الصفحة الأساسية > البديل الوطني > الهاتف الجوال والجريمة البشعة بإمضاء 11 "عون أمن"
شهـــادة:
الهاتف الجوال والجريمة البشعة بإمضاء 11 "عون أمن"
كانون الأول (ديسمبر) 2004

سمعنا بوفاة الشاب "العربي بن منصف الهيشري" القاطن بجهة "حي التضامن" من ولاية أريانة على أيدي أعوان البوليس عشية يوم الخميس 4 نوفمبر، فتوجهنا إلى عين المكان حيث وجدنا عددا غفيرا من المواطنين مرابطين حول منزل الشاب الهالك… وسر تواجد هذا العدد الهائل من الناس (يفوق ألفين) هي الطريقة الفظيعة التي أودت بحياة ذلك الشاب وهو في مقتبل العمر (24 سنة). فهو تواجدُُ احتجاجي وساخط على "طول عصا" البوليس في هذه البلاد، البوليس الذي يضرب بلا رحمة ويقتحم البيوت دون إذن قانوني ودون اختصاص ترابي. فالفرقة التي داهمت منزل الشاب يوم الخميس 4 نوفمبر عند الإفطار بالضبط، متكونة من 11 عونا بالزي المدني، قدموا من مركز الشرطة بباردو دون إذن من وكيل "الجمهورية" في حين أن مقر الشاب يقع في منطقة تابعة لمركز الحرس "الوطني" بحي التضامن!

دلنا أحد ممّن سألناهم عن الحادثة الأليمة على أحد شهود العيان (10 مواطنين شهدوا ضد الجناة) فتتبعنا معه آثار الدماء الغزيرة التي سالت من الشاب على الطريق المعبدة وقد طلى معظمها أعوان حزب الدستور بالدهن الأبيض)، وهو محمول مثل "الفروج" مشدود بين وثاق ساقيه ووثاق يديه. لقد عنفوه بوحشية دفعته في لحظة يأس إلى محاولة الانتحار، لكنهم منعوه وعنفوه حتى الموت ثم رموا به عاريا في حديقة الحي بعد أن مزقوا ثيابه ثم فروا تحت ضغط الأهالي والجيران. هذا ما رواه لنا شاهد العيان بكل سخط ونقمة على الأعوان المجرمين مردّدا كلما وقفنا على بقعة دم "إنهم أشنع جرما من شارون". إن أكثر ما لفت انتباهنا هو النقمة السارية على وجوه الناس، تسمعها في أصواتهم وهمساتهم وصراخهم. إنها النقمة التي أدركها أعوان الحرس بالمنطقة وجعلتهم مرتبكين خوفا من ردة فعل جماعية من طرف الحشود الحاضرة والتي لم يجازف البوليس بتفريقها أو منعها من الالتحاق بمنزل الهالك. وقد عبّر أحد المسؤولين بمركز الحرس صراحة عن تخوّفه من أن تتحول الجنـازة إلى أعمال عنف جماعية ذاكرا أن بعض الشبان هددوا بحدوث ذلك. وكان أحد أعوان حزب الدستور يطمئنه بخصوص التحكم في الأمر وضمان جنازة هادئة. فلا شك أن هياكل الحزب الحاكم المتعود على التغطية على جرائم أعوانه، قد رتب الأمور في هذا الاتجاه. منذ وقوع الجريمة إلى يوم الدفن، حسب الطريقة المعتادة لديه. وفعلا، فقد انطلقت الجنازة تحت حراسة مشددة من طرف البوليس وسياراته التي حاصرت النعش والمقبرة من جميع الجهات بأكثر من 20 سيارة منها 14 حافلة مكتظة بفرق التدخل المجهزة بكل معدات "التدخل" من أسلحة وكلاب ودراجات النارية الضخمة التي ما فتئت تمشط المكان لمزيد إحكام الرقابة حول حركات وسكنات المواطنين. لقد وفرت السلطة كل امكانياتها القمعية لمنع أي "تجاوز" وخاصة العمل الجماهيري المنقاد بالنقمة عن الجهاز الأمني بناء على حادث مادي ملموس أثره تجاه الجماهير يتجاوز أثر أي عمل تحريضي أو دعائي. إن الجريمة المقترفة من طرف عدد من الأعوان لا يتناسب مع مهمة القبض على مواطن أعزل يشتبه أنه سرق هاتفا جوالا، يثير تلقائيا سخط هائلا لدى كل من يتلقى الخبر.

هذه عينة عن الجرائم الكثيرة التي اقترفها ويقترفها أعوان هذا النظام الفاسد في حق المواطنين وخاصة الشباب منهم بعد أن تسببت سياساته في الحكم عليه بالبطالة والتهميش والجوع. فالشاب "العربي الهيشري" أحد ضحايا سياسة 7 نوفمبر، عاطل عن العمل، متهم باقتراف بعض السرقات البسيطة مثل الهاتف الجوال الذي أفضى إلى الجريمة البشعة، عوض القبض عليه في إطار الإجراءات القانونية.

لا شك أن استفحال ظاهرة الإجرام عموما والسرقة بصفة خاصة أصبحت تقلق راحة المواطنين لأنها تهدد ممتلكاتهم وأعراضهم وحتى حياتهم للخطر. لكن مواجهة هذه الظاهرة لا يتم بالحلول الأمنية فقط و"الحزم في التعامل مع المجرمين" مثلما يعتقد البعض، بل بمعالجة أسبابهـا المباشرة وخاصة البطالة التي تعتبر نتاجا طبيعيا للسياسة الاقتصادية المتبعة من طرف فريق بن علي.

إن ما دفع البوليس إلى هذا العنف الهمجي لم يكن بوازع الردع بل كان مدفوعا بعقلية أنانية وانتقامية لأن الهاتف المسروق كان لـ"زميلة" (عون أمن) حسب ما يروج.

إنها جريمة نموذجية قياسا بطبيعة هذا النظام البوليسي. نموذجية على مستوى مدى الاستهتار بحقوق المواطنين وسلامتهم في إطار مثل هذا النظام الذي يبعث برسالة إلى المجتمع من خلال هذا السلوك الإجرامي مفادها أنه يده طويلة وأن لا رادع له.

إن من الواجب على مكونات المجتمع المدني ألا تترك هذه الجريمة تمر في صمت، وأن توحد جهودها من أجل متابعة حازمة لهذا الملف والتنديد بالمجرمين وكل من يقف وراءهم والمطالبة بمحاكمتهم جميعا حتى ينالوا ما يستحقونه من عقاب.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني