الصفحة الأساسية > البديل الوطني > «رموز الفساد مازالت فاعلة في وزارة العدل و المحاكم»
رئيس جمعية القضاة التونسيون «أحمد الرحموني»:
«رموز الفساد مازالت فاعلة في وزارة العدل و المحاكم»
18 آب (أغسطس) 2011

تبين من خلال محاكمة الفاسدين وأصحاب النفوذ في عهد النظام السابق أن «دار لقمان ماتزال على حالها» . فبغض النظر عن حالة السخط والخيبات المتكررة حول محاسبة المتورطين في قتل وتعذيب الأبرياء واختلاس أموال الشعب فإن حلقات الأحداث الأخيرة من مسلسل المحاكمات الساخنة باتت تؤكد وبشكل واضح تقاعس القضاء، الأمر الذي طرح أكثر من تساؤل محير حول نزاهة واستقلاليته حيث رأت فئة واسعة من الجمهور في أبعاده استهتارا بمشاعر التونسيين تمهيدا لتنفيذ سياسة الأرض المحروقة.

«صوت الشعب» كان لها لقاء مع رئيس جمعية القضاة التونسيون الأستاذ أحمد الرحموني حول التحديات والعراقيل التي يواجهها القضاء التونسي اليوم، مسلطة الضوء على القرارات النيابية الأخيرة بعد مغادرة العقربي وإطلاق سراح العديد من الوزراء المتهمين بقضايا الفساد. فكان الحوار التالي:

في البداية، هل يمكن القول أن القرار النيابي بتحجير السفر كان متأخرا نسبيا خصوصا بعد فرار السيدة العقربي وإطلاق سراح العديد من الوزراء السابقين والمتهمين بالفساد واستغلال النفوذ وقتل الشهداء؟

أعتبر أن هذه الوقائع ليست إلا مظاهر من الخلل الأصلي ويجب التسليم بأن ما يمر به القضاء ما هو إلا نتيجة منطقية لأنه بقي على حاله ولم يخضع طوال هذه الفترة الانتقالية لأي تطوير. لذلك يجب أن نقر أن المحاكمات وممارسة حق التتبع على مستوى النيابة العمومية لم تكن في مستوى تطلعات الشعب التونسي لأن العدالة الانتقالية لم تحوّر بعد وزارة العدل أو إدارة العدالة في البلاد. كما أن القضاء التقليدي هو المدعو لكشف الحقائق وإلى تتبع المجرمين والمتسببين في الانتهاكات السابقة وإلى جبر الأضرار والمحاسبة وهذه المقتضيات لا يمكن أن تتحقق إلا بنظرة أو مشروع يعمل على تأهيل القضاء للقيام بذلك.

ونحن أكدنا كجمعية قضاة تونسيين تسهيل فرار بعض رموز الفساد وطالبنا بتحقيق إداري بهذا الخصوص حيث لا يمكن أن نقبل تحقيقا مستقلا دون تعيين الشخص المسؤول عن التهريب. لكن يبقي التساؤل والحديث عن عملية تساهل في مستوى المسؤولين السياسيين في هذا الشأن لأن الوضع الحالي يقتضي من السلطة السياسية المؤقة التوجه إلى اتخاذ الاحتياطات اللازمة خوفا من استغلال الوضع الأمني المرتبك للفرار من وجه العدالة.

أليس أشد ما يخشاه المواطن التونسي اليوم أن يصبح ملف الفساد في الجهازين القضائي والأمني ورموز الفساد في طي النسيان؟

أعتقد أن كل تأخير لفتح ملف الفساد في المؤسسات السياسية ستكون نتائجه وخيمة على الانتقال الديمقراطي وما نلاحظه اليوم يبين أن الحكومة المؤقتة لم تتمكن من إصلاح المؤسسة القضائية في إرساء إجراءات التطهير واستبعاد كل من كان مسؤولا سواء كان ذلك على مستوى الأمن أو على مستوى القضاء.

وباعتقادي أن المطلوب هو أن يتم في إطار إصلاح شامل للمنظومة القضائية والأمنية من خلال الاعتماد على سياسة واضحة تستهدف استبعاد المتسببين في الانتهاكات السياسية السابقة ومن تورّط مع النظام الاستبدادي ويعتبر هذا من الضروريات المطلبية والأولية لكل عدالة انتقالية.

برأيك ما هي العراقيل التي تواجه القضاء اليوم؟

أعتبر أن أكثر عائق هو إدارة العدالة أو إدارة القضاء في شكلها الحالي وهي إدارة موروثة عن النظام السابق سوى على مستوى وزارة العدل أو على مستوى إدارة المحاكم أو النيابة العمومية وهذا العائق جعل إدارة العدالة التي تمت صياغتها على قياس نظام الوصاية القديم الذي مازال فاعلا وموجودا في وزارة العدل أو المجلس الأعلى للقضاء أو في المؤسسات القضائية والحركة القضائية الأخيرة تبقى على حالها. وبالتالي لا يمكن الحديث على استقلال القضاء في هذه الفترة الانتقالية من دون تفكيك إدارة القضاء الحالية على مستوى مؤسستها أو على مستوى رموزها لأن هذه الرموز مازالت فاعلة سواء في وزارة العدل أو في المحاكم نفسها.

كيف تفسر التحديات القضائية اليوم ؟ وهل من آليات يمكن تفعيلها لمواجهة العراقيل التي يواجها القضاء بعد مسلسل المحاكمات الأخيرة؟

أعتقد أن من الأولويات في هذه الفترة:

أولا: إجراء إصلاحات على إدارة القضاء بما في ذلك إجراءات التقييم والاعتماد على حلول انتقالية مناسبة لاستهداف إقرار الحلول النهائية في انتظار صياغة وتكريس المبادئ الدستورية للسلطة القضائية.

ثانيا: الاعتماد على حركة قضائية تقطع مع الماضي ويكون من أهدافها إحداث تغييرات داخل الجسم القضائي بهدف تجديد نفسه وإعادة الثقة إليه.

ثالثا: وبصفة انتقالية إرساء إدارة ذاتية للقضاء وذلك بالتخفيف من امتيازات السلطة التنفيذية على سبيل المثال ورفع يد السلطة التنفيذية على النيابة العمومية بهدف فتح الباب لتتبع ومحاسبة المتورطين كإنشاء مجلس أعلى انتقالي تحال له الاختصاصات الأصلية لوزارة العدل وبقصد إدارة شؤون القضاء والقضاة ويجب على كل هذا أن يستند إلى وحدة التمشي داخل المنظومة القضائية بمفهومها الواسع بمعنى أن يقع إشراك وتمثيل كل الأطراف المعنية بإصلاح المؤسسة القضائية كالمحامين ومساعدي القضاء على أن يتم ذلك في إطار وحدة القضاء العدلي والإداري والقضاة ودائرة المحاسبات.

حاوره محمد علي لطيفي



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني