الصفحة الأساسية > بديل الشباب > "ميثاق الشباب التونسي" تمخّض الجمل فأنجب فأرا
"ميثاق الشباب التونسي" تمخّض الجمل فأنجب فأرا
تشرين الثاني (نوفمبر) 2008

مثلما كان منتظرا تم خلال "الاجتماع الشعبي الحاشد" الذي أشرف عليه بن علي يوم 7 نوفمبر للاحتفال بالذكرى 21 لانقلابه، إعلان ما سمي بـ"ميثاق الشباب التونسي" والذي اعتبر تتويجا لـ"الحوار الشامل مع الشباب بمختلف محطاته المحلية، الجهوية، القطاعية، والوطنية". وبمختلف الفضاءات التي احتضنته ("اجتماعات شبابية"، "حصص تلفزية وإذاعية"، "منتديات إلكترونية"،). وقد كنا تطرقنا سابقا لهذا "الحوار الشامل لكشف زيفه وطابعه الديماغوجي (انظر افتتاحية إلى الأمام عدد 7 جوان 2008). وجاء هذا الميثاق ليؤكد صحة ما أشرنا إليه سابقا حول طابعه المهزلي والديماغوجي بكونه مناورة أخرى من مناورات النظام للالتفاف على المشاكل التي يتخبط فيها المجتمع التونسي بكل فئاته وقطعة جديدة من قطع الديكور الديمقراطي وحلقة إضافية من مسلسل تكريس الرئاسة مدى الحياة.

1 - ميثاق ديماغوجي والتفاف على مشاكل ومطالب الشباب

إن القارئ لنص الميثاق يلاحظ دون أدنى عناء ومنذ الوهلة الأولى طابعه الديماغوجي حتى أنه يتساءل هل أن الشباب الذي "صاغ" هذا "الميثاق" ويستعد لـ"الإمضاء" عليه "والالتزام ببنوده" هو نفس الشباب التونسي الذي نعرفه؟ وهل أن الصورة التي يعكسها هذا الميثاق لشبابنا هي نفس الصورة التي نعيشها من خلال واقعنا اليومي المليء بنماذج متناقضة كل التناقض مع النموذج الذي يقدمه "الميثاق". وبالمقابل، فالقارئ الذي يبحث بين سطور هذا "الميثاق" عن المشاغل الحقيقية للشباب التونسي وعن حلول أو حتى مجرد تطرق إلى المشاكل المزمنة التي يتخبط فيها سوف يذهب بحثه المضني سدى! فنص "الميثاق" رغم طوله لا يتطرق إلى أي من المشاكل الجدية التي يعاني منها الشباب حتى أن مشكلة البطالة (والتي لو لم تكن معضلة مستعصية فرضت نفسها وتداولها العديد من المشاركين في "الحوار مع الشباب" رغم الغربلة لتم تجاهلها كبقية المشاكل) والتي يتفق الجميع على خطورة الدرجة التي وصلت إليها لم يتم التعرض لها إلا في الفقرة قبل الأخيرة، بعد سيل "المدائح والأذكار" المتعلقة بكرامات بن علي ومعجزاته والمتغنية بريادته وعطفه وحنانه المتهاطلة من بين ثنايا "الميثاق" ! وليتم طمسها من خلال التأكيد علــى وعي الشباب بـ"جسامة التحديات القائمة وفي مقدمتها تحدي التشغيل الذي جعل منه سيادة الرئيس أولوية مطلقة" بطريقة تخلي ذمة نظام بن علي من تحمل المسؤولية وتلقيها على عاتق الشباب التونسي حتى يتخلى عن "تخاذله" و"تواكله" ويقدم على "الإسهام بروح عالية من الوطنية والمبادرة والإقدام في إنجاح السياسات والبرامج الرامية إلى رفع كل التحديات القائمة وكسب الرهانات الناجمة عنها" فالمسؤولية ليست مسؤولية النظام "الذي قام بما عليه في رسم السياسات والبرامج الكفيلة بحل كل المشاكل" بل هي مسؤولية الشباب المعطل الذي "لم يساهم في السابق في إنجاح تلك السياسات والبرامج" والذي سوف "يستفيق" بعد هذا "الميثاق" من تخاذله ويتحمل مسؤوليته في حل معضلة البطالة ! في "ظل هذا المناخ القائم على الحرية وتشجيع المبادرة والاجتهاد بقيادة الرئيس زين العابدين بن علي رائدنا أبدا وقائدنا". فهل بعد هذا الاستهزاء بعقول الشبان التونسيين استهزاء؟ ! وهل بعد هذه المهزلة مهزلة !!

2 - تزييف للواقع وتبييض لوجه الدكتاتورية

وعلاوة على ذلك، يجتهد "الميثاق" في خلق صورة مزيفة عن الواقع السياسي والحقوقي والاقتصادي والاجتماعي التونسي الذي يعرف القاصي والداني التدهور المريع الذي يعيشه على كل المستويات. فالدكتاتورية وتكريس الحكم الفردي المطلق والرئاسة مدى الحياة وتزييف الإرادة الشعبية عبر المهازل الانتخابية المتواصلة والتلاعب بالدستور والقوانين والمجالس التمثيلية الصورية تصبح بقدرة قادر "دولة القانون والمؤسسات في ضوء النظام الجمهوري وضوابطه، النظام الجمهوري الذي اختاره شعبنا لنفسه ووثقه في دستوره..."، والاستبداد والانتهاك المنهجي لمجمل الحقوق الأساسية العامة والفردية للشعب التونسي وشبابه وعموم قواه السياسية والاجتماعية تصبح بضربة عصا سحرية "الحرية والعدل واحترام حقوق الإنسان في بلد المساواة وحقوق المرأة والتضامن الفاعل.." ! والتأطير البوليسي للمجتمع وقمع كل طرف أو نفس معارض أو مخالف أو حتى نقدي وضرب كل إمكانيات العمل السياسي والنقابي والجمعياتي والثقافي الملتزم والمستقل تتحول بمعجزة فيصبح بن علي هو الذي "فتح أمامنا كل مجالات المشاركة في المؤسسات الجمهورية وفي العمل السياسي والنشاط المنظماتي والجمعياتي وفي الفعل الثقافي والاجتماعي.." وتصبح الانتهاكـات اليومية"حقوقا مكتسبة" ليس على "شباب الميثاق" إلا "التمسك بهذه الحقوق ومواصلة النضال من أجل مزيد إثرائها وترسيخها..." ويصبح الشباب التونسي المقموع والمفقر والمهمش مطالبا بـ"الالتزام الكامل والثابت بالاضطلاع بواجباتنا نحو تونس وشعبنا وبمسؤوليتنا في بناء مستقبل بلادنا وبالمشاركة النشيطة في الحياة العامة فننخرط أكثر في العمل السياسي والمدني ونسهم أكثر في الجهد التطوعي والتضامني النبيل حتى يصبح الشباب جزءا فاعلا ومكونا أساسيا وفي مسيرتنا الوطنية" !!! والجنرال الفاشي الذي يروّع شعبنا وشبابنا ويحكمه منذ 21 سنة بالحديد والنار ويرهن حاضره ومستقبله للدوائر الامبريالية دولا وشركات ويمثل "الأب الروحي" لعائلات المافيا التي تنهب تونس وتثري على حساب تفقير وتهميش شعبها وشبابها وتصول وتجول بلا رقيب أو حسيب يغدو في نظر "الميثاق" "بطل التحول وصانع التغيير الذي زرع الأمل في النفوس واستنهض قوى البذل والعطاء في شعبنا وأحيا فيه أسباب الطموح فعادت الثقة وتحققت المكاسب وتراكمت الإنجازات والنجاحات" ويغدو الشباب التونسي مطالبا بـ"رد الجميل لصاحب الجميل رائدنا الرئيس زين العابدين بن علي" !

3 – "بن علي أولا... بن علي أبدا !

وإضافة إلى كل ما سبق، اجتهد الميثاق ليمرر مخطط النظام لتكريس الرئاسة مدى الحياة ويضفي عليها طابع المطلب الشعبي، فعلاوة على الرسالة التي وجهها "المشاركون في المنتدى الوطني للشباب" المنعقد يوم 11 أكتوبر 2008 بمدينة العلوم بعنوان "رسالة شباب تونس إلى سيادة الرئيس زين العابدين بن علي رئيس الجمهورية" والتي جاء فيها أن "شباب تونس من كل الجهات ومن مختلف الحساسيات.. مستبشرون بمواصلتكم قيادة تونس" في استباق واضح لانتخابات 2009 وفي دلالة واضحة على كونها معلومة النتائج مسبقا. كما جاء "الميثاق" مليئا بالشعارات الممجوجة والفجة التي تكرّس الحكم الفردي والرئاسة مدى الحياة (بن علي قائدنا اليوم وغدا، رائد حاضرنا والأمين على مستقبلنا...).

4 – خدعة لن تنطلي:

إن شباب تونس الذي يكتوي يوميا بالنتائج الكارثية لسياسات نظام بن علي الاقتصادية والاجتماعية من بطالة وفقر وتهميش، ويقع يوميا ضحية نظامه الدكتاتوري الذي يمنعه من أبسط حقوق المواطنة ومن والإصداح بمشاغله ومواقفه ومن التنظم للدفاع عن مصالحه، ويقع فريسة جحافل البوليس التي تنتهك يوميا أبسط مقومات إنسانيته وكرامته وتقتاده بالآلاف للمحاكمات والسجون، هذا الشباب الذي اختبر بشكل ملموس وعلى مرّ عقدين من الزمن كذب خطاب بن علي وزمرته وتناقضه الصارخ مع واقعه المعيش، لن تؤثر فيه مثل هذه المسرحيات الممجوجة والمواثيق المهزلية ولن تخفى عنه مشاهد الذل والهوان التي يشاهدها باستمرار وفي كل المجالات.

إن الشباب التونسي، الذي كان عبْر تاريخ تونس المعاصر بمثابة الدماء الحية التي تجري في شرايين البلاد، ورأس حربة معارك شعبنا ضد الاستعمار الفرنسي ثم ضد نظام القهر والتبعية والاستبداد الدستوري الذي يحكمها منذ نصف قرن بالحديد والنار والقلب النابض لمختلف الهبّات والانتفاضات الشعبية في 78 وفي 84 وغيرها وصولا إلى "انتفاضة الحوض المنجمي" المشتعلة منذ جانفي الفارط والتي دفع خلالها هذا الشباب الشهداء وعشرات بل مئات المعتقلين، هذا الشباب يدرك جيدا من هو عدوه ومن هو صديقه وقادر على فرز الخطاب الذي يدافع عن مصالحه ومصالح شعبه من خطاب الكذب والتملق والتزييف وتشريع الاستبداد.

إن سنوات القهر والإذلال التي عاشها الشباب التونسي ومشاعر الغبن والحقد التي راكمتها في نفوس الملايين منه بصدد التحول إلى رياح هبة شبابية عارمة ضد نظام الاستغلال والاستبداد والمافيا ورموزه... وإنها لعاصفة في الأفق. ولا بد للقيد أن ينكسر !



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني