الصفحة الأساسية > البديل الوطني > لا للاصطفاف وراء سلطة رجعية وقمعية، نعم للتحرّك المستقل وفرض حق التظاهر
وجهة نظر:
لا للاصطفاف وراء سلطة رجعية وقمعية، نعم للتحرّك المستقل وفرض حق التظاهر
6 كانون الثاني (يناير) 2009

ما تزال مشاركة عدة أحزاب من المعارضة وكذلك عدد من الجمعيات المستقلة في "المسيرة الوطنية" التي دعت لها السلطة يوم غرة جانفي 2009 "احتجاجا على العدوان على غزة وتضامنا مع الشعب الفلسطيني" تثير النقاش في الأوساط الديمقراطية، خصوصا بعد أن بان توظيف السلطة إعلاميا وسياسيا، لهذه المسيرة وتجاهلها التام، صورة وكلمة، لمشاركة تلك الأحزاب والجمعيات، واعتداء البوليس السياسي على العديد من المشاركين فيها بل وتأطيره لهذه المسيرة من انطلاقها إلى نهايتها في شارع معزول، وهو ما جعل منها مسيرة صورية.

لقد تساءل العديد من المناضلات والمناضلين كيف يمكن لأحزاب تعلن انتمائها لـ"اليسار التقدمي" وترفع صوتها عاليا ضد الامبريالية والصهيونية أن تصطف وراء التجمّع الدستوري (الحزب الحاكم) ووراء الحكومة اللذين تعلنهما هذه الأطراف "عميلين للامبريالية" و"ضالعين في التطبيع مع الكيان الصهيوني"؟ ثم كيف يمكن قبول الاصطفاف وراء سلطة هي واحدة من ثلاث أو أربع سلطات في الوطن العربي ما انفكت تتصدى بوحشية لشعوبها لمنعها من التعبير عن تضامنها مع أهالي غزة، من جهة لإبقائها مقصاة من الشأن العام سواء تعلّق الأمر بقضية داخلية أو خارجية، ومن جهة ثانية إرضاء للإمبريالية الأمريكية وحلفاءها الغربيين. لقد حاولت هذه الأطراف تبرير مشاركتها (علما وأن بعضها لم يُستدع أصلا وشارك تحت مظلة حزب قانوني) –ونحن نقول اصطفافها وراء السلطة لأن ذل هو ما حصل- لأن الأمر يتعلق بقضية وطنية تعلو فوق كل القضايا وكل الخلافات الداخلية، ولكن هل أن الطرف المقابل، أي السلطة تصرّفت وفقا لهذا المنطق! هل اعتبرت التضامن مع غزة الشهيدة قضية "فوق كل الرهانات الداخلية"؟ بالطبع لا! فالسلطة ضربت منذ اللحظة الأولى لانطلاق العدوان حصارا على الأحزاب والجمعيات والنقابات وعلى المواطنات والمواطنين كي لا يقوموا بأي تحرّك، وقد اعتدت على العديد من المناضلات والمناضلين في أكثر من جهة وهو ما أدى إلى نقل بعضهم إلى المستشفيات والمصحات.

وإلى ذلك وحتى بالنسبة إلى "المسيرة الوطنية" ذاتها، فالأحزاب والجمعيات المعنية تعترف أن البوليس السياسي حاصرها حين حاولت الانطلاق من مقراتها، كما أن السلطة لم تكترث بمشاركتها إذ أعطت الإذن لوسائل الإعلام بأن تتجاهلها ولا تتحدث إلا عن أحزاب الديكور وجمعياته. وعندما حاول بعض أتباع الاتحاد العام التونسي للشغل إتمام المسار المخصص للمسيرة، بعد أن أنهاه أعضاء الحكومة وقيادات التجمّع انهال عليهم البوليس ضربا. ولم يتوقف القمع عند هذا الحدّ فقد واصلت السلطة قمع التحركات في مختلف الجهات معتبرة أن ما هو فوق كل اعتبار ليس غزة وإنما هو أمن بن علي ونظامه.

إن ما ينساه أو يتناساه الذين شاركوا في "المسيرة" خلف أعضاء الحكومة والحزب الحاكم هو أن السلطة لم تنظم هذه المسيرة حبا في غزة أو فلسطين أو استجابة لنداءات الشعب التونسي، بل للتظاهر بالتضامن مع الشعب الفلسطيني ولاستغلال هذه المسيرة ذريعة لقمع المسيرات والمظاهرات الخارجة عن مراقبتها، فهي تقول "لا تحرّك خارج مراقبتي" ولا نعتقد أن هذه النزعة الاستبدادية والتسلطية غائبة عن كل الذين ساروا في "المسيرة". إن المشكل سياسيٌّ في رأينا. وهو مشكل له بعدان، أما الأول فيتمثل في محاولة بعض القوى المشاركة تجنّب "ليّ العصى" في يد السلطة والتصرّف باستقلالية عنها وتحمّل مسوؤلية ذلك. وأما الثاني فهو أن هذه القوى تعتقد أن بسلوكها هذا تظهر "حسن النية" تجاه السلطة والاستعداد للتعامل معها ولكن السلطة مع الأسف، لطبيعتها الاستبدادية والفاشية تعاملت معها باحتقار وعملت على توظيف مشاركتها ليس إلاّ.

لذلك نحن نعتقد أنه ما كان لأحزاب وجمعيات وهيئات مهنية ترفع راية الاستقلالية وحتى "اليسارية" و"التقدمية" أن تشارك في مسيرة صورية ذات أهداف سياسية واضحة (التكلم باسم المجتمع ومنع مكوناته من التعبير عن نفسها باستقلالية) وتدعي أن مشاركتها هذه كانت "متميزة". لقد جاء الدرس هذه المرّة لهذه الأحزاب والجمعيات المهنية والحقوقية، من المحامين الذين رفضت هيئتهم المشاركة في المسيرة، كما جاء الدرس من "الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات" التي أجابت دعوة السلطة للمشاركة بموقف مبدئيّ واضح: "نحن لا نقبل أن تقمعنا السلطة من جهة وتدعونا للمشاركة تحت مظلتها من جهة أخرى، وإذا أردنا القيام بتحرّك فسنقوم به بصورة مستقلة". وجاء الدرس ثالثا من القواعد النقابية والحقوقية والحزبية في الجهات التي خرجت بصورة مستقلة ولفضت من صفوفها أعوان السلطة الذين أرادوا احتواء مسيراتهم وبينوا أن فرض التظاهر ممكن.

أمّا حزب العمال فقد كان موقفه واضحا منذ مسيرة 2006: "لا اصطفاف وراء سلطة تقمع كل عمل مستقل، وراء سلطة عميلة ومطبّعة مع الكيان الصهيوني، وراء سلطة عاجزة عن رفع إصبعها الصغير في وجه الإدارة الأمريكية". وبالطبع لم يكتف حزب العمال بهذا الموقف بل كان حاضرا في كل الجهات وطرفا في كل المبادرات المستقلة للاحتجاج على العدوان الصهيوني الغاشم والتضامن مع غزة الشهيدة، وهو مقرّ العزم على مواصلة هذا العمل وتوسيعه لفرض حق التظاهر ورفع مستوى الدعم لغزة.

سالم اليعقوبي


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني