الصفحة الأساسية > بديل الشباب > سنةٌ مرّتْ على أحداث منوبة... هذه هي أهمّ الدروس الواجب استخلاصها
سنةٌ مرّتْ على أحداث منوبة... هذه هي أهمّ الدروس الواجب استخلاصها
30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010

يوم غرة نوفمبر من هذا العام تكون قد مرت سنة واحدة على اعتقال نقابيي منوبة المعتصمين بالمبيت الجامعي البساتين إلى جانب زميلاتهم دفاعا عن حقهن في السكن. ويقضي 6 من نشطاء الاتحاد العام لطلبة تونس منذ ذلك التاريخ "عقوبة" سجنية قاسية تتراوح بين 6 أشهر وثلاث سنوات نافذة في قضية "حق عام" لتشويه عدالة قضيتهم وتضليل الرأي العام الداخلي والخارجي ولطمس الطابع السياسي للقضية والأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذه المهزلة الأكثر فضائحية منذ أحداث القيروان 1994 من حيث ثقل الأحكام وعدد المحالين في القضية (16 طالبا). ونستغل هذه المناسبة للتذكير بالخروقات القانونية والدستورية والأدبية التي صاحبت القضية منذ الفجر الأول لإيقاف الرفاق تؤكد مهزلية هذه المحاكمة وطابعها الكيدي والملفق وتستنسخ في واقع الأمر التقليد الذي شبت عليه الدكتاتورية في التعاطي مع مشاغل القطاع المستند أساسا إلى العنف المنظم لفرض حالة من الصمت وإخراس الأصوات المستقلة أي كانت طبيعتها بالإضافة إلى إمعانها في حرمان أوسع الجماهير الطلابية وأشدها خصاصة من ابسط مقومات الحياة الجامعية السليمة لا سيما السكن الجامعي الذي طالته الخصخصة ليصبح أحد أهم مكاسب الحركة الطلابية التي جاءت عليها خيارات النظام التونسي الذي لم يعد يجد من مخرج لأزمته سوى التفويت في القطاعات الحيوية ومراجعة دور الدولة الاجتماعي بما يخدم مصلحة الأقلية الحاكمة. إن الطلاب في تونس "مجبورون" على دفع ضريبة الفساد المستشري في صفوف النظام وسياساته اللاوطنية واللاشعبية مما يجعل هذه الفئة المتضررة في طليعة المقاومة ضد الاستبداد الساعي لحشر الحركة الطلابية في الزاوية عبر استهداف هيئة أركانها، الاتحاد العام لطلبة تونس وملاحقة نشطائه بالطرد والسجن والتضييق على حرية العمل النقابي والسياسي وضرب مقوماته المادية والمعنوية.

وإن كانت قضية منوبة المثال الأكثر تأكيدا على عنجهية السلطة وغطرستها وشدة عدائها للنقابيين والطلاب عموما فإن عديد القضايا الملفقة في حقهم تؤكد دون أي مجال للشك أن ما حدث بالمركب الجامعي منوبة ليس بمحض الصدفة أو تجاوزا من طرف "مسؤول" في الجهاز "الأمني" بل على العكس من ذلك فإن ما حدث دليل على سياسة تنتهجها الدكتاتورية للإجهاز وتصفية بذرة النضال في الجامعة عبر افتكاك أداة الحركة الطلابية، أو دون مبالغة، إرهاب المناضلين لثنيهم عن المطالبة بحقوقهم وأداء مهامهم عبر العصا والسجن والطرد من مقاعد الدراسة. وقد امتدت هذه الحملة إلى القيروان وبنزرت وقفصة وصفاقس وسوسة والمهدية ولم تستثن أيا من مكونات الحركة الطلابية المناضلة وطالت في تصعيد غير مسبوق الأمين العام للاتحاد السيد عز الدين زعتور الذي لفقت له قضية حق عام علما وأنه تم إيقافه عن العمل على خلفية تمسكه بإنجاز المؤتمر التوحيدي وباستقلالية القرار الطلابي بالإضافة إلى إثارة قضية متعلقة بالمقر المركزي للمنظمة قصد إغلاقه.

إن السلطة التي ما انفك عجزها عن تلبية متطلبات الحياة الجامعية السليمة والمطابقة للمعايير والمواصفات المتفق عليها دوليا يتفاقم لا تستحي و لا تتورع عن تزييف الحقائق وقلب المعطيات وتضخيمها أحيانا لتصريف "معجزتها" عبر خطابها الخشبي القائم على الكذب واحتقار عقول الطلاب والاستهانة بممثليهم النقابيين ولا تتردد في انتهاج العنف المنظم ضدهم كل حسب درجة رفضه للتستر على جرائمها وكشف حقيقة مصالحها اللاشعبية. ولقد كشفت عديد المواقع الإلكترونية زيف وبطلان الدعاية الرسمية حيث حصلت الجامعة التونسية (جامعة سوسة) حسب تصنيف شانغهاي 2010 على المرتبة 6719 من جملة عشرة آلاف جامعة حول العالم الشيء الذي يظهر كارثية الوضع الجامعي وتردي جودته، خاصة مع تفرد الوزارة بسلطة القرار دون إشراك الجامعيين في بلورة الخطط والبرامج التي تهم مستقبل الجامعة ومساهمتها في تقدم البلاد عموما على غرار نظام "إمد" الذي باتت مؤشرات فشله ظاهرة للعيان ويتحمل الطلاب دون أي مبرر تابعات تبقرط الجهاز الإداري وحيثما استنهضوا أنفسهم للدفاع عن حقوقهم كان البوليس لهم بالمرصاد وبعد أن توصد جميع أبواب وزارة التعليم العالي في وجوههم كما حدث في اعتصام مبيت الغزالي وسهلول بسوسة مؤخرا حيث جندت أعداد من البوليس السياسي وأعوان المناولة لتعنيف المناضلين. وكانت منظمات وأحزاب محلية (الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب...) ودولية قد أصدرت في الفترة الأخيرة بيانات وتقارير تطالب فيها السلطة بالكف عن "إسكات الأصوات النقابية" نذكر منها هيومن رايتش ووتش التي أصدرت تقريرا بتاريخ 21 أكتوبر 2010 تدين فيه الحملة التي تقودها السلطة ضد "مناوئيها" من القطاع الطلابي بالإضافة إلى الحجب اليومي لكل موقع افتراضي من شأنه الكشف عن هذه الانتهاكات وتنظيم حملات المساندة والتضامن من أجل إطلاق سراح سجناء الحركة الطلابية.

إن استهداف مناضلي الاتحاد هو في حقيقة الأمر دليل ملموس على غطرسة السلطة وخوفها الدائم من نهوض الحركة الطلابية. وهو أيضا دليل ملموس على أن الاتحاد مازال يشكل رغم الضربات المتتالية شوكة في حلق النظام، خاصة إذا ما استنهض الجماهير الطلابية حتى تسهم الحركة الطلابية في الدفاع عن قضايا الحريات والديمقراطية وتكون سندا للحركات الاجتماعية الناهضة.

إن لإيقاف الرفاق الطلبة معان لا يمكن لنا إلا أن نستخلص منها الدروس والعبر حيث لا ييسعنا أن لا نلاحظ، إذا كانت نظرتنا لمجريات الأمور متفائلة وتعول على الناشئ لا البائد ولا السائد، أن التحام الطليعة الطلابية بالحركة الجماهيرية وحرصها على تعبئة الطلاب حول مصالحهم والتقدم بخطى ثابتة نحو تحويل النقمة الكامنة داخلهم إلى حرجة طلابية جماهيرية ناهضة ومنظمة وقادرة على الصمود في وجه ضربات القمع والاستئصال هو السبيل الوحيد لفك العزلة عن اتحاد الطلبة وإجبار السلطة على رفعها يدها عنه.

إن من أهم دروس "حركة منوبة" هو الإيمان الراسخ بأن لا قدر مشرق للاتحاد دون تفهم واستيعاب الواقع الموضوعي وقدرة القيادة الطلابية على السير بالطلبة نحو انعتاقهم من أجل حياة جامعية كريمة ومن رأى غير ذلك فقد سلط "سيف ديمقرليدس" على رقاب كل عائلة تونسية تتطلع إلى تحسين معيشتها ولا تتردد في دفع الغالي والنفيس لتعليم أبنائها.

إن أحداث المركب الجامعي تعلمنا أن نثق في الطلاب الذين وإن بدت عليهم معالم الاستكانة والخضوع مستعدون إذا توفرت القيادة النقابية المناضلة والنزيهة والمستعدة للتضحيات الجسام، ولخوض كل أشكال النضال من العريضة إلى التظاهر والإضراب دفاعا عن مصالحهم المادية والمعنوية كما فعلت الأجيال السابقة للحركة الطلابية التي ذاقت الأمرين على يد بورقيبة وبن علي بالخصوص الذي أثبت النضال من اجل أبسط الحقوق هشاشة بنيانه كأنه الجدار كما يقو لينين "ما أن تدفعه حتى يسقط"، ويظهر على حقيقته كما بينت ذلك الاحتجاجات في الحوض المنجمي التي كشفت عورة النظام ونزعت عنه مساحيق "المعجزة الاقتصادية" التي يروج لها أسياده من مجموعات النهب والسمسرة العالمية المنظمة. وبالتالي فإن الاحتكام إلى القواعد الطلابية يمثل أحد أهم المداخل الأساسية لتصحيح وضع الاتحاد واستنهاض الحركة عموما.

لكن هذه الركيزة على أهميتها تبقى عاجزة عن التصدي لبرامج النظام في الحقل الطلابي لأن ذلك يتطلب بطبيعة الحال حالة من الوحدة بين مكونات الحركة الطلابية المناضلة ودون ذلك ستظل الحركة غير قادرة على قيادة نضالات الطلبة، ولن تستطيع كذلك وقف نزيف المكاسب التاريخية التي يأتي عليها نظام الحكم دون رقيب. وفي الواقع يتطلب هذا الأمر أشد أنواع المرونة في التعامل مع المهام التي تطرحها الجامعة، مرونة لعل أبرز سماتها التوحد على حدود دنيا نقابية وسياسية تحافظ على خط النضال الطلابي وتراعي مصالح هذه الفئة وتحفظ لكل طرف خصوصيته السياسية والإيديولوجية. أما إذا قفزت المصالح الحزبية والسياسة في واجهة الأولويات فلن يكون من السهل تثبيت هوية المنظمة النقابية بصفتها الناطق ارسمي والوحيد باسم الطلاب الذين يهمهم قبل كل شيء جملة مصالحهم المادية والمعنوية المباشرة. لقد ساهم التوظيف الحزبي الفظ وخاصة من طرف السلطة في طغيان المهاترات السياسية الفوقية غير الناضجة وغير المسؤولة وفي خضم ذلك كانت مخططات السلطة تنفذ بطريقة القطرة قطرة. إن التحلي بروح المسؤولية العالية التي تفترض أن يكون "الاتحاد أولا" شرطا حيويا للمضي في مشروع توحيد المنظمة الطلابية على قاعدة ثوابت الحركة وشعاراتها المركزية. ولعل أبرز المهام العملية التي يمكن من خلالها تجاوز عنق الزجاجة هو تنصيب الوضع الهيكلي للمنظمة التي يهددها خطر التفكك بالنظر على حالة الفراغ الذي تعيشه هياكلها. إن استرجاع الأداة المركزية للطلاب تتطلب وضع خطة وطنية لهيكلة الاتحاد العام لطلبة تونس ليكون قادرا على الاضطلاع بدوره في الجامعة والبلاد عموما.

- عاشت نضالات الطلبة
- عاش الاتحاد العام لطلبة تونس مناضلا، مستقلا، وديمقراطيا
- جامعة شعبية تعليم ديمقراطي ثقافة وطنية



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني