الصفحة الأساسية > البديل الوطني > الدكتاتورية تحتفل على طريقتها
اليوم العالمي لحرية الصحافة 3 ماي:
الدكتاتورية تحتفل على طريقتها
حزيران (يونيو) 2008

المسؤولان الرئيسيان لجريدة "الموقف" المعارضة يشننان إضرابا عن الطعام بسبب مواصلة السلطة تعطيل الجريدة بعديد الألاعيب، الصحفي سليم بوخذير محكوم عليه بالسجن بتهم ملفقة، عشرات مطالب تأسيس إذاعات وقنوات تلفزية و دوريات و صحف مرمية في سلة المهملات في وزارة الداخلية، استهداف متواصل لصحفيي قناة "الحوار التونسي" و جرائد "مواطنون"و"الموقف"(...)، مجلة الصحافة مازالت متخلفة، مراقبة مشددة للمواقع الإلكترونية، مئات الصحفيين يعيشون بؤسا اجتماعيا في مؤسساتهم، آليات التشغيل هشة و غير قانونية للخريجين من الإعلاميين، مئات من الخريجين دون شغل، حرمان من الحق في الإعلام و المشاركة في المؤسسات الإعلامية العمومية(...)

هكذا احتفلت الدكتاتورية النوفمبرية باليوم العالمي لحرية الصحافة في تونس مؤكدة مرة أخرى رفضها بل و عدائها لكل إمكانية تأسيس إعلام حر و نزيه.

و معلوم أن الحق في الإعلام -بما هو حرية استقبال الخبر و بثه دون قيد أو شرط- مضروب في بلادنا. فالدكتاتورية تواصل سعيها المحموم للتحكم القسري و المدروس في منافذ تقبل و ترويج المعلومة، ذلك أن المؤسسات الإعلامية العمومية باتت حكرا على "التلاميذ النجباء" من الذين يستعملون طاقاتهم كأبواق دعاية "لمنجزات" الرئيس و نظامه و "المكاسب" التي حققها، أما المغضوب عليهم من أفراد أو مجموعات فهم محرومون من التمتع بحقهم في مؤسسات الإعلام العمومية.وتكوين مؤسسة إعلامية خاصة حكر على "المحظوظين" من المقربين من العائلات النافذة في بلادنا. في المقابل، فإن المستقلين الذين تجرؤوا وأسسوا منابر مستقلة فإما أنهم يحرمون من حقهم في العمل القانوني و التمويل العمومي أو أنهم يتعرضون للملاحقة و الإيقاف و الضرب و السجن و التشويه... والدكتاتورية لا تتوانى في أن تتحدث بكل وقاحة عن نفسها بأنها راعية للحريات الصحفية والصحفيين و أنها تؤمّن وضعا سياسيا و اجتماعيا جيدا لممارسة المهنة

لكن الواقع يفند هذه الأكاذيب، فمجلة الصحافة التي وضعتها السلطة بمثابة سيف مسلط على رقاب المؤسسات الإعلامية و الصحفيين و أصبحت تهم الثلب الموجهة ضدهم تعد بالمئات، و إلى الآن يسجل أهل المهنة و عديد الهيئات الإعلامية بما فيها المقربة إلى السلطة تذمرا تهم .من هذا الوضع ويطالبون بضرورة تغيير هذه المجلة...

و في الوقت الذي تتبجح فيه السلطة و تؤكد التزامها بعدم التدخل في شؤون المؤسسات الإعلامية و أنها لا تسلط أي رقابة لا من بعيد أو من قريب لا على الصحفيين أو مؤسساتهم، فالعكس هو يظهر جليا من خلال الدراسات العلمية والتقارير التي أصدرتها عديد الهيئات الحقوقية في تونس حول حرية الصحافة(نقابة الصحفيين، رابطة حقوق الإنسان...) و في هذا المستوى يؤكد العديد من الإعلاميين أنهم يتعرضون إلى عدة أنواع من الضغوطات تمنعهم من ممارسة مهنتهم بشكل طبيعي(عريضة صحفيي لابراس مؤخرا...)

إضافة إلى ذلك، فإن العين المجردة ترصد مليا الضغط المالي الذي تمارسه الدكتاتورية على عديد الدوريات و الصحف و المجلات من اجل تعطيلها ولم لا إبطالها (حرمان جرائد "الموقف"، "مواطنون"، أخبار الجمهورية من الدعم العمومي، استعمال القضاء...)، دون أن ننسى الملاحقات والتعنيف والإيقافات التي يتعرض إليها عديد الصحفيين بسبب أقلامهم و أصواتهم المستقلة(فريق قناة الحوار التونسي...).

الجانب الآخر الذي لا يقل أهمية عن المسألة السياسية هو الجانب الاجتماعي، فالنظام لا يخجل عندما يؤكد على إعانته للإعلاميين اجتماعيا، و قد فند الواقع هذه الكذبة أيضا من خلال تذمرات وبيانات و عرائض العشرات من الذين يعملون في مؤسسات إعلامية عمومية وخاصة في ظروف أقل ما يقال عنها أنها بائسة(مؤسسة الإذاعة و التلفزة التونسية، الشروق...)، فالعديد يعمل منذ سنوات طويلة بلا أية ضمانات اجتماعية أو عقود تضمن انه يشتغل بشكل طبيعي ومحافظ على حقوقه.

كما أن عديد الصحفيات والصحفيين لا يستطيعون ممارسة مهنتهم بحرية و هم دائمو الخوف بسبب تورطهم في قروض لمجابهة مصاريف الحياة و التي تبقى كالخنجر المسلط على الرقاب، فيبقى الصحفي دون إبداع، خائفا من الحرية، هذا إن لم نقل اضطراره في عديد من الأحيان إلى التورط في علاقات مشبوهة من اجل توفير المال لمواجهة الصعاب وإطعام عائلته.

صيحة فزع أخرى يجب إطلاقها في هذا المستوى، بخصوص جيش المتخرجين من المعاهد المختصة في الإعلام وخاصة معهد الصحافة وعلوم الإخبار الذي يقوم "بلفظ" المئات كل سنة، و هم الآن مثل زملائهم عرضة إلى كل أنواع الانحراف والتطرف بما أنهم محرومون من حقهم في الشغل... والمضحك في الأمر، أن بعض جرائد المعارضة –ومنها الجدية- وخصوصا من تتلقى الدعم العمومي و التي تنتقد سياسات الدولة في موضوع تشغيل أصحاب الاختصاص، هي بدورها تمارس نفس هذه الممارسة المتخلفة بل و تذهب أكثر من ذلك من خلال تشغيل من اصطلح على تسميتهم بـ"الدخلاء"...

هكذا إذن احتفلت الدكتاتورية باليوم العالمي لحرية الصحافة: قمع سياسي وحيف اجتماعي. و لا نخال الصحافيين الصادقين سيبقون مكتوفي الأيدي، بل إن واقعا مترديا مثل الذي يعيشونه الآن سيجعلهم يحركون أقلامهم في عديد الأطر و أصواتهم لمواجهة الدكتاتورية و الرجعية والاقتراب أكثر من هموم الشعب التونسي الذي مازال يتوق إلى إعلام حر يشفي غليله.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني