الصفحة الأساسية > البديل العربي > التواطؤ العربي يصيب الصهاينة بالذهول!
التواطؤ العربي يصيب الصهاينة بالذهول!
13 آب (أغسطس) 2006

لم يكن الموقف الرسمي العربي من العدوان على لبنان مفاجئا بالنسبة للشعوب العربية، التي تعودت على مواقف الصمت والتواطؤ كلما تعرّض بلد عربي إلى عدوان صهيوني امبريالي. لكن اللافت هذه المرة هو أن مواقف بعض الأنظمة العربية كانت أكثر وضوحا في وقوفها إلى جانب الكيان الصهيوني في اعتدائه على لبنان، حيث حمّلت حزب الله المسؤولية وأعطت بذلك الضوء الأخضر لشن العدوان البربري، لتلتقي بذلك مصالح هذه الأنظمة مع مصالح الكيان الصهيوني ومصالح الامبريالية الأمريكية التي تصبّ جميعها في اتجاه القضاء على كل مقاومة تمهيدا لإرساء نظام جديد في المنطقة.

منذ اللحظة الأولى لانطلاق العدوان سارع النظام السعودي إلى تحميل "حزب الله" المسؤولية معتبرا أن السبب الرئيسي والوحيد للحرب هو "المغامرة" التي أقدم عليها هذا الحزب حين هاجم موقعا عسكريا صهيونيا وقتل وأسر بعض الجنود لمبادلتهم بأسرى في سجون الاحتلال. وهذا الموقف لم يكن معزولا عن الموقف الرسمي العربي ككل، بل إنه كان في الحقيقة موقف عديد الدول العربية الأخرى التي عبرت عنه جهرا أو سرا. وقد جاء اجتماع وزراء الخارجية العرب "الطارئ" بعد يوم واحد من العدوان ليؤكد ذلك. فقد انقسمت المواقف العربية إلى موقفين: الموقف الأول بقيادة السعودية التي عبرت عنه منذ انطلاق العدوان ويضم مصر والأردن والإمارات والكويت والعراق والسلطة الفلسطينية. وقد حملت هذه الأنظمة "حزب الله" مسؤولية العدوان على لبنان ورأت أن "التصعيد" و"الأعمال المغامرتية" التي أقدم عليها هذا الحزب لا تصبّ في مصلحة "الأمة العربية". وذهبت إلى حد اعتبار أعمال المقاومة في لبنان غير مسؤولة وجاءت في وقت غير مناسب وأنه كان يجب التنسيق مع الدولة اللبنانية وأن ما قام به يمكن أن يجر على المنطقة حربا كبرى ويعيدها إلى ما قبل اتفاقية كامب ديفيد ووضع "الجانب العربي" في مأزق على الساحة الدولية.

أما الموقف الثاني فقد تبنته سوريا ولبنان والجزائر واليمن. وقد رأى هذا الموقف ضرورة دعم المقاومة اللبنانية والإشادة بموقفها في مواجهة التصعيد الصهيوني مؤكدا على مشروعية أعمالها وأنها تأتي في إطار القرارات الدولية والكفاح المسلح للشعوب من أجل التحرر. والعمل على استغلال الموقف الراهن للضغط على إسرائيل للوفاء بالتزاماتها طبقا لقرارات الشرعية الدولية والعودة إلى مائدة المفاوضات مرة أخرى. وقد طالبت هذه الدول بضرورة عقد قمة عربية في أسرع وقت ممكن. ومن الواضح أن بقية الأنظمة العربية التي لازمت الصمت خلال هذا الاجتماع اصطفت في الحقيقة وراء الموقف السعودي.

ومن الملاحظ أن هذا الاجتماع الوزاري الطارئ لم يسفر عن أي نتائج ملموسة ولم يصدر عنه بيان مشترك ما عدى ما صرّح به عمرو موسى، رئيس الجامعة العربية، للصحفيين في مؤتمر صحفي جمعه بوزير خارجية الإمارات التي ترأس بلاده الدورة الحالية للجامعة، بأن وزراء الخارجية العرب توصلوا في نهاية اجتماعهم إلى قرار بالإجماع بإعادة عملية السلام مرة أخرى إلى مجلس الأمن بعد أن "ماتت" بسبب الممارسات الإسرائيلية. ومن الواضح أن كلام رئيس الجامعة لا معنى له سوى إيهام الرأي العام بأن "العرب متفقون"!

وقد عبّر الكيان الصهيوني عن "ذهوله" من المواقف العربية الداعمة للعدوان. فقد قال عمير بيريتس، وزير الحرب الصهيوني:" هذه هي المرة الأولى التي تتمتع بها حملة عسكرية إسرائيلية بهذا التأييد خاصة من الدول العربية التي أيدت الخطوات التي تقوم بها إسرائيل للدفاع عن نفسها". وفي المقابل ذكرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" أن رئيس وزراء الكيان الصهيوني، إيهود أولمرت تسلم رسالة سرية من "حاكم دولة عربية معتدلة" لا تقيم علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل قال فيها أنه يؤيد العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان. وأشار المصدر إلى أن رسائل عديدة وصلت الخارجية الصهيونية في الفترة الأخيرة وجميعها تعبّر عن تأييد العدوان على لبنان... الشيء الذي جعل مسؤولا في خارجية الكيان الصهيوني يقول:" إن ما نسمعه من الدول العربية هو ببساطة مذهل!!".

لقد كانت الأنظمة العربية تعتقد أن المقاومة اللبنانية لن تصمد أكثر من أيام معدودات أمام الآلة العسكرية الرهيبة للكيان الصهيوني، لكن المقاومة سفهت أحلامها. كما أن الأطراف السياسية اللبنانية توحدت أكثر من أي وقت مضى حول برنامج موحد للخروج من الأزمة أصبح يعرف بـ"النقاط السبع" التي تنص بالخصوص على الوقف الفوري للعدوان وانسحاب إسرائيل إلى ما وراء "الخط الأزرق" وتبادل الأسرى وعودة النازحين ونشر الجيش اللبناني في الجنوب. وأمام صمود المقاومة وتوحد الساحة اللبنانية إلى جانب غليان الشارع العربي وجدت الأنظمة العربية نفسها مجبرة على عقد اجتماع وزاري "طارئ" ثاني ببيروت خاصة بعد الزيارة التي قام بها وزير خارجية إيران إلى لبنان. وكما كان منتظرا فإن هذا الاجتماع خصص تحديدا لدعم الحكومة اللبنانية الموحدة حول "النقاط السبع". ورغم أن بعض الملاحظين رأوا في هذا الموقف تحولا في المواقف العربية الرسمية إلا أن الحقيقة هو أنه لم يحصل تغيير جذري حيث بقي الموقف الرسمي العربي متواطئا مع العدوان ورافضا للمقاومة. فالبيان الختامي حرص على عدم الإشارة إلى مشروعية المقاومة اللبنانية وعدم تقديم العون لها ولا حتى توجيه تحية لها. كما تمخض هذا الاجتماع على الدعوة إلى عقد قمة عربية في "أقرب الآجال" وإرسال وفد عربي إلى مجلس الأمن في محاولة لتعديل المشروع الأمريكي الفرنسي حول الأزمة. ورغم أن واشنطن وباريس اضطرتا إلى تغيير مشروع القرار الذي استجاب جزئيا إلى بعض التحفظات اللبنانية، فإن الفضل في ذلك لا يعود إلى "الدور العربي" بل إلى صمود المقاومة التي جعلت العدو وحلفاءه يتراجعون شيئا فشيئا عن غطرستهم ويحاولون الخروج من المأزق وتحقيق مكاسب سياسية عن طريق قرار من مجلس الأمن بعد أن عجزوا عن تحقيق ذلك بآلتهم العسكرية المدمرة.

وإذا كان الكيان الصهيوني قد أصيب بالذهول من الانحدار الذي أضحى عليه الموقف العربي الرسمي فإن الشارع العربي لم يتفاجأ بذلك. فهو يعرف أن الأنظمة العربية التي شاركت في العدوان على العراق وفي احتلاله، لن تجد حرجا هذه المرة في الوقوف إلى جانب الصهاينة في عدوانهم على لبنان، خاصة وأنها تتفق مع الامبريالية الأمريكية ومع الكيان الصهيوني على ضرورة تنظيف المنطقة من بؤر المقاومة. فهذه الأنظمة ترى أن القضاء على المعارضين للمشروع الأمريكي الصهيوني وإقامة أنظمة عميلة في المنطقة سيساهم في استقرار الأوضاع لصالحها. وهي محقة في ذلك باعتبار وأن انتصار المقاومة في العراق أو فلسطين أو لبنان سيؤدي إلى تقوية روح المقاومة لدى كل الشعوب العربية وبالتالي إلى إضعاف أنظمة العمالة والعار في المنطقة العربية وهو ما من شأنه أن يعجل بإسقاطها.

إن "الحرب على الإرهاب" التي أعلنتها الامبريالية الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر هي التي وحّدت أكثر من أي وقت مضى بين هذه الامبريالية وبين الكيان الصهيوني وكذلك الأنظمة العربية. ومنذ ذلك الوقت أصبحت كل الحروب التي خاضتها وتخوضها وستخوضها واشنطن هي "دفاع عن النفس". وهو نفس الشيء بالنسبة للكيان الصهيوني. وأصبح العدو واحدا ومشتركا، وهو "الإرهاب" حسب المفهوم الأمريكي الصهيوني الرجعي العربي طبعا. فأمريكا تواجه "إرهابا" في العراق (المقاومة العراقية) وأفغانستان (المقاومة في أفغانستان) وخطرا "إرهابيا" متزايدا يمكن أن يطال أراضيها (القاعدة وغيرها). والكيان الصهيوني يواجه كذلك "الإرهاب" في الأراضي الفلسطينية (المقاومة الفلسطينية) وفي لبنان (المقاومة اللبنانية). أما الأنظمة العربية فهي في خندق واحد مع الامبريالية والصهيونية في مواجهتها لـ"الإرهاب" الذي يشمل كل المعارضات سواء كانت إسلامية (معتدلة أو متطرفة)، أو يسارية أو قومية أو غيرها، مسلحة أو تخوض نضالا سلميا! إذن فالحرب واحدة والعدو واحد والمصالح مشتركة. وأي هزيمة تلحق بهذا الطرف هي هزيمة للطرف الآخر. ومن هذا المنطلق فإن المقاومة العربية سواء كانت من أجل الديمقراطية أو من أجل التحرر الوطني هي عدو مشترك لواشنطن وتل أبيب وكل الأنظمة العربية العميلة.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني