرين ومصانع بالعشرات ومستشفيات وجامعات لقطع دابر البطالة.

كفاكم كذبا ووعودا فارغة. إنها لم تعد تنطلي على أحد.

وللمرّة الثانية نذكر، السّيد جمال بالحاج هذه المرة، بأنّ «المتغطّي بمتاع النّاس عريان».

بن يحيى سالم



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني