الصفحة الأساسية > بديل الشباب > دعاية رخيصة لسياسة الدكتاتورية
قوانين تشغيل الشباب:
دعاية رخيصة لسياسة الدكتاتورية
16 آذار (مارس) 2006

عرفت علاقات الشغل في تونس خلال الـ15 سنة الأخيرة تطورات خطيرة على الحقوق العمالية المكتسبة فقد كانت منظمة أساسا بعقود الشغل وعقود التدريب –في إطار مجلة الشغل- بكيفية تضمن قدرا كبيرا من الاستقرار في العمل بعد مرور فترة التربص. وكانت هذه الأخيرة قصيرة نسبيا (بين 3 أشهر و6 أشهر بالنسبة لعموم العملة المتربصين وتصل إلى سنة بالنسبة للإطارات) يتقاضى خلالها المتربص أجرا كاملا مثله مثل العامل المترسم بنفس الصنف المهني، حسب سلم الأجور مضبوط بقانون أساسي أو باتفاقية قطاعية مشتركة. وكان عقد التدريب يخص فئة عمرية معينة (دون 18 سنة) من الشباب ومحدد الأجل، غالبا ما يفضي إلى انتداب الشاب المتربص وترسيمه في مؤسسته. وكان يجري العمل بهذه القواعد في الانتداب والترسيم والأجر، دون أية تشجيعات مادية للمؤسسات الاقتصادية من طرف الدولة ودون تمييز بين الشبان والكهول.

أما اليوم، وبعد أن تخلت الدولة عن وظيفتها الاقتصادية بصفة كبيرة لفائدة الخواص (برنامج خوصصة القطاع العمومي) فقد تغير المشهد كثيرا بالنسبة لعلاقات الشغل وخاصة بالنسبة للشباب وكذلك بالنسبة للدور الذي أصبحت تلعبه الدولة في هذا المجال، وذلك على النحو التالي:
-  بروز ظاهرة عقود التربص وطول مدّتها وقطيعتها مع عقد الشغل وضعف صلتها بالانتداب الفعلي.
-  تقلص الترسيم إلى حدود أصبح فيها الترسيم لا يتجاوز حالات معدودة.
-  تشجيع حكومي للقطاع الخاص في مجال التشغيل مع احترام "مبدأ" "مرونة الشغل" لا يستفيد منه سوى الأعراف أي لا يؤدي إلى الاستقرار في العمل ولا إلى تقليص البطالة.

1 – عقود التربّص: مقدرات الدولة والإطارات الشابة في خدمة رأس المال:

انفصل عقد التربّص عن عقد الشغل بعد أن كان التربص بندا من بنود عقد الشغل. وأدى هذا الانفصال إلى تهميش عقد الشغل، من ناحية وبروز أنواع مختلفة لعقد التربّص، حسب المستوى التعليمي للمتربّص من ناحية أخرى.

بروز ظاهرة عقود التربص: الاستغلال المكثف "مضمون" مع ضياع المتربّص.

- عقد التربص ، إعداد للحياة المهنية1: يهم المتحصلين على شهادة المرحلة الثانية أو شهادة المرحلة الأولى من التعليم العالي.
- عقد التربص ، إعداد للحياة المهنية2: يهمّ من لهم مستوى التاسعة أساسي إلى المرحلة الأولى من التعليم العالي دون الحصول على شهادة.
- عقد تشغيل وتكوين: يهم من لهم مستوى الثالثة ثانوي مع ديبلوم أو شهادة ختم التكوين أو من لهم مستوى يتراوح بين الثالثة والسابعة ثانوي مهني أو تقني أو المتخرجين من مراكز التكوين المهني.

ويدوم التربّص مدة عام قابلة للتجديد مرة واحدة بالنسبة للصنفين الأول والثاني وثلاث مرات بالنسبة للصنف الثالث. ويتقاضى المتربص1 منحة تتراوح بين 100 دينار (فني سامي) إلى 250 دينار (حامل شهادة الدكتوراه), وتتراوح منحة المتربّص2 بين 60 دينار و80 دينار. أما المتربّص3 فيحصل على منحة تساوي ثلثي الأجر الأدنى المضمون. المنحتين بالنسبة للمتربّص1 والمتربّص2 تدفعها الدولة في حين يدفع المؤجّر منحة المتربّص3. علما وأن هذا المؤجر يحصل على منحة من الدولة بقيمة 300 دينار عن كل عقد تكوين/تشغيل مع 200 دينار إذا انتدب المتربّص بعد مرور 4 سنوات بالإضافة إلى الإعفاءات الجبائية لمدة 5 سنوات، والاجتماعية لمدة 7 سنوات مثلما هو الشأن بالنسبة لعقدي التربّص 1+2. وإذا انقطع عقد التربّص في الحالات الثلاث المذكورة أعلاه بسبب المتربّص تقطع عنه المنحة ويحرم من المشاركة في تربّص جديد. وإذا عرفنا الأشكال التي يستعملها الأعراف لدفع المتربّص إلى مغادرة المؤسسة (ضغوطات، استفزاز، استغلال فاحش...)، وقفنا على مدى هشاشة هذه العقود وضعف فائدتها بالنسبة للمتربّص الذي يجد نفسه أعزل في محيط سلبي إن لم نقل معادي له تماما: غياب التمثيل النقابي من ناحية ووجود عرف يحظى بدعم الدولة والقانون ومنظمة الأعراف من ناحية أخرى. وإذا ما نجح المتربّص في تجاوز العراقيل العديدة التي تقف دون إتمامه لمرحلة التربّص، فإن صاحب المؤسسة غير ملزم لا بترسيمه ولا حتى بانتدابه بواسطة عقد شغل، وهكذا تتاح له الفرصة لانتداب متربصين جدد ليلهف الامتيازات التي توفرها له الدولة. ويرمى بالمتربّصين الواحد تلو الآخر في سوق شغل كاسدة ليواجهوا الاستغلال والظلم. في حين يتحايل الرأسماليون على القانون ليغنموا أكبر قدر ممكن من الحوافز المالية والإعفاءات الجبائية.

2 – عقود التشغيل: فرصة أخرى للتلاعب والابتزاز بيد رأس المال

تُميّز القوانين المنظمة لعقود الشغل الخاصة بتشغيل الشباب المتحصل على شهائد عليا فـي سائر المواد وبين المتحصلين على شهائد العليا في المواد التي تعترض أصحابها صعوبات في "الاندماج المهني" (الفلسفة، العلوم الإنسانية، الآداب...). ويتمثل هذا التمييز في مدة العقد والحوافز المرصودة لتشجيع الأعراف على التعاقد مع كلا الصنفين. مدة العقد سنة قابلة للتجديد مرة واحدة بالنسبة للصنف الأول ومرتين بالنسبة للصنف الثاني. وبخصوص الحوافز، تدفع الدولة للعرف شهريا نصف الأجر بالنسبة للصنف الأول، وثلاثة أرباع الأجر خلال السنة الأولى من التربّص ثم النصف في السنة الثانية فالربع في الثالثة بالنسبة للصنف الثاني طيلة فترة التربّص. ويتمتع العرف، في الحالتين، بإعفاءات جبائية طيلة 5 سنوات وإعفاءات اجتماعية طيلة 7 سنوات.

وتثير هذه الإجراءات المتعلقة بعقود تشغيل الشباب، مقارنة بعقد الشغل كما جاء في سائر الاتفاقيات القطاعية المشتركة والقوانين الأساسية، الملاحظات التالية:
- ربط التعاقد مع الشباب بتشجيعات مالية لمدة محددة (عامين أو ثلاثة) دون اشتراط ترسيم العامل وهو ما يمكن العرف من طرده وتشغيل متربّص جديد مع ما يتبع ذلك من امتيازات. وبذلك تصبح الحوافز التي تمنحها الدولة للخواص لانتداب العاطلين من الشباب سببا مباشرا لحرمان هؤلاء من الشغل القار.
- عقد التشغيل الخاص بأصحاب الشهائد العليا لا يختلف في طبيعته عن عقود التربّص إلا في التسمية المظللة.
- من نتائج هذه القوانين الخاصة بتشغيل الشباب انحصار العمل بعقود الشغل كما جاءت بها مختلف الاتفاقيات القطاعية والقوانين الأساسية (المعمول بها خاصة في المؤسسات العمومية) خاصة في ظل سياسة الخوصصة وما أدت إليه ولا زالت تؤدي إلى طرد جماعي بالآلاف سنويا من المؤسسات العمومية وفي ظل برنامج إعادة هيكلة المؤسسات الخاصة التي بلغ عددها 2200 مؤسسة سنة 2005 منذ انطلاق البرنامج سنة 1996.
- تشكّل عقود الشغل المرتبطة بالحوافز المالية لمدة محددة توسيعا قانونيا لعقود الشغل لمدة محددة كما جاءت في مجلة الشغل. ونحن نعرف أن تنقيح هذه المجلة سنة 1994 أتاح الفرصة لرأس المال كي يبتز العمال لمدة أطول من ذي قبل حيث مكنه ذلك من أن يبقي العمال في وضعية وفتية أربع سنوات رغم علم جميع "الأطراف الاجتماعية" –بما في ذلك اتحاد الشغل طبعا- بأن الأعراف يتلاعبون بإجراءات الترسيم عن طريق عقود الشغل محددة المدة ويتلافون إبرام عقود الشغل لمدة غير محددة. والخطير في الأمر أن لا شيء في القوانين الخاصة بتشغيل الشباب يمنع الأعراف من تطبيق إجراءات العقود محددة المدة ذات الـ4 سنوات بعد انتهاء مدة العقد الأول (عامين أو ثلاثة) على نفس الشاب. وبذلك يمكن أن يبقى نفس الشاب مدة 6 أو 7 سنوات في وضعية وقتية وعرضة للابتزاز والاستغلال المكثف والطرد. وقد تصل هذه المدة إلى أكثر من 10 سنوات إذا ما عمد العرف إلى التلاعب بعقد الشغل لمدة محددة مرة واحدة فقط. وهكذا فقد انحصر مجال العمل بعقد الشغل لمدة غير محددة بصورة مفزعة وهو مهدد بأن يصبح صنفا غير معمول به بتاتا.

إن الصخب حول "سياسة تشغيل الشباب" ليس لها من معنى سوى الدعاية السياسية لـ"صانع التغيير" للإيهام بأنه "خيار المستقبل" وغيرها من الشعارات الزائفة الهادفة إلى ترسيخ فكرة القبول بالرئاسة مدى الحياة.

ملاحظة

في سنة 2005 تم تقديم ما يقارب 50 ألف مطلب شغل بولاية تونس مقابل 14732 عرض شغل (منها 32,4% تخص حاملي الشهادات العليا) و لم يتم تلبية سوى 11 ألف مطلب فقط منها 3500 لفائدة الإطارات.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني