الصفحة الأساسية > البديل الثقافي > "يحيى... يعيش" بين المراقبة والمعاقبة
"يحيى... يعيش" بين المراقبة والمعاقبة
13 حزيران (يونيو) 2010

منذ إنجاز "خمسون" وجمهور المسرح ينتظر إنجاز فاميليا الجديد فكان "يحي... يعيش" العمل المسرحي الجديد للفاضل الجعايبي وجليلة بكـّار...

وهو عمل وُلد كعادة أعمال هذا الثنائي داخل منعرجات المسرح السياسي المحاطة بالمراقبة والمخاطر، فبعد أخذ وردّ، وعرض أوّل أمام لجنة التوجيه والمراقبة، استوجب عرض آخر أمام وزير الثقافة، ونقاشات حادّة حول حذف هذه الكلمة أو تلك الجملة... وهو وضع مرهق للمبدع الذي يتحرّك دون ضمان سوى إيمانه بجملة المبادئ والقيم والخيارات الجمالية التي تربّى عليها وأسس لها. وأخيرا حُذف ما حذف وغُيّر ما غُيّر... وخرج المنجز المسرحي للعموم.

العمل:

وفق المنطق البريتشي التقليدي عمل المخرج على إدخال المتلقي في اللعبة وفي العمل من اللحظة الأولى، حيث أن الإضاءة/نهار، والممثلون يدخلون من الخلف بين الحاضرين، يتفحصونهم بريبة ويقلبون الوجوه ويفتشون الملامح. وكأن الممثلين هم الجمهور والجمهور هم الممثلون في لعبة تبادل الأدوار... إلى أن يصعد جميع الممثلين على الركح لينسحبوا رويدا رويدا، ولا شيء تغيّر، لا الضوء ولا الفضاء الركحي المؤثث بالفراغ ليعودوا جميعا من زوايا مختلفة ومخارج متقابلة على الركح يحملون كراسي بيضاء بلاستيكية، وتصفف في مقدمة على خط مستقيم ليجلسوا عليها، دون أن ينبسوا ببنت شفة سوى حركات الإيحاء بالكسل والركود والخمول، وكأننا أمام أصحاب الكهف في سباتهم العميق. وفجأة تدخل الموسيقى مفجعة ومخيفة، كأنما زلزال هزّ القاعة أو انفجار مدوّي. ثم تتراجع الأضواء ويخرج الجميع ليعودوا في جوّ احتفالي بعيد ميلاد السيد "يحيى يعيش" على وقع أغنية "عيد ميلاد سعيد...". الساعة تشير إلى الثامنة مساء إلا دقيقتين في زمن الأحداث قبل نشرة الأخبار الرسمية على قناة تونس7 (سبحان الذي لا ينام)، فقد نام السيد في مكانه على المقعد البلاستيكي الأبيض، ليرى في ما يرى النائم كابوسا سيعيشه "يحيى يعيش" في ذهنه، ويعيشه الجمهور طيلة الساعتين. وهو قرار عزله من منصبه وهو الذي ظن دهرا أنه ثابت في مكانه وفي كرسيه.

في الشكل:

لم يفاجئنا المخرج كما توقـّعنا، ولم يكن العمل في مستوى انتظاراتنا، حيث جاء البناء دائريا، مغلقا، فكما انطلقت الأحداث بأغنية عيد الميلاد تنتهي بأغنية عيد الميلاد، كما أن الصور المسرحية بأجساد الممثلين وبالضوء والحركة لم تكن على درجة من الإحداث والتجديد والإبهار، حتى أن الرقصات التي تم تصميمها تبدو بلا هويّة. أمّا زمن الأحداث فغائم زئبقي لا يمكن حصره أو تنزيله في حقبة معينة. فالمتلقي يبقى يراوح في الزّمن بين عقود زمنية كثيرة، عقد الثمانينات أو قبلها أو بعدها... إشارة واحدة عابرة في المطار عندما رأينا كمامات ضدّ العدوى بأنفلونزا الخنازير على وجوه بعض المسافرين. أمّا الملابس فيمكن سحبها على كل الأزمنة...

ومن حيث اللعب المسرحي، فقد كان الممثلون بلا شحنة ولا طاقة التي من شأنها أن تخرق الحاجز بين المتلقي والحدث، وتخلق ذلك التواصل المنشود، من الطرفين، الباث والمتقبل.. فالمخرج يكاد يكون غائبا عن الممثل في مستوى التوجيه والشحن العاطفي والنفسي..

في الأصل:

لم يرتق النص على ما يحتويه من قضايا ومساءلات سياسية وحقوقية إلى مستوى الإرباك المسرحي، فراوح بين العامية والفصحى و"الفرنساوية" دون أن يفوز لا بهذه ولا بتلك. كما أن الشخصية المحورية، والتي بنيت حولها كل الشخوص، وهي شخصية "يحيى... يعيش" لم يقع تفكيكها واستخراج بواطنها، ولنقل تعريتها، فتحوّل في عديد المشاهد من مدان وَجَبت محاكمته إلى ضحية يجد المتلقي نفسه متورطا للتعاطف معه والدفاع عنه، وهو المسؤول الذي جار وظلم وأفسد، سياسيا واقتصاديا وعلى جميع الأصعدة. فـ"يحي... يعيش"، التقيّ الورع، صنيعة الحزب الحاكم ، يدافع عن خياراته بشراسة ويُحمّل حالة الفوضى التي تعمّ البلاد ليس للنظام والجهاز ككل وإنما لسوء تصرّف الأشخاص المتنفذين. وهي في الحقيقة معالجة من الداخل وليست تشخيصا سليما لواقع ترهّل فيه النظام ككل، حيث أصبح القمع والظلم لازمة له ومقوّم من مقوّمات وجوده، وأسلوب حكم. وما الادعاء بالتجاوزات الفردية واستغلال السلطة من بعض المتنفذين إلا ذرّ الرّماد في العيون.

في الخاتمة:

"يحيى... يعيش" فيما أرى نحتتها في بنيتها الأخيرة يد الرّقابة الذاتية وغير الذاتية... خاصة وأن المساءلة لمرتكبي الجرائم مثل الفساد الإداري والمالي والسياسي تستوجب وضوحا في توجيه الأسئلة وأكثر تدقيقا في تحديد المسؤولية ووضع الأصبع على الجرح كما يقول العرب.

س. ط.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني