الصفحة الأساسية > بديل المرأة > الرأسمالية تدمّر النساء... والدكتاتورية في تونس تسبيهنّ
بمناسبة 8 مارس اليوم العالمي للمرأة:
الرأسمالية تدمّر النساء... والدكتاتورية في تونس تسبيهنّ
16 آذار (مارس) 2006


1 – وضع النساء في العالم

تحتفل النساء وكل التقدميين في العالم هذه الأيام باليوم العالمي للمرأة الذي يصادف يوم 8 مارس من كل سنة. ومن المعلوم أن هذا اليوم يخلد نضال عاملات النسيج اللاتي خرجن إلى الشارع للنضال ضد آلة القهر الطبقي والجنسي في مدينة شيكاغو الأمريكية سنة 1857، مطالبات بيوم عمل من 8 ساعات وبالمساواة في الأجر والحقوق مع رفاقهن العمال. وقد شوهت البرجوازية هذا الاحتجاج الذي قدمت فيه العاملات صورا رائعة من الصمود والتضحية. وتخليدا لذلك أقر مؤتمر النساء الاشتراكيات المنعقد سنة 1910 بكوبنهاغ باقتراح من المناضلة الشيوعية الألمانية الذائعة الصيت، كلارا زتكين تحويل يوم 8 مارس إلى يوم عالمي للنساء يتطارحن فيه قضاياهن ويتدارسن فيه أوضاعهن وينظمن صفوفهن من أجل نيل حقوقهن والمضي قدما نحو تحقيق تحررهن التام من العبودية التي يعشن فيها. وقد تحوّل يوم 8 مارس إلى مناسبة كبرى للاحتجاج والنضال وتنظيم المعارك في مختلف أنحاء العالم يتصدرها الشيوعيون والتقدميون وكل أنصار الحرية والديمقراطية.

ولئن تمكنت النساء خلال مسيرتهن الطويلة منذ مطلع القرن الماضي من تحقيق العديد من المكاسب شملت الجوانب الاجتماعية والسياسية والحقوقية والثقافية على حد السواء، فإن ذلك لم يحررهن بعدُ من الاضطهاد الذي يعانين منه. وقد تردّت أوضاع النساء بشكل خاص خلال العقدين الأخيرين اللذين سيطرت فيهما الرأسمالية في شكلها النيولبرالي الوحشي سيطرة مطلقة على العالم، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وتوابعه من الأنظمة البيروقراطية، الذي استغلته البورجوازية العالمية لتشويه الاشتراكية والشيوعية وشن هجوم سافر على مكاسب الشغيلة بشكل عام ومكاسب النساء الكادحات بشكل خاص كما استغلته لتكثيف عدواناتها على الشعوب والأمم الصغيرة والضعيفة لإخضاعها ونهب ثرواتها وخيراتها. ملحقة أضرارا فادحة بنساء هذه الشعوب.

ويكفي في هذا المجال أن نقدم جملة من الأرقام الواردة في تقارير أممية حول أوضاع النساء في العالم. ومنها تقارير "برنامج الأمم المتحدة للتنمية" (2000) والمكتب الدولي للشغل (2000) وغيرها حتى ندرك أن الرأسمالية تمثل اليوم أكبر عدو للنساء الكادحات وأكبر عائق أمام تحررهن. إن ثلثي الـ867 مليون أميا راشدا هم من النساء وإن ثلي الأطفال غير المتمدرسين هم من الفتيات. كما يقوم النساء بثلي إجمالي العمل في العالم ولكنهن لا يتلقين سوى 10% من الدخل العالمي. وفي سنة 1999 لا يتحصل النساء العاملات إلا على 40 إلى 80% من الأجور التي يتلقاها الرجال لنفس العمل. ويمثل النساء أكبر ضحايا الحروب. فهن يمثلن حوالي 80% من بين 27 مليون لاجئا الذين وقع احتسابهم في العالم. وعلى صعيد آخر تتعرض 30% من النساء إلى العنف داخل الأسرة. كما تباع سنويا حوالي 4 ملايين امرأة وفتاة لتجّار العبيد أو تجار البغاء إلخ... ولا يمثل النساء سوى 14% من برلمانات العالم أجمع. وفي سنة 1995 قدّر "برنامج الأمم المتحدة للتنمية" عمل النساء المنزلي غير الخالص بـ11000 مليار دولار أي ما يعادل نصف الدخل العالمي الخام المقدر بـ23 ألف مليار دولار. أما على الصعيد الجهوي فإن نسبة بطالة النساء في الاتحاد الأوروبي مثلا تفوق 30% نسبة بطالة الرجال. ولا يتلقى منحة بطالة سوى 33% من النساء مقابل 50% من الرجال. وفي إفريقيا يقوم النساء بـ75% من الأعمال الفلاحية ولكنهن لا يتلقين سوى 10% من القروض المسندة للفلاحين الصغار و15% من إجمالي القروض الفلاحية. وفي جنوب شرقي آسيا هناك 70 مليون امرأة وطفلا خلال العشر سنوات الأخيرة ضحية لـ"التجارة الجنسية". وخلال الأزمة التي ضربت تايلاندا عام 1998 كان 80% من المليوني نسمة الذين فقدوا عملهم من النساء. وأخيرا فقد كانت أجور النساء في المكسيك تمثل 80% من أجور الرجال عام 1980 فنزلت إلى 57% على إثر الأزمة التي ضربت البلاد عام 1992.

إن كل هذه الأرقام تبين أن الرأسمالية تمثل جحيما للنساء، وهي تفنّد النظريات النسوية البورجوازية والبورجوازية الصغيرة التي تحاول أن تفصل بين اضطهاد النساء في عالمنا اليوم وبين النظام الرأسمالي. كما تحاول التنكر لارتباط نضالهن من أجل تحررهن بالنضال ضد ذلك النظام.

فإذا كان اضطهاد النساء سابقا للنظام الرأسمالي، فإن هذا الأخير استمر فيه ووظف مظاهر التمييز ضد النساء لاستغلالهن أبشع استغلال ومراكمة الأرباح على حسابهن. وإذا كان القضاء على الرأسمالية ليس كافيا لتحقيق تحرر النساء فإنه يبقى الشرط الضروري والأول لذلك التحرر.


2 – وضع النساء في الأقطار العربية

وإذا كان وضع النساء في العالم على ذلك النحو، فإن وضع النساء في الأقطار العربية أسوأ. إن نظرة على خريطة اضطهاد النساء في العالم تبرز بشكل واضح لا لبس فيه أن المنطقة العربية من أكثر مناطق العالم تخلفا تشريعا وواقعا. فقد ورد في "تقرير التنمية الإنسانية العربية" لسنة 2002 الذي أنجزه برنامج الأمم المتحدة للتنمية أن المنطقة العربية تأتي في المرتبة قبل الأخيرة بين مناطق العالم، حسب مقاييس "تمكين المرأة" ولن تقل عنها إلا إفريقيا جنوب الصحراء. ويأخذ هذا المقياس في الاعتبار كافة المؤشرات المتعلقة بمشاركة المرأة في الحياة المدنية والسياسية. ولا غرو أن "تتبوّأ" الأقطار العربية مثل هذه المرتبة والحال أن نسبة الأمية فيها تقدر بـ51% مقابل 13.1% لأمريكا اللاتينية والكاراييبي و1,8% لشرق أوروبا وجمهوريات الكومنولث الروسي، مثلا. كما أن نسبة النساء المشاركات في النشاط الاقتصادي والاجتماعي هي من اضعف النسب عالميا. وعلى صعيد آخر فإنه لا توجد دولة عربية واحدة تقرّ بالمساواة التامة بين الجنسين في تشريعها. ولا يزال تعدد الزوجات هو القاعدة التشريعية المعمول بها في كافة الأقطار العربية (عدا تونس)، وما يستتبع ذلك من وضع دوني داخل العائلة. ولا تتمتع النساء العربيات في العديد من الأقطار بحقوقهن السياسية حتى ولو شكليا. وهن محرومات من حقوقهن الفردية ناهيك أن سياقة السيارة ممنوع على المرأة في السعودية وحصولها على جواز سفر فردي يثير "إشكالا اجتماعيا". ويفرض على النساء في العديد من الأقطار ارتداء الحجاب بدعوى أنه "فريضة إسلامية". والواقع أن النساء العربيات يقعن بين كماشتي أنظمة رجعية متخلفة وفاسدة وتيارات أصولية يسعى معظمها إلى الحفاظ على وضع المرأة الدوني بعنوان "الحفاظ على الهوية". لذلك لا غرابة أن يصوت الظلاميون في "برلمان" الكويت ضد قانون يمكن النساء من الحق في التصويت لأول مرة في تاريخ البلاد، ولا غرابة أيضا أن يقود ظلاميو المغرب الأقصى مظاهرات تطالب بالمحافظة على قوانين الأسرة القديمة وعدم تمكين النساء من التنقيحات الجديدة التي تبيح لهن الحق في الطلاق و"تقيد" تعدد الزوجات. كما أن الأمر يعتبر "عادي" عندما يهدد ظلاميو مصر بالتصويت ضد أي قانون تحرري لصالح النساء.

وبشكل عام فإن الوضعية البائسة للنساء العربيات تتحمل مسؤوليتها الأنظمة الحاكمة التي لم تأخذ من العصر والحداثة إلا "الكليشيهات" فهي إلى اليوم تحافظ على تشريعات متخلفة ولا إنسانية أصلا وعلى واقع قروسطي يؤبّد النظرة الدونية للمرأة. كما تساهم الحركات السلفية في تأبيد هذا الوضع من خلال ما تمارسه من "ضغط" ماضوي و"كهنوتي" لسد الباب أمام إمكانية تحرر نصف المجتمع.


3 – وضع النساء في تونس

ما من شك في أن المرأة التونسية حققت بفضل نضالاتها ونضالات الرجال وتطور المجتمع بشكل عام مكاسب على مستوى التشريع أو الواقع وأهم هذه المكاسب هو منع تعدد الزوجات منذ صدور مجلة الأحوال الشخصية سنة 1956 وكذلك عقد الزواج المدني وضمان حق الطلاق. كما حققت المرأة التونسية مقارنة بالمرأة في البلدان العربية تقدما في فرض بعض حقوقها الاجتماعية من ذلك الحق في التمدرس والعمل، فضلا عن الوجود في مختلف فروع النشاط الاجتماعي والمدني. ورغم هذه المكاسب فإن المرأة التونسية لازالت تعاني من الاضطهاد. فالتشريع التونسي، رغم ديماغوجية السلطة، لا يقرّ بالمساواة التامة بين الجنسين. مما يجعل من هذه المكاسب أمرا قابلا للتراجع خاصة في إطار موازنات مع التيار الظلامي، فضلا عن ذلك فإن مجلة الأحوال الشخصية لا زالت ورغم مرور 50 عاما عن صدورها مطبوعة بطابع ذكوري أبوي واضح يتضح في التمييز بين الجنسين من جهة ومن جهة أخرى في اعتبار المرأة دونية في مكانتها ودورها وحقوقها. فالمجلة لازالت تقر بالولاية (ولاية الرجل على المرأة) ولازالت تقنن مؤسسة المهر بما يمثل مسا من كرامة المرأة، وكذلك التمييز في الإرث، وذلك بدواعي دينية، هي في اعتقادنا محافظة ورجعية ولا ترقى حتى للمقاربة المستنيرة للطاهر الحداد الذي دعا في ثلاثينات القرن الماضي إلى المساواة في الإرث.

أما في الواقع، ورغم الحقوق التي فرضتها المرأة بفضل كفاحها وتضحياتها، فإن مظاهر الإجحاف في حقها لازالت متواصلة، ولا تتساوى المرأة الكادحة مع الرجل في الأجرة ولا في ساعات العمل خاصة في القطاع الخاص. فنسبة الناشطات إلى الرجال هي 1 مقابل ثلاثة وتوجد امرأة واحدة على أربع نساء في سن الشغل تعمل. وبذلك تكون المرأة ضحية للاضطهاد المزدوج الذي يشكل التشغيل بالمناولة والعمل في القطاع الفلاحي أحد أبرز مظاهره، فالمرأة هي الضحية المفضلة لهذه القطاعات الاستغلالية حيث تعيش أوضاعا مهينة شبيهة بأعمال السخرة أو أعمال المانيفاكتورات في القرن التاسع عشر، حيث تتجاوز ساعات العمل 10 ساعات وتصل الأجرة إلى الحضيض (5 دنانير مقابل يوم عمل بأكثر من 10 ساعات في الفلاحة). وهذه الأنشطة تستقطب الالاف من اليد العاملة النسائية، وهي دليل هلى سفاهة الدعاوي الممجوجة للدكتاتورية التي تتحدث عن "معجزة تونسية" في مجال حقوق المرأة. أما المرأة الناشطة في القطاعات الاقتصادية التقليدية، فإن حقوقها غير مضمونة وغير مقننة وهو ما يؤكد تعرضها للطرد التعسفي وتمتعها بعطلة ما بعد الولادة قصيرة وعطلة ما قبل الولادة غير معترف بها. فضلا عن غياب المحاضن ودور الرضاعة في المؤسسات بما فيها الحكومية.

وفيما يتعلق بحق التمدرس فإن الأمية (31%) والانقطاع المبكر عن التعليم يظل أكثر عند العنصر النسائي. كما يعتبر حرمان الطالبات من الحق في السكن الجامعي طيلة سنوات الدراسة أحد أشكال الحرمان من الحقوق.

وتمتهن كرامة النساء في مباغي الدولة التي رغم تقنينها للأمر، فإنها تستنكف عن الحديث عنه ولا أحد يعرف عن هذا القطاع شيئا غير عناوين محلاته المنتشرة، ويستقطب الانحلال والتفسخ كنتيجة حتمية للسياسة الاقتصادية والاجتماعية الرأسمالية، آلافا من بنات الشعب اللاتي تقعن فريسة شبكات الدعارة والمخدرات والسرقة والتحيّل والتسول والشعوذة والإملاق...

كما لازالت المرأة بحكم طبيعة النظام الدكتاتوري المنتصب في بلادنا، محرومة، مثل أخيها الرجل، من حقوقها السياسية وخاصة إذا كانت معارضة أو تربطها علاقة قرابة بمعارض، كما أن الحق في بعث جمعيات ونوادي وأطر تطرح وتدافع عن قضايا المرأة مصادرة رغم ما حققته نساء تونس من أطر في منتصف الثمانينات (نوادي 8 مارس، نوادي الطاهر الحداد...).

إن أوضاع المرأة في بلادنا رغم بعض المكاسب المحققة هي في حاجة للطرح ورغم ذلك تحاول الدكتاتورية توظيف قضية المرأة لتجميل وجهها البشع. فهي تقدم نفسها إلى العالم على أنها نظام "عصري" و"تقدمي" وأنها تتصدى للتيارات السلفية "دفاعا عن مكاسب المرأة". وإذا كانت هذه التيارات تمثل في معظمها خطرا على مكاسب المرأة، فإن ذلك لا يعني أن الدكتاتورية مؤهلة للدفاع عن هذه المكاسب، بل العكس من ذلك فهي التي تخلق الأرضية المناسبة لتنامي تلك التيارات بتدميرها لحياة النساء المادية والمعنوية (بطالة، تهميش، انحراف..) وحرمانهن من حقوقهن السياسية التي تمكنهن من الدفاع عن مكاسبهن وتطويرها ومن المشاركة في الحركة الاجتماعية العامة. لذلك فإن من يريد أن يتصدى حقا للمشاريع السلفية الظلامية التي تهدد مكاسب المرأة عليه أن يعطي المثال أولا في النضال ضد الدكتاتورية الجاثمة على صدر الشعب بمن فيه النساء وأن لا يتخذ من تهديد تلك التيارات لمكاسب المرأة ذريعة لمهادنة هذه الدكتاتورية والتواطؤ معها فتلك أحسن خدمة تقدم إلى كل من يعادي تحرر النساء.

إن المرأة لا يمكن أن تكون حرة في مجتمع لا تتوفر فيه الحرية أصلا لكافة أفراده. كما أن من يريد حقا الدفاع عن حقوق المرأة فإنه مطالب بالنزول من برجه العاجي والتوجه إلى ملايين النساء من بنات الشعب في المصانع والمؤسسات والإدارات والمنازل والأحياء الشعبية للرفع من وعيهن ومقاسمتهن آلامهن وهمومهن وتنظيمهن وعدم تركهن فريسة للأفكار الظلامية التي تنشرها وسائل الإعلام وأن لا يبقى منكمشا على نفسه، معزولا عما يجري في المجتمع، عاجزا عن التأثير فيه، مردّدا "دكتاتورية بن علي ولا دكتاتورية الإخوانجية" متناسيا أن دكتاتورية بن علي ذاهبة إلى زوال وأنه إذا لم يتحمل مسؤوليته فكريا وعمليا إزاء جماهير الشعب فإنه سيسهم عمليا في فتح الباب أمام وصول التيارات الأصولية ولعل وصول أشدها عداء لحرية المرأة إلى السلطة. فلتتكتل جهود النساء وجهود الرجال معا ضد الدكتاتورية على أساس برنامج ديمقراطي واضح يقر المساواة التامة بين الجنسين ويضع ضمن أهدافه المباشرة تحويل المساواة بين الجنسين إلى مبدأ دستوري وإلغاء كافة مظاهر التمييز بين الجنسين داخل العائلة وداخل المجتمع، وتمكين النساء العاملات في القطاع الخاص من المساواة في الأجر مع العمال وتجريم التحرش الجنسي وإقرار عطلة ما قبل الولادة للنساء العاملات فضلا على عطلة ما بعد الولادة واحترام حق النساء في النشاط المدني والسياسي.

ملاحظة

الإشهار السياسي!

اختزلت الدكتاتورية النوفمبرية الاحتفال باليوم العالمي للمرأة في التسبيح بحمد بن علي "محرر المرأة" و"صانع التغيير"! وكأن المرأة قبله لم تكن شيئا فجاء هو لإخراجها من الظلمات إلى النور! ووقع جلب النساء من جميع جهات الجمهورية في حافلات خاصة وتجميعهن لرفع صور بن علي وترديد شعارات ممجوجة. ليقع عرض المهزلة في التلفزة بعد ذلك.

إن الطريقة التي أحيت بها الدكتاتورية ذكرى 8 مارس تؤكد أن المرأة لا تمثل بالنسبة لنظام بن علي سوى واجهة لتلميع الوجه البشع للسلطة، تماما مثلما تستعمل شركات الإشهار صورة المرأة لحجب عيوب السلع المعروضة للبيع.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني