الصفحة الأساسية > البديل العربي > شبهات باطلة حول مقاومة عادلة
شبهات باطلة حول مقاومة عادلة
13 آب (أغسطس) 2006

منذ الساعات الأولى لاندلاع الحرب الصهيونية الهمجية ضد الشعب اللبناني الشقيق، أطلت آلة القصف الإعلامي والسياسي وشرعت كعادتها، من جهة في فبركة المبررات الإيديولوجية والسياسية للعدوان، ومن جهة أخرى في الترويج المكثف والواسع لتلك الادعاءات.

واللافت للانتباه هذه المرة هو التطابق الكبير الذي وصل حد التماهي للخطاب الإعلامي والسياسي لمثلث العدوان: الامبريالية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني وأخيرا الرجعية العربية.

ومن نافل القول أن الماكينة الإعلامية لهذا الثالوث لا تهدف إلا لتسويق الجرائم الفظيعة المرتكبة في حق الشعب اللبناني والتغطية على الدمار الواسع الذي طال البلاد والعباد لمدة تقارب الشهر ضمن صمت دولي وعربي مريب..! ولم ينفع حجم الدمار الذي طال البنى التحتية ولا فظاعات الجرائم المرتكبة ضد المدنيين العزل كل يوم بل كل ساعة وعلى الأخص مجزرتي "قانا" و"القاع" في خلخلة العدو الصهيوني عن نهجه الإجرامي ولا القوى الامبريالية وعلى الأخص أمريكا عن مواصلة إعطاء ما اصطلح على تسميته بالضوء الأخضر لمواصلة المجازر وتوسيعها. والأنكى من ذلك في هز الضمير العربي الرسمي الذي مازال غارقا حتى النخاع في دورة التآمر الخياني.. وفي كلمة، الجيش الصهيوني يقصف بكل أنواع الأسلحة بما في ذلك المحرمة دوليا كالقنابل العنقودية باعتراف أكثر من هيئة عالمية محايدة والآلة الإعلامية لذاك الثالوث تمطر عقول الناس أينما كانوا أكاذيبا وأراجيفا لا هدف من ورائها سوى التشويش أكثر ما أمكن عن طبيعة الحرب الدائرة وأهدافها حتى يسهل أولا مواصلة العدوان الهمجي وثانيا التستر على مراميه الاستعمارية المتصلة بما يسمى "مشروع الشرق الأوسط الجديد" على حد تعبير مجرمة الحرب رايس. ومن المؤسف حقا أن حجم القصف الإعلامي هذه المرة مضافا إليه تعقد الأوضاع الإقليمية والدولية من جهة وتصدر فصيل إسلامي (حزب الله) واجهة المقاومة الباسلة للشعب اللبناني الشقيق جعلنا نلاحظ محليا وعربيا وعالميا تشويشا يتصل بطبيعة المقاومة حينا وبأهداف العدوان الآثم أحيانا أخرى وهو ما يدفعنا إلى تناول أهم المحاور السياسية والفكرية التي شكلت ليس فقط الغطاء التبريري لمواصلة العدوان وتوسيعه وإنما حرمت المقاومة اللبنانية من قوى وطاقات شعبية كان من المفروض أن تشكل زخما إضافيا لنصرتها وتعزيزا لأصوات المطالبين بوقف العدوان البربري.

بعض من شبهات خاطئة

حزب الله مغامر:

مثّل بيان وزارة الخارجية السعودية الذي تناقلته وسائل الإعلام الجامع الأهم لمختلف الشبهات المتداولة محليا ودوليا. فمسؤولية العدوان الصهيوني وفق هذه الرؤية تعود أولا وقبل كل شيء إلى "حزب الله" الذي "أقدم على أسر الجنديين الإسرائيليين دون مراعاة لأوضاع المنطقة ولا حتى للحالة اللبنانية"!

وبطبيعة الحال فإن هذا القول مردود على أصحابه. فعملية الأسر التي نفذها رجال المقاومة لم تحمل من عناصر المفاجئة سوى توقيتها بما أنها معلومة ليس فقط في الداخل وإنما في الخارج منذ سنوات. بل إن الأمين العام لـ"حزب الله" توجه بخطاب بمناسبة الأسير اللبناني في الشتاء الماضي قائلا:" يوم خلاصك أضحى قريبا يا سمير قنطار.. ونحن جادون في ذلك وعما قريب ستكون بيننا..". والأهم من ذلك أن الأسر تم في انسجام تام مع البيان الحكومي الذي تلاه رئيس الوزراء السنيورة وبالتحديد في قوله:" سنعمل على تحرير أسرانا بكل الطرق..". ولا نظن عملية الأسر سوى طريقة من هذه الطرق وقد سبق للمقاومة أن جربتها ونجحت فيها. وقد أملتها هذه المرة فشل الديبلوماسية "الهادئة" في انتزاع ولو قليل لحل مأساة الأسرى.

إن نعت المقاومة بالمغامرتية لا يمكن أن يصدر إلا عن جهات رسمية وغيرها تنكر على المقاومة اللبنانية حقها المشروع في مقاومة الاحتلال الغاصب للأرض والإنسان. ولا نخال التعلل باختلال موازين القوى ورجحانها لصالح العدو الصهيوني سوى تنظيرات انهزامية رجعية بائسة. فالمتباكون على اختلال موازين القوى عربيا ودوليا إلخ.. يتناسون أن هذا الاختلال هو سمة قارة في مسار الصراع العربي الصهيوني. فهل كانت موازين القوى في 48 راجحة لفائدة العرب حتى يخوضوا حربهم ضد العصابات الصهيونية؟ وهل كانت تلك الموازين لفائدتهم حتى يبادروا في 67 أو 73 بخوض الحرب؟ والأهم من ذلك كله هل بادرت المقاومة اللبنانية إلى شن حرب على العدو الصهيوني؟ كلا إن أسر الجنديين لا يرقى بالمرة إلى إعلان حرب على العدو. كما أن هذه العملية لا ترقى إلى مستوى التعلة المقنعة حتى تشن دولة العدوان هذه الحرب الشاملة ضد بلد صغير بكل المقاييس البشرية والعسكرية... وفوق هذا كله فإن سير المعارك الميدانية باعتراف الجميع بما في ذلك العدو نفسه تؤكد للمرة الأولى عجز الآلة العسكرية الصهيونية عن تحقيق أهدافها المعلنة بعد شهر من هذه المنازلة التي أكدت بما لا يدع مجالا للشك واقعية المقاومة وجهوزيتها عسكريا وسياسيا لفتح طريق واسع للخروج من دائر الهزائم العربية الرسمية.

المقاومة تحت قيادة إسلامية

يعمد الكثيرون عن وعي أو غير وعي إلى الخلط الرهيب بين مشروعية المقاومة من زاوية التحرر الوطني والدفاع عن السيادة الوطنية في لبنان والمشروع المجتمعي الذي يتبناه الفصيل الأساسي المتصدر لهذه المقاومة. وهو خلط يخدم في محصلته الأخيرة العدو الصهيوني وحماته من قوى امبريالية عالمية ويسهل ليس فقط التواطؤ العربي الرسمي وإنما الاشتراك في إضفاء شرعية موهومة على الحرب العدوانية ويرفع كل حرج ومسؤولية عن الأنظمة العربية العميلة التي تصور العدوان الهمجي على أنه معركة بين "إسرائيل" و"حزب الله" الشيعي. وهو كلام تفنده كل مجريات الواقع الحالي. فالعدوان يطال كل لبنان والمقاومة تشمل كل اللبنانيين وقواه الرافضة للغطرسة الصهيونية والامبريالية. فتدمير لبنان لا يفرق بين مناطق الجنوب "الشيعي" ومناطق كسروان والأشرفية والقاع إلخ... وهي مناطق ذات أغلبية مسيحية!! والمقاومة بمعناها الواسع لا تنحصر في جناحهــا المسلح الذي يعود عموده الفقري إلى حزب الله. فـ"التيار الوطني الحر" وحركة "أمل" و"الحزب الشيوعي اللبناني" وغيرهم جزء من هذه المقاومة الباسلة، حتى وإن افتقروا لأجنحة عسكرية. إضافة إلى أن كلا من "الحزب الشيوعي اللبناني" وحركة "أمل" قدما شهداء على أرض المعركة الدائرة، تناقلت وسائل الإعلام أسماءهم وانتماءاتهم الحزبية. وفوق هذا كله فالمقاومة تشمل القطاعات العريضة من أبناء وبنات الشعب اللبناني. ولا نخال أحدا يحصر المقاومة في العمل المسلح فقط ويستبعد منها مختلف الأنشطة السياسية والثقافية والإنسانية. فالأخيرة هي الشرط الضروري الذي لا بد منه للصمود والانتصار الذي يذهل العالم برمته اليوم. فالحكم على المقاومة من زاوية شرعيتها أو عدمها يرجع أولا وقبل كل شيء إلى أهدافها العامة في علاقة بالتناقض الرئيسي في مكان محدد وزمن محدد. وفي قضية الحال حيث المدار الرئيسي للمعركة: الوطن وسيادته وعزته يصبح من الخور بمكان الحكم على هوية المقاومة بالتوجهات الفكرية للفصيل الأساسي الذي يقود. كما يصبح من باب اللغو والانتهازية الرجعية تغليب المشروع المجتمعي في الانتصار لهذه المقاومة أو مناصبتها العداء المكشوف وحتى المتستر. وعليه فإن التعلل بوجود "حزب الله" على رأس المقاومة للتشكيك في عدالة معركتها يقدم خدمة مجانية للعدو الصهيوني والامبريالية العالمية والأنظمة العربية العميلة.

المقاومة تحت قيادة شيعية

في سياق متصل بشبهة الخلفية الفكرية لقيادة المقاومة، وضمن ترديد أحمق لمقولة أضحت عزيزة على الدوائر الامبريالية والدولة الصهيونية نجد أثرا واسعا للعزف على الطائفية والمذهبية. فالأنظمة العربية الأكثر عمالة وخيانة مثل السعودية والأردن ومصر تعزف على وتر "الهلال الشيعي" والنفوذ الإيراني إلخ.. والأنكى من ذلك أن بعض الأطياف السياسية ببلادنا لا تتورع عن طرح تساؤلات وتبلور إجابات تنتهي في آخر المطاف إلى جعلهم طابورا خامسا للصهيونية والامبريالية إما عن وعي أو غير وعي.

فإذا كان مدار الحرب الوطن فحجر الزاوية لن يكون سوى الموقف السياسي والعملي من العدوان. وحجر الزاوية في تحديد الوطني والعميل يغدو ببساطة من مع العدوان ومن ضده. أما مسألة المذهب فلا وزن لها وحتى التحالفات الخارجية فهي ثانوية.

ومن الناحية الواقعية فإن الإدارة الأمريكية الحالية وكذلك الدولة الصهيونية والأنظمة العربية الموغلة في العمالة شأن السعودية ومصر إلخ... سرعان ما نقف على زيف ادعاءاتهم حول خطر الشيعة. فالأولى أي أمريكا دمرت أفغانستان وتشن حربا لا هوادة فيها ضد طالبان "السنية" وتزعمت موجة عزل ومحاصرة الحكومة الفلسطينية المنتخبة وهي أيضا سنية. وهي التي دمرت العراق الشقيق وتحاصر مقاومته التي يتكون أغلب فصائلها من "سنيين"!! أما الثانية –أي إسرائيل- فهي تحتل أرضا وتقتل شعبا بأكمله وتحاصر حكومته "السنية"! وأخيرا الثالثة –أي الأنظمة العربية- فهي على مواقفها الخيانية كلما تعلّق الأمر بالوطن، والمقاومة. فهل نصرت حكومة آل سعود العميلة "حركة طالبان" في حربها ضد الغزاة الأمريكان وحلفائهم؟ وهل ناصرت شعب فلسطين ومقاومته؟ كلا لا السعودية الوهابية ولا الأردن ولا مجمل الأنظمة العربية ناصرت ولو بالقليل حركات المقاومة في العراق وفلسطين ولبنان. وحتى الفتات المالي الذي يقدم هنا وهناك فهو لا يتجاوز ذر الرماد على العيون الذي يقدم بعد موافقة أمريكية وضمن سياقات تقارب الإملاءات والشروط السياسية المذلة للكرامة والمعيقة للمواقف الوطنية الصلبة.

إن الانتماء الديني وبالأخص المذهبي ("الشيعة") لا ينقص في شيء من شرف المعركة التي يخوضها الشعب اللبناني بأسره. كما أن هذا الانتماء المذهبي الشيعي لأهم فصيل من تلك المقاومة "حزب الله" لا ينقص في شيء من الصمود البطولي لمناضليه أمام الكيان الصهيوني وآلته العسكرية الجبارة والإقرار بحقيقة تفوقه الميداني وخروجه مهما كانت مجريات الحرب معززا منتصرا. ولا نخال اللعب على الطائفية والمذهبية سوى قبول بالمنطق السياسي والإيديولوجي المعتمد من قبل إدارة الحرب الأمريكية التي تستعمل كل ما هو هابط ومنحط لتمرير عدوانها على الوطن العربي وإعادة ترتيب أوضاعه وفق مقتضيات مصالحها الاستعمارية ضمن ما يعرف بالشرق الأوسط الكبير. أما الأنظمة العربية فهي تبحث عن التبريرات المخزية لتزيين دورها الخاضع الذليل وفق الدور الموكول لها مسبقا من قبل حماتها الامبرياليين. وهي إذ تمعن في استعمال حت المذهبية فهي لا تتجاوز حدود اللعب على الوعي الشعبي البسيط وتحريك النوازع المذهبية المنحطة وهي في موضوع الحال تتعمد خلط الأوراق المتصلة بالأدوار التي تلعبها أهم الأحزاب والمرجعيات الشيعية بالعراق الشقيق. وهي أحزاب طائفية رجعية المنخرطة حتى النخاع في العدوان على العراق وتمسك بجهاز القتل والذبح. إلا أن حزب الله والرأي العام اللبناني داخل هذه الطائفة كان في الصف الوطني وها هو اليوم يتصدر المقاومة ويدفع الثمن غاليا نتيجة اختياره هذا.

المقاومة والقوى الإقليمية:

مرة أخرى يتحقق التطابق في كيل التهم للمقاومة بين الثالوث (امبريالية، صهيونية، رجعية عربية) ويقترب منهم بعض المشككين المحسوبين على اليسار وبعض الفرق القومية. فإذا كان الثالوث يدفع حتى النهاية في اعتبار حزب الله أداة إيرانية/ سورية وأسر الجنديين لم يتم إلا لغايات خارجية فإن الصنف الثاني يقنّع مقولاته بالأسئلة حول توقيت الأسر، والدوافع والرابحون والخاسرون إلخ..

بطبيعة الحال الجميع يعلم العلاقة التاريخية والاستراتيجية بين حزب الله وإيران وأمينه العام لا يخفيها بل يفاخر بها. كما أن الجميع يعلم العلاقة المميزة لهذا الحزب بسوريا. كما أن الجميع يعلم مصادر التمويل المالي وخصوصا العسكري لهذا الحزب إلا أن المسألة لا تتصل بالعلاقة السياسية والفكرية والمذهبية وبالسلاح في مثل هذه الحرب بل أن الأسئلة الحقة تتمثل في ما يلي: هل أسر الجنديين الإسرائيليين له مبرراته اللبنانية أم لا؟ وهل الدفاع عن أرض لبنان ومقارعة الكيان الصهيوني أمرا مشروعا لبنانيا أم لا؟ وهل حزب الله يتحرك وفق أجندة وطنية شرعية وعلى أرضية معادية للمشروع الأمريكي الصهيوني في الوطن العربي أم لا؟

هذه هي الأسئلة التي يحق لأي كان طرحها وعلى ضوء الإجابات يتحدد موقف كل طرف من مسألة العدوان. أما من سيستفيد من القوى الإقليمية الخارجية مثل إيران وسوريا فهو أمر ثانوي. فالأسر تم مثلما أسلفنا لهدف داخلي متفق عليه لبنانيا حتى مع الفرقاء السياسيين المعادين لسوريا وإيران: جنبلاط، الحريري، جعجع. كما أن الدفاع البطولي عن أرض لبنان وإيقاف الاجتياح الذي يمارسه الكيان الصهيوني أمرا لبنانيا صرفا.

وفوق كل هذا هل يحق لكيان مثل "إسرائيل" يمثل وجودها نتاجا للامبريالية العالمية ويرتهن بقاؤها بهذه القوىن الحديث عن الامتددات الإقليمية؟ وله يحق لهذه الدولة التي تواصل عدوانها للأسبوع الرابع تحت ضغط أمريكي ولأهداف تتجاوز متطلبات بقائها باعتراف الصهاينة أنفسهم؟ وهل يجوز للأنظمة العربية العميلة اتهام المقاومة بالعمالة لإيران؟ في حين أن هذه الأنظمة تستمد بقاءها من التسابق الذليل لوامر إدارة بوش وأولمرت وما موقفها الحالي وعلى هذه الشاكلة المخزية سوى محاولة بائسة للحفاظ على وجودها!!

وأخيرا وما دمنا نتحدث عن الأوضاع الإقليمية الا يحق بل أليس من واجب حزب الله وكل وطني لبناني وعربي أن يخفف الضغط على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الذي يتعرض لهجمة شرسة قبل وبعد اختطاف المقاومة جنديا صهيونيا وقتل آخرين، دون أن تحرك الأنظمة العربية وما يسمى بـ"المجتمع الدولي" ساكنا. لذلك وفي الحقيقة إذا كان لحزب الله من حسابات إقليمية فلا هي خدمة سوريا وإيران بقدر ما هي خدمة المقاومة الفلسطينية، وهذا لا يمكن أن يعاب عليه بل يشكر.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني