الصفحة الأساسية > بديل الشباب > الحوار الشامل مع الشباب بين الدعاية والحقيقة
الحوار الشامل مع الشباب بين الدعاية والحقيقة
تشرين الثاني (نوفمبر) 2008

انتظم يوم 11 أكتوبر 2008 بتونس العاصمة "المنتدى الوطني للشباب" الذي جاء كتتويج لما سمي بالحوارات الشبابية في إطار الاستشارة الشبابية الجديدة التي أعلن عن انطلاقها يوم 21 مارس الفائت والتي سميت بـ" الحوار الشامل مع الشباب " تحت عنوان " تونس أولا".

فهذه الاستشارة ليست بالأولى من نوعها طوال العشرين سنة الماضية من تاريخ تونس إذ يعود تاريخ آخر استشارة لسنة 2000 وشكلت كغيرها من الاستشارات الأخرى مادة دعائية لا أكثر ولا أقل فيما لم يترتب عنها نتائج محسوسة لصالح للشباب عدا بعض الإجراءات الإدارية التي لا تعالج قضايا الشباب الحقيقة ولا تستجيب لتطلعاته الملحة مثل التخفيض في سن الترشح والانتخاب وحصته في الدوائر السياسية و"التمثيلية" في البلاد.

وقد تشكلت لهذا " الحوار الشامل " لجنة وطنية (برئاسة الصادق شعبان رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي) وأخرى تنسيقية ولجنة شبابية ولجان جهوية وفرق مدونات ومنتديات حوار وفتحت لها بوابة الكترونية وشركت فيها وسائل إعلام وممثلون عنها ورصدت لها أموال طائلة وجندت لها دور الشباب ودور الثقافة في الجهات لتحتضن الحوارات.

وحسب وسائل الإعلام الرسمية فقد شارك في هذه الحوارات حوالي 400 ألف شاب وشابة تونسية كما شارك في البوابة الالكترونية 1276 (إلى حدود يوم 15 أكتوبر 2008 ).

وكان واضحا أن السلطة تريد أن تجعل من هذه الاستشارة حدثا سياسيا بارزا لتنشط الساحة السياسية التي تتسم على العموم بالركود والانغلاق.

1 - لماذا الحوار الشامل ؟

يقرأ من يدخل على موقع الحوار مع الشباب جوابا على هذا السؤال ما يلي :

" – اهتمامات الرئيس زين العابدين بن علي كبيرة بالشباب وإنجازاته رائدة على مدى 20 سنة
- معظم السياسات في عهد التغيير تستهدف إعداد الشباب لمستقبل يتغير باطراد
- غاية هذه السياسات هو صقل قدرات الشباب وفتح الآفاق أمامه ليساهم ويبادر ويبدع..."

ونفهم من ذلك أن أول دوافع تنظيم هذا الحوار هو "اهتمامات الرئيس" وثانيها أنها تأتي في سياق " الانجازات الرائدة" " لسياسات التغيير" وأخيرا " صقل قدرات الشباب وإعداده للمستقبل المتغير والتحديات المتجددة "

فحقيقة ما نفهم من ذلك هو أولا وقبل كل شيء الاستجابة لاهتمامات " الرئيس " دون قول ولو كلمة عن دواعي هذه الاهتمامات وأسبابها ومراميها، هل هي مجرد " عطف خاص من لدن سيادته " على هذه الفئة العمرية من التونسيين ؟ أم أن في الأمر شيء آخر؟

فمن حيث الشكل هذا الحوار هو امتداد لمنهج من التعامل دأبت عليه السلطة في علاقة بالقضايا الجوهرية للمجتمع والبلاد، أساسه الركوب على طلب الحركة الديمقراطية، بفتح حوار وطني حول أمهات القضايا. وبتنظيم هذه الاستشارات تسعى السلطة لسحب البساط من تحت أقدام الحركة الديمقراطية بحيث ما عاد بإمكان أي كان اليوم المطالبة بحوار وطني حول هذه القضية أو تلك بعد تم الاستيلاء على هذا المطلب وتوظيفه في غير أهدافه الحقيقية.

ومن جهة ثانية فقد اعتمدت نتائج كل الاستشارات التي جرت (حول إصلاح التعليم، الجباية، التشغيل، تعصير الإدارة الاستفتاء على الدستور إلخ ...والقائمة طويلة ) لتبرير وخدمة التوجهات التي حددتها السلطة من جانب واحد ووسيلة لإضفاء طابع الشرعية على تلك التوجهات، بحيث تظهر الإجراءات المتخذة في كل هذه الميادين وكأنها نابعة من إرادة الشعب.

ولكن هل تم فعلا تشريك الشعب في تلك الاستشارات والحوارات؟

لا يختلف اثنان في أن كل الاستشارات تمت على العموم في صفوف أعوان السلطة وبالأخص في صفوف منتسبي ومسؤولي التجمع الدستوري الحاكم وحتى إن تم تشريك بعض ممثلي المعارضة فعامة ما يكون من بين معارضة الديكور الذين لا يعترضون على شيء وإن تم أحيانا تشريك بعض الوجوه من منظمات المجتمع المدني فعادة ما يكونون قريبين من السلطة ومعروفين بتزلفهم وبانسياقهم في توجهاتها.

وفي هذا الحوار الذي يطلع على تركيبة اللجان المذكور آنفا يلاحظ بما لا شك فيه أن الاستشارة كانت تحت قيادة الحزب الحاكم وأعوان الدولة المعروفين بحماسهم في الدفاع على خياراتها كما يلاحظ أن من جملة 79 إعلامي ثلاثة فقط ليسوا من المؤسسات الإعلامية الرسمية وشبه الرسمية (ممثل عن جريدة الشعب وآخر عن جريدة الوحدة والثالث عن جريدة الوطن). أما من حيث مجريات الحوار فقد تمت كل حلقاته إما في الشعب الدستورية أو في دور الثقافة والشباب المحلية بعد أن تمت غربلة الحضور على أكثر من مرة لذلك فإن ما تتبجح به الدعاية من أن الحوار جرى وفق ما أوصى به الرئيس " من دون رقابة " وأنه تطرق لكل المواضيع وبحرية ومن دون ممنوعات ليس سوى تمويها وتضليلا لأن الحقيقة كانت غير ذلك بل وخلافا لذلك تماما. وحتى ما عبر عنه البعض من الشبان الذين غرر بهم وأوحي إليهم بأن هذا الحوار هو مقدمة لحل مشاكلهم فقد أدرج ضمن التقارير التأليفية وفي البوابة الإلكترونية على سبيل الزينة وتلميع صورة الحوار.

للاطمئنان على استقرار نظامها وعلى حصانته أمام انتفاضات الشباب التي حينما ستندلع ستأتي على الأخضر واليابس.

فالسلطة استوعبت الدرس جيدا من ماضي الحركة الطلابية والتلمذية ومن أحداث الخبز ومساندة العراق والانتفاضة الفلسطينية.

وعلى العموم تدرك السلطة أن الشباب التونسي مهما أبدى من مظاهر اللامبالاة بالحياة السياسية وسلبياتها فإنه يمثل لا محالة خزان غضب كبير وبرميل بارود قابل للانفجار في كل وقت.

وقد وجدت في حركة الحوض المنجمي المثال الملموس والدرس البليغ. لذلك فإن أنجع السبل دوما لترويض هذا المارد هو تلازم العصا مع المناورة والتمييع وبث الأوهام. وتمثل هذه الاستشارات المتكررة " الدورية " كما قال رئيس الدولة في خطابه يوم 20 مارس 2002 واحدة من الآليات لتجديد الوهم حول قرب أجل الانفراج الموعود والتخلص مما عاناه الشباب من المآسي. فما من خطاب من خطبه بمناسبة " عيد الشباب " يوم 21 مارس من كل سنة إلا ويعد السباب إما باستشارة أو بتقييم نتائج استشارة ولكن الواقع عنيد والحالة على ما هي عليه بما يؤكد ذلك الشعار العفوي الذي ابتدعته حركة الشباب ذات يوم " بن علي يا كذاب فينو وعدك للشباب ".

لقد أصدرت حركة الشباب وبصفة عفوية ومبكرة حكمها على خيارات النظام وكان أجدر بهذا الأخير أن يفهم أّن غياب ردود فعل منظمة من قبل الشباب ضد مسرحيات الاستشارات لا يعني البتة قبوله بهذه المسرحيات بقدر ما يعكس ذلك التراجع الذي أصاب الحركة التي تأثرت سلبا من سياسة القمع والمنع والتدمير. ولكن هذه السلبية التي باتت عليها الحركة تخبئ مفاجآت من قبيل انتفاضة الخبر سنة 84 ومن حركة الحوض المنجمي.

إن الشباب التونسي ليس في واقع الأمر في حاجة لاستشارات أثبتت على مر السنين عدم جدواها بقدر ما هو في حاجة لحلول جذرية وجدية للمشاكل التي يتخبط فيها. لا يمكن لنظام كنظام التجمع الدستوري توفيرها بالنظر لطبيعته الطبقية ولتوجهاته السياسية المعادية للشباب وللشعب.

وكل من دقق النظر في ما ورد على البوابة مثلا يلاحظ خطاب المديح الممجوج ونبرة النفاق والتزلف واللغة الخشبية التي برزت في أبشع أشكالها في الرسالة الصادرة عن " المنتدى الوطني للشباب " ( أنظر مقتطفات منها في الصفحة الأخيرة ).

2 - ما حاجة الشباب التونسي؟ استشارات؟ وأي نوع من الاستشارة؟

تدرك السلطة جيدا أن الشباب لا يحتاج الآن وعلى وجه الأولوية لمثل هذه الاستشارات، لأنها تعلم أن الشباب التونسي الذي اكتوى بنار القمع والبطالة والاحتياج والخصاصة والفقر والتهميش والجريمة والإدمان الأمر الذي جعل جحافل منه تقدم على الهجرة السرية والمقامرة بحياته والأمر الذي جعل أعدادا منه ترتمي في أحضان التيارات الظلامية السلفية المتطرفة أو في أحضان اللامبالاة والإدمان على المخدرات وكل المنازع الهدامة المدمرة، لا يحتاج لاستشارات بقدر ما يحتاج للشغل والحرية والكرامة وظروف العيش اللائق.

وتعلم السلطة أن كل الإجراءات التي اتخذتها لتطويق مشاكل الشباب بقيت دون أن تستجيب لمطامحه وتلبي حاجاته. ففي مجال التشغيل مثلا تدرك السلطة حدود الإجراءات التشغيلية من نوع SIVP وقروض المشاريع الصغرى لم تحل مشكلة البطالة التي ما انفكت تتفاقم. وفي مجال التربية والتعليم تدرك السلطة جيدا أن مشاريع إصلاح برامج التعليم التي استوردتها مقابل فتات أموال من الجهات الراعية والممولة عمقت أزمة هذا القطاع وزادت الطين بلة. وفي مجال الثقافة والترفيه تدرك السلطة أن إقبال الشباب على طفرات الثقافات التغريبية الاستهلاكية أو ذات القشرة المتدينة بتعلة الحفاظ على الأصالة والهوية ليست سوى نزوات عابرة لا يمكن أن تنسيه همومه ساعة الجد.

والسلطة تدرك أيضا أن كل الأعمال التي قامت بها لتخريب المنظمات الشبابية المناضلة في الطلبة وفي صفوف الحركة التلمذية وحركات السينما والثقافة والأدب والفن والموسيقى لم توفر لها الضمانات الكافية.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني