الصفحة الأساسية > البديل النقابي > التأمين على المرض... التقاعد: خطوة إلى الوراء... خطوتان إلى الوراء
اللقاء النقابي الديمقراطي المناضل:
التأمين على المرض... التقاعد: خطوة إلى الوراء... خطوتان إلى الوراء
28 أيلول (سبتمبر) 2010

شرعت الحكومة التونسية منذ أواسط الثمانينات في تطبيق توصيات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي الداعية إلى ضرورة اعتماد ما سمّي ببرنامج الإصلاح الهيكلي بهدف إنقاذ الاقتصاد من وضعيّة التردّي التي آل إليها. وقد ارتكز هذا البرنامج في جانبه الاقتصادي على الخصخصة والتفويت في القطاع العامّ، وعلى توجيه الاقتصاد للتصدير وتحرير الأسعار ورفع الدعم على الاستهلاك في إطار تحسين الموازنات المالية العامة للدولة على المستوى الاقتصادي الكلي (au niveau macroéconomique). أمّا في الجانب الاجتماعي فإنّ أهمّ ما ميّزه هو تراجع الدولة تدريجيّا عن دورها في تقديم الخدمات الاجتماعية وضمان تمويلها.

وقد كان لاعتماد هذا البرنامج نتائج سلبيّة جدّا على الأوضاع المادية والمهنيّة والاجتماعية للعمّال وعموم الشغّالين وجماهير الشعب، إذ شهدت تكاليف الحياة ارتفاعا باهظا فتدهورت مقدرتهم الشرائيّة وفقد الآلاف مواطن شغلهم، نتيجة حملات الطرد والتسريح الناجمة عن عمليات خوصصة مؤسسات الإنتاج العمومية وتعميم أشكال التشغيل الهشة والسمسرة باليد العاملة وما يعنيه ذلك من فقدان لمواقع الشغل القارّة والحرمان من التغطية الاجتماعية ومن الحقّ في ممارسة النشاط النقابي. ومن ناحية أخرى فإنّ سلعنة الخدمات العمومية والاجتماعية والالتفاف على بعض المكاسب التي حقّقها العمّال بدت واضحة في ما سمّي بـ"الإصلاحات" التي مسّت خاصّة التعليم والصحّة. ومن الهامّ الإشارة إلى أن نتائج هذه السياسة مثّلت، إلى جانب أسباب أخرى (وخاصة توظيف أموال الضمان الاجتماعي لأنشطة ولقطاعات لا علاقة لها بالضمان الاجتماعي)، عاملا أساسيا في تراجع موارد الصناديق الاجتماعية وتدهور أوضاعها المالية إذ وظفت أموال الصناديق في مجالات لا علاقة لها بدورها كالقروض وتحمّل أعباء برامج إسناد اجتماعية هي في الأصل من مشمولات الدولة كمساعدة العائلات المعوزة وصندوق النفقة وتمويل الصناديق للمؤسسات الصحية العمومية والـتأمين على المرض وغيرها من المجلات المترتبة عن التخلي التدريجي للدولة عن دورها الاجتماعي. يضاف إلى ذلك أعباء الدعم المالي (les subventions ) لهياكل ومجالات من مشمولات خزينة الدولة فضلا عن إعفاء بعض أصحاب رأس المال من دفع مساهماتهم في الصناديق بعنوان التشجيع على الاستثمار والحفاظ على مواطن الشغل... ولقد شكل الخلط بين مفهومي الضمان الاجتماعي والتضامن الاجتماعي سببا من أسباب التدهور الملحوظ للأوضاع المالية للصناديق.

ضمن هذا الإطار العامّ نرى، كلقاء نقابي ديمقراطي مناضل، ضرورة تناول ملفّ مراجعة أنظمة التقاعد الجاري إعداده حاليّا حتّى نفهم الأسباب العميقة الكامنة وراء مراجعته وحتّى لا يدفع الشغالون مجدّدا فاتورة خيارات وتوجّهات لا مسؤوليّة لهم في بلورتها واعتمادها.

وقد بادرت الحكومة بالدعاية إلى إلحاحية مراجعة أنظمة التقاعد جاعلة من مسألة الوضعيّة الماليّة الحرجة للصناديق المهدّدة بالإفلاس - كما تقول - مدخلا ومبرّرا أساسيّا لهذه "المراجعة العاجلة" التي يجب – ولكي تحقّق الأهداف المرسومة لها – أن تتمّ على قاعدة الترفيع في سنّ التقاعد إلى 62 سنة ثمّ تدريجيا إلى 65 سنة وكذلك الترفيع في نسبة المساهمة الموظّفة على الأجور بعنوان التقاعد إضافة إلى التخفيض في سقف الجراية ومراجعة قاعدة احتسابها أي التمديد في سنوات العمل والتخفيض في الأجر الصافي للنشيطين وكذلك في مبلغ جرايات المتقاعدين.

وللتذكير فإن الحكومة قامت ما بين 1994 و2007 بثلاث زيادات متتالية في نسب مساهمة العمال والأعراف وبما مجموعه 7.7 بالمائة بتعلّة تلافي الإنزلاقات الخطيرة للصناديق ومراعاة دورها الاجتماعي الحساس وباسم تحسين مواردها والحفاظ على توازناتها، ولكن كل هذه الحلول الترقيعية والتي كانت دائما على حساب العمال لم تكن كافية لإنقاذ الصناديق من الإفلاس لأن السبب الأصلي هو سوء التصرف في الموارد والخيارات الليبرالية المجحفة وتخلي الدولة عن دورها التعديلي وعن مسؤولياتها في رعاية خدمات الصحة والتربية والتعليم والنقل والسكن وغيرها.

إن العناصر الثّلاثة السالفة الذكر تؤكّد جملة الحقائق التالية :

1) إن الحكومة تتجاهل، من خلال مقترحها، معالجة الأسباب الحقيقة والعميقة المتعلّقة بالأزمة الماليّة للصناديق وتتهرّب من تحمل مسؤولياتها وترفض تخصيص جزءا من ميزانيّة الدولة لتغطية العجز. (وهو نفس التوجّه الذي اعتمدته عندما راجعت ملف التغطية الصحيّة والذي تجسّد في النظام الجديد للتأمين على المرض المعمول به حاليّا) في حين أنها انتفعت تاريخيا بالموارد المالية للصناديق منذ تأسيسها، بدعوى استثمارها وتنمية احتياطاتها.

2) إنّ الشغالين سيتحمّلون الجزء الأهمّ من الكلفة الماليّة لهذا "الإصلاح" إضافة إلى التمديد في فترة العمل المنجز بخمس سنوات.

3) إنّ هذا المشروع يمسّ المكاسب التاريخيّة التي حقّقها الشغّالون عبر مسيرتهم النضاليّة في علاقة بالتقاعد.

إنّ ما سبق يبرز خطورة المشروع المقترح على حقوق ومصالح العمّال، إضافة إلى انعكاساته السلبيّة المؤكّدة (وليست المحتملة كما جاء في تصريح لأحد أعضاء المكتب التنفيذي الوطني للإتحاد) على التشغيل في ظرف تتفاقم فيه ظواهر تسريح العمّال وإغلاق المؤسّسات وارتفاع نسب البطالة.

ولئن اتضح مشروع الحكومة هذا، ورغم انطلاق المفاوضات، فإنّ الإتحاد العامّ التونسي للشغل لم يصغ بعد بديله الذي من المفترض أن يعرض، ديمقراطيا، على القواعد والهياكل لضمان مساهمتها في بلورته بالنقاش والإثراء والتعميق وإعدادها للنضال من أجل الدفاع عنه. وحتّى الهيئة الإداريّة الوطنية المنعقدة بتاريخ 18 مارس 2010 فقد اكتفت بصياغة مبادئ عامّة لا تقدم أجوبة دقيقة وواضحة لمشروع "الإصلاح" الذي تنوي الحكومة تمريره.

وانطلاقا من خطورة ما جاء في مشروع الحكومة في خصوص هذا الملفّ وما سيكون له من تأثير سلبي على أوضاع العمّال، كما سبق وان أوضحنا، فإنّ اللقاء النقابي الديمقراطي المناضل يدعو كافة النقابيين للتجنّد صفا واحدا من أجل سحب هذا المشروع ويطالب قيادة الإتحاد برفضه ويعلن رفضه لكلّ مشروع لا يضمن مكاسب وحقوق وكرامة العمّال وعموم الشغالين. ويهيب بكافّة الهياكل النقابيّة في الإتحاد العامّ التونسي للشغل أن تسعى من أجل إحكام الاستعداد النضالي للتعامل مع هذا الملفّ عبر الاستشارة الواسعة مع القواعد وصياغة البدائل النقابيّة في الغرض ووضع الخطط العمليّة النضاليّة التي تمكّن من التصدي لكلّ مشروع لا يأخذ بعين الاعتبار مصالح ومكاسب العمّال.

ولا يفوتنا في هذا السياق أن ننبّه إلى ضرورة الاستفادة من التجارب الحاصلة في ملفّ التأمين على المرض الذي أمضت القيادة الحاليّة في شأنه اتفاقيّة بعد أن تنازلت عن بعض الشروط الأساسيّة التي وضعتها القواعد بعد الاستشارة الموٍسّعة والتي من ضمنها تكفّل الدولة من خلال الميزانيّة بتغطية كلّ عجز مالي للصندوق وكذلك عدم الشروع في تطبيق النظام الجديد للتأمين على المرض إلاّ بعد تأهيل القطاع العمومي وتحسين الخارطة الصحيّة، بالإضافة إلى ذلك فإنّ القيادة لم تدع حينها إلى تحرّكات نضاليّة تسند التفاوض رغم الإستعداد الكبير الذي أبدته القواعد ومطالبتها بذلك، فكانت نتائج الاتفاق كما نعيشها الآن ولا نريد للأمر أن يتكرّر مع التقاعد.

اللقاء النقابي الديمقراطي المناضل
تونس، في 28 سبتمبر 2010

المصدر: منتدى "الديمقراطية النقابية والسياسية"
الرابط: http://fr.groups.yahoo.com/group/democratie_s_p


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني