الصفحة الأساسية > بديل الشباب > "مراكز النداء" في تونس: شر لا بد منه
"مراكز النداء" في تونس: شر لا بد منه
تشرين الثاني (نوفمبر) 2008

أضحت مراكز النداء تستقطب أعداد مهمة من الشباب التونسي لما توفره من مواطن شغل في عدة اختصاصات، وقد تطورت هذه المهنة بشكل مثير للاهتمام من حيث عدد الشركات المنتصبة وعدد "العمال" فيها خصوصا منذ سنة 2000.

ولئن مثلت هذه المهنة متنفسا للعديد خاصة لدى المتخرجين من الجامعات والمعطلين عن العمل فإن ظروف العمل فيها باتت تطرح أكثر من تساؤل وإشكال خصوصا مع ندرة التأطير النقابي فيها - وضربه إن وجد- وغياب إستراتجية واضحة المعالم لتنظيم هذا القطاع.

يمكن تعريف "مراكز النداء" على أنها نقاط خدمات عن بعد توفر للحرفاء مجموع خدمات متنوعة ومختلفة عبر وسائط اتصال خاصة منها الهاتف والبريد العادي والإلكتروني.

وقد ظهر هذا القطاع لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية في الثمانينات ثم تطور بعد ذلك بالقارة الأوروبية، ويعزى هذا التطور إلى بحث الشركات المتعددة الجنسيات عن النجاعة والكلفة الزهيدة بتجميع الوظائف الثانوية في مراكز متخصصة والبحث عن جديدة للإنتاج والتسويق. ولمراكز النداء ثلاث مهام كبرى وهي:

خدمات تجارية(بيع، بحوث عبر الهاتف)، خدمات ما بعد البيع(الصيانة، التعهد...)، وتوفير المعلومات.

ومن أجل إسداء هذه الخدمات تعتمد مراكز النداء على مجموعة من التقنيات والبرمجيات إضافة إلى فرق من الخبراء مهمتها توفير الإجابات عن كل استعلامات، طلبات شراء، تشكيات، وأراء الحريف.


*مراكز النداء في تونس

تمثل تونس منطقة جذب كبيرة للإستثمار في مجال "مراكز النداء" بالنسبة للشركات الأوروبية وخصوصا الفرنسية، وتجدر الإشارة إلى أن هذا القطاع تطور من 100 عامل سنة 2000 إلى 8000 حاليا ومن مؤسسة واحدة إلى 112 مؤسسة سنة 2007(1).

ونلاحظ عدة عوامل تجعل الشركات الأوربية تجد ضالتها في الاستثمار بتونس في هذا المجال وهي:

- يد عاملة مؤهلة وبخسة الثمن.
- إطار قانوني مرن.
- ساعات عمل ليلية وفي العطل والأعياد الرسمية والآحاد.
- معرفة جيدة للغة الفرنسية واللغات الأخرى.
- بنية تحتية جيدة في مجال الاتصال.
- تخفيضات كبيرة في كلفة استعمال شبكة الاتصال والإنترنت.
- تخفيضات على مستوى تمويل برامج التكوين والإدماج المهني لحاملي الشهائد العليا.
- إعفاء ضريبي لمدة 10 سنوات.
- ظروف عمل قاسية بالنظر للحوافز والامتيازات التي توفرها الحكومة التونسية لباعثي مثل هذه المشاريع، فإن ذلك لم يقابله تطور في المستوى الاجتماعي والنفسي "للعمال".

وفي ظل غياب دراسات علمية حول الانعكاسات السلبية الناتجة عن العمل في هذه المهنة والظروف الشغلية فيها فإن عديد الشهادات ولوائح بعض النقابات الأساسية باتت تؤكد أن طبيعة العمل في هذا القطاع تتميز بنسق مرتفع للعمل شبيه جدا بنظام التيلرة مما يسبب المخاطر التالية على عمال "مراكز النداء":

- فيزيائيا: ارتفاع الضجيج الصادر عن التخاطب والضجيج الصادر عن الكمبيوتر إضافة إلى المضاعفات التي تهدد البصر.
- ذهنيا : الوتيرة المرتفعة للعمل، تكرار نفس المهام القصيرة، عنف الحرفاء، الضغط الدائم بسبب التقييم المتواصل الذي يطالب بتحقيق أهداف كمية ونوعية مرسومة سلفا.وإضافة إلى ذلك، فإن هذا القطاع يتميز بعدم توفر تشريعات خاصة به وعدم احترام للاتفاقيات الدولية في هذا المجال مثل الميثاق الدولي لمراكز النداء الذي تنظمه النقابات المنظوية تحت لواء((UNI وهذا ما يؤدي إلى الانعكاسات السلبية التالية:

- عدم احترام الحد الأقصى من ساعات العمل في هذا القطاع والمحددة ب 40ساعة أسبوعيا، وقد نجد في تونس بعض المراكز التي تتجاوز الـ 50 ساعة في الأسبوع.
- ندرة الهيئات النقابية.
- ضرب حرية العمل النقابي في بعض المؤسسات.
- العمل بشكل متواصل يصل إلى 10 ساعات في اليوم أمام الحاسوب وبالهاتف وفي فضاءات مكتظة دون مراعاة شروط الصحة والسلامة المهنية في هذه الفضاءات.
- غياب التغطية الإجتماعية في عدة مراكز.
- عقود شغل هشة.
- استعمال نظام التسعيرة بالساعة.
- غياب وقت عمل محدد ومعروف مسبقا.

إن جملة هذه الانعكاسات جعلت من العمال يعانون من الإرهاق السمعي والذهني والبصري والاضطراب أثناء النوم وألام الرأس والاضطرابات الهضمية والقلق وعدم تحقيق الذات وفقدان المشاعر والانهيار العصبي... وهذا ما جعل أفواجا كبيرة تغادر هذه المهنة.

وبالرغم من والتأطير النقابي النادر وجوده في هذه المؤسسات فقد حاولت النقابات الأساسية الموجودة طرح هذه المشاكل والهواجس وخيضت تحركات وإضرابات اضطر على إثرها عديد الأعراف إلى تحسين ظروف العمل، ولكن يبقى السلوك السائد في أغلب المؤسسات هو تأبيد الأوضاع سالفة الذكر وضرب أي محاولة للتنظيم النقابي، إضافة إلى عدم التنسيق بين النقابيين واختلاف وجهات النظر التي قد تصل حد التناقض في أسلوب العمل وكيفية طرح المطالب بما أثر سلبا على الإنغراس النقابي وتراكم المشاكل المهنية والاجتماعية في هذا القطاع.

* مقترحات

إن التصدي للظروف البائسة التي يعمل فيها أعوان "مراكز النداء" يتطلب رؤية متبصرة للقطاع وبحث جماعي عن الحلول وتوحيد الرؤية بخصوص كيفية طرح المطالب ويمكن أن نوجز فيما يلي:

- معرفة دقيقة بظروف العمل داخل القطاع عموما وفي كل مؤسسة بصفة خاصة.
- رفع نسبة الانتساب النقابي.
- التنسيق بين النقابات الأساسية الموجودة.
- تطوير التكوين للمسؤولين النقابيين من أجل ضمان نجاعة أكبر.
- التنسيق بين نقابات مختلف فروع هذه الشركات إقليميا ودوليا، وتبادل التجارب والخبرات.
- الدفاع عن استقلالية النقابات الموجودة ضد أي محاولات للهيمنة.

إن مثل هذه الخطوات قد تساهم في تطوير إمكانية إيجاد ظروف ملائمة للعمل في هذا المجال بإمكانها التخفيف من حدة استغلال اليد العاملة التي ينتسب أغلبها لفئة الشباب، وبالرغم من الظروف القاسية الحالية، يبقى الشغل في "مراكز النداء شرا لا بد منه بالنظر إلى الحالة المزرية التي يعيشها شباننا اليوم من بطالة خاصة المتخرجين منهم.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني