الصفحة الأساسية > البديل العربي > بناء جبهة وطنية لمواجهة المرحلة خير تخليد لذكرى عرفات
بناء جبهة وطنية لمواجهة المرحلة خير تخليد لذكرى عرفات
كانون الأول (ديسمبر) 2004

في فجر الحادي عشر من شهر نوفمبر توقّف قلب الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، أبو عمار، عن الخفقان بمستشفى بيرسي الفرنسي. وقد خلفت هذه الوفاة حسرة كبيرة في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني وبناته بمختلف نزعاتهم الفكرية والسياسية، ولدى كافة قوى التحرر والتقدم في الوطن العربي والعالم أيضا. فالرجل كرّس حياته لقضية شعبه ولم يتخل إلى آخر لحظة ورغم الضغوط المسلطة عليه بشكل مباشر ومن كل جانب (العدو الصهيوني، الإدارة الأمريكية، الأنظمة الرجعية العربية وفي مقدمتها النظام المصري…)، عن الثوابت الدنيا التي تجمع قوى التحرر الوطني الفلسطيني ألا وهي: الدولة المستقلة وذات السيادة الكاملة فـي الضفة وغزة وعاصمتها القدس، تفكيك المستوطنات من كافة الأرض المحتلة بعد 1967، عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.

إن تمسك ياسر عرفات بهذه الثوابت الدنيا ودعمه لانتفاضة شعبه الثانية التي اتخذت، مع تفاقم الجرائم الصهيونية، طابعا مسلحا، هما اللذان جعلا نقمة شارون وبوش تشتد ضده فسعيا إلى عزله بكل الوسائل وحاكا المؤامرات العديدة للتقليص من نفوذه داخل السلطة وفي منظمة التحرير وللتخلص منه واستبداله بقادة يقبلون الإذعان لشروطهما. لذلك كان شارون وبوش الوحيدين اللذين استبشرا بوقاحتهما المعهودة بوفاة الزعيم الفلسطيني، التي لا يستبعد أن يكون للأول، دور مباشر فيها إذا صحت فرضية التسميم، وحتى إن لم تصحّ فإن ظروف الحصار التـي فرضت على عرفات برام الله لمدة ثلاث سنوات لا بد أنها عكّرت حالته الصحية وعجلت بوفاته. وقد سارع هذان المجرمان اللذان يقودان حرب إبادة في فلسطين والعراق، بالتصريح بأن هذه الوفاة أزاحت "العقبة الرئيسية" أمام "السلام" في منطقة الشرق الأوسط ويمكن أن تكون بمثابة "المنعرج التاريخي" لتحقيق هذا "السلام".

ولا يخفى على أحد القصد من هذا الكلام. فشارون وبوش يراهنان على استلام قيادة طيعة للأمور على رأس السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير. وقد حددا بعدُ في تصريحاتهما الخط السياسي الذي ينبغي أن تتبعه هذه القيادة وهو التخلي عن تلك الثوابت التي ظل الفقيد متمسكا بها بصبر وعناد نادرين حتى آخر لحظة في حياته والقبول بكيان مسخ في قطع محدودة من الأرض في غزة والضفة وتحت مظلة إسرائيلية مباشرة. وبطبيعة الحال فالساحة السياسية الفلسطينية، مثلها مثل كافة الساحات العربية، ليست خلوا من الأعوان الذين هيأتهم مع مرور الزمن المخابرات الأمريكية والصهيونية بدعم من بعض المخابرات العربية (المصرية والأردنية…) ليقوموا في الوقت المناسب بالمهام القذرة المنوطة بعهدتهم.

هذا هو التحدي الخطير الذي تواجهه حركة التحرر الوطني الفلسطيني. فهي تجد نفسها تحت ضغوط مضاعفة سياسية وأمنية وعسكرية ومادية لتذعن للإرادة الامبريالية الصهيونية-الرجعية وتنهي الصراع الفلسطيني الصهيوني ومن ثمة الصراع العربي الصهيوني كي يتسنى لذلك الثالوث مواصلة نهش الجسم العربي. وما من شك أن للشعب الفلسطيني ولحركته الوطنية من التجارب ومن الطاقات التي تجعلهما قادرين على كسب هذا التحدي وتخييب آمال أعدائهما. ونحن نعتقد أن من العوامل الأساسية التي من شأنها أن تساعد على ذلك هو الوحدة الوطنية وتكريسها من خلال جبهة وطنية موحدة تضم كافة قوى التحرر الفلسطيني بقطع النظر عن نزعاتها الفكرية وخلافاتها السياسية. وهو ما من شأنه أن يقوّي وحدة الشعب الفلسطيني بكافة فئاته الاجتماعية، وطوائفه الدينية حول راية واحدة هي راية فلسطين الحرة والمستقلة، ويسلحه باستراتيجية وتكتيك واضحين. إن تحقيق مثل هذه الجبهة هو خير تخليد لذكرى عرفات الذي سعى بكل الوسائل للحفاظ على وحدة شعبه الوطنية حتى وإن أخفق أو أخطأ في بعض الأحيان، وهو خير تخليد أيضا لذكرى كافة شهداء فلسطين، بل إن تكوين هذه الجبهة هو أولوية الأولويات في المرحلة الراهنة.

وما من شك في أن علينا نحن أيضا، معشر الوطنيين والثوريين والتقدميين في تونس أن نتحمّـل مسؤولياتنا في هذا الظرف تجاه إخوتنا في فلسطين حتى ندعّم صمودهم ونقوّي ساعدهم في مواجهة المؤامرات الصهيونية-الامبريالية-الرجعية. صحيح أننا نحن أيضا نعيش "محنتنا". فالشعب التونسي يخضع لنير نظام دكتاتوري يجهز على كل حركة تضامنية حقيقية مع الشعب الفلسطيني (وكذلك مع الشعب العراقي) بل إنه لا يتورع عن إحالة الشبان الذين يرغبون في الالتحاق بالمقاومة، على محاكمه وإدانتهم بتهمة "الإرهاب" إرضاء لإدارة بوش وحلفائها. ولكن لا ينبغي أن يثنينا هذا القمع على القيام بواجبنا ليس خدمة للقضية الفلسطينية فحسب بل كذلك خدمة لأنفسنا ولشعبنا فأعداء الشعب الفلسطيني هم أعداؤنا، وفي قوة حركة التحرر الوطني الفلسطيني قوة لنا ولكافة الثوريين والتقدميين في العالم.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني