الصفحة الأساسية > البديل الوطني > في دلالات إضراب الجوع وفي تقنيات التوظيف السياسي
في دلالات إضراب الجوع وفي تقنيات التوظيف السياسي
16 آذار (مارس) 2006

ننشر في هذا الركن رسائل وردت علينا من أصدقاء يعبرون فيها عن آرائهم ومواقفهم من بعض القضايا. وقد نشرناها كما هي حتى وإن كنا لا نتفق مع ما جاء في البعض منها، احتراما لأصحابها وإثراء للنقاش.

استهزأ أحد كتّاب الأنترنيت من المناضل الشيوعي الذي قال له أن إضراب 18 أكتوبر حركة رمزية تخلد احتفال الشيوعيين بذكر أكتوبر المجيدة. وكأن الشيوعيين لا يملكون الحق في الاحتفال بذكرى عزيزة عليهم أو كأنهم ضيوف في العرس لا أكثر...

ذكّرني هذا الكلام بما أغرب منه وقد شهدت صفحات الأنترنيت كثيرا منه وبخط أكثر من سلفي من القدماء والمحدثين بعضهم ربط بين الإضراب وبين شهر الصيام وبعضهم أفتى أن نهاية النظام ستكون على ايدي فرسان إضراب 27 رمضان وأن الله معهم وأن الأنبياء والمرسلين والملائكة صف واحد يقفون في نهج المختار عطية ينتظرون البلاغ رقم 1.

أما من هو أذكى فقد ترك الدين جانبا وفتح النار على اليسار الذي يريد أو يستثمر الإضراب حزبيا فلم يترك إلا مقعدين يتيمين لأتباع النهضة في اللجنة الوطنية للمساندة بينما يعتقد هذا السلفي أن القضايا المطروحة والشعارات المرفوعة من طرف المضربين تهم أساسا الإسلاميين الذين هم أصحاب قضية الحرية وحقوق الإنسان بينما الآخرون ملحقون بالقافلة كالخزرج بأصحاب البيت.

أما الأعلى في الهرمية السلفية فقد كشف المستور وشكر الذين دخلوا في الإضراب وفهموا أخيرا أنه بدون النهضة وأتباعها لا سبيل لأي نضال أن يكون جديا ما داموا هم حملة الحقيقة منذ 90 ونادوا بالعمل المشترك والجبهوي مع النهضة فتراخى الكثير وأبطأ البعض حتى سهل على السلطة الاستقواء وضرب الجميع فشكرا للذي استوعب وفهم والتحق وتوحد واللعنة على البقية. فالبقية صهيونية عميلة استئصالية.

كل هذا قرأناه. وتلذذنا بما وصل إليه بعض أبناء البلد الذي راودوا بن لادن والظواهري عن أنفسهم. وقلنا أنها أسماء لا معنى لها في هرمية حركة النهضة وعلى كل حال لم نسمع أن النهضة مشاركة رسميا في إضراب الجوع وأن من يرمزون لها إن صحّ الرمز لم ينطقوا بحرف واحد يخلق إشكالا سياسيا داخل مقر الإضراب أو في ساحة الحركة المساندة. لذلك تبقى تلك الأصوات شواذا ويمكن تفسيرها بوضعها الرمضاني وبوجودها خارج اللعبة وهي في الآخر لا تلزم إلا نفسها. وأغلقنا القوس..

إلا أن بيانا صدر في شكل رسالة عيد أمضاها زميم الجماعة ووجهها للرأي العام من منفاه اللندني الفاخر قلب المعطيات وأعاد طرح السؤال...

كيف يسمح الشيخ لنفسه أن يعلن نهاية العلمانية وبين قادة إضراب الجوع زعيم حزب سياسي علماني أكثر من الجميع... هل تخلى حمه الهمامي عن علمانيته وماركسيته ودخل تحت الجبة البيضاء لشيخ السلفيين؟! هل هذا هو الحد الأدنى المطلوب للتعامل مع الإسلاميين؟ هل هذا هو اصطفاف الحركة السياسية الجديد الذي يبشر به شيخ الإخوان؟ هل تهاوت نظرية الاشتراكية والفكر التقدمي وأصبح أحمد نجيب الشابي وحمه الهمامي وغيرهما من المضربين والمساندين وهم يعدون بالآلاف خدما في سرايا أمير المؤمنين.. هل بزغت علينا شمس الإسلام كما يراه زميم السلفيين ودخلنا حديقة الجنة عن طريق حامة قابس أفواجا قافزين قفزا على قبر نور الدين بن خذر... هل يمرّ خطاب متخلف وتبشيري وهستيري!؟ مثل هذا الخطاب ونحن نحاول أن نقنع أنفسنا بقابلية الغنوشي للتأهيل وقابلية الحركة السلفية للعمل المشترك في حين أن الرجل قرر أن يؤهلنا جميعا ويدخلنا جنة الخلد تحت عمامته ويافطته..

كثيرون تحدثوا عن إعادة تشكيل الخارطة بصوت غير مسموع.. وكثيرون يعدون العدة لعودة الشيخ آية الله وكثيرون يريدون لعب دور حرس الثورة في طهران.. وكثيرون بدأوا في تحضير قوائم الخونة والمارقين والشيوعيين.. وكثيرون أحضروا من الآن القماش الهندي الأسود بآلاف الأمتار لإكساء نساء الوطن السواد..وكثيرون يحلمون بتسويق صورة جديدة للسلفيين متناسين ما كانوا كتبوه لسنوات طويلة عن التناقض والعدو الأساسي ووجهي العملة الواحدة.

إن الاستبداد المسنود غربيا وجهين قائمين.. وجه يمارس علينا يوميا باسم الحداثة المغشوشة ووجه يمشرع نفسه ويقدم لنا على أنه الحل الوحيد للخروج من الوضع القائم. وإذا كنا نرفض استبداد السلطة ونناضل من أجل الديمقراطية الحقة منذ أجيال الستينات فالحياء يمنعنا من التحالف مع مستبد ضد شقيقه تحت رعاية الغرب الاستعماري الذي نعتبره عدونا الرئيسي وسبب تخلفنا والمسؤول عن الاستبداد القائم. ماذا يجمعنا بالإخوان سياسيا وفكريا وبرنامجيا وحضاريا.. لا شيء إطلاقا ما عدا وجودنا على أرض واحدة نريد لها التقدم ويريدون لها عهود الانحطاط. نريد لها الديمقراطية والحرية ويريدون لها حكم آيات الله والقضاء الشرعي... نريد لها العلم والتكنولوجيا والمعاصرة والتفتح على الحضارات المتقدمة ويريدون لها الانغلاق والتحجّر وسلطان الشيوخ وتعدد الزوجات وإقامة الحدود وحجاب المرأة وتطبيق فهم شيوخ لندن للشريعة.. على ماذا نلتقي مع دعاة الدولة الدينية وحكم الخلفاء الذين جربتهم الشعوب المسلمة منذ 14 قرن وقاست من وراء ذلك الويلات وبقيت حتى اليوم في مؤخرة الترتيب العالمي في كل الميادين بدون استثناء..

إن عقيدة الشعب التونسي مثل وطنيته مقدسة وليست ملكا خاصا لتنظيم سياسي يريد السلطة. فالدين ملك مشاع ونحن لم نكن يوما ضيوفا على البلد.. و"حركة النهضة" حركة سياسية مثل غيرها.. وواجب علينا مناهضة مشروعها فكريا وسياسيا على كل الأصعدة وفي نفس الوقت وبنفس الحجج التي نناهض بها سياسة الاستبداد الدنيوي التي يمارسها علينا نظام حزب الدستور باسم شرعيته التاريخية.. فالاستبداد واحد ولا مجال للفصل.. وقد فهم استراتيجيو البيت الأبيض ذلك وهم يبحثون عن آلية التوفيق بين الطرفين أو بين الشقيقين العدوين وقد بدأت الصورة تنكشف في مصر إبان الانتخابات الأخيرة حيث توافق الأخوة الأعداء لاقتسام الغنيمة وقطع الطريق أمام نهوض القوى الوطنية والتقدمية بمباركة ومراقبة دقيقة من سفارة الولايات المتحدة الأمريكية.. كل هذا وبعض الأصدقاء مازالوا يبحثون في خطابات الشيخ الغنوشي عن مفردة أو فاصلة تفيد إيمانه بحقوق الإنسان والديمقراطية والرجل يعدّ للبلاد ما استطاع حتى يعوّض شرطة الأمن السياسي بحرس الثورة وشرطة النهي عن المنكر..

إبراهيم عبد الصمد



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني