الصفحة الأساسية > بديل الشباب > الشباب يُقاطع المهزلة الانتخابية
الشباب يُقاطع المهزلة الانتخابية
23 تشرين الأول (أكتوبر) 2009

يستعدّ نظام بن علي لإجراء مهزلة انتخابية أخرى يوم الخامس والعشرين من هذا الشهر وسط لامبالاة تامة من الشعب التونسي وخاصة الشباب الذي كان ولازال من أكبر المتضررين من 22 سنة من حكم بن علي، وسيكون من أكبر المتضررين من تواصل نظامه وبقائه في الحكم رئيسا مدى الحياة. فحصيلة عقدين من "العهد الجديد" لم تقدم للشباب سوى المزيد من البطالة والتهميش والقمع وأصبح الشباب من جرائها، أكثر من أيّ وقت مضى، فئة مفقرة تنهشها الآفات الاجتماعية من انحراف ومخدرات وهجرة سرية، ومعرّضة لأبشع أنواع الاستغلال واضطهاد البوليس ومحرومة من أبسط الحقوق والحريات وآفاقها مسدودة وطاقاتها مكبلة ومصيرها ليس بيدها.

وإذ لم يفلت الشباب من دفع فاتورة الاستبداد السياسي على غرار عموم الشعب التونسي، فقد كان نصيبه منها الأكبر، فهو نتيجة لهشاشة أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية وتدهور تعليمه وثقافته نتيجة سياسات الدولة واستضعافه والتعسف به أكثر من غيره من طرف السلطة والبوليس (طرد من الدراسة، حرمان من العمل، الاعتقال والتعذيب، الرافل...) أصبح الفئة الأكثر إقصاء من الحياة السياسية والشأن العام ويكفي القول أن الإحصائيات الرسمية تقر بأن أكثر من 72 بالمائة من الشباب التونسي غير منخرط في أحزاب أو جمعيات بسبب الخوف من "العواقب الوخيمة" للعمل السياسي أو الجمعياتي.

إن عزوف الشباب عن الشأن العام ليس بسبب "اهتمامه بأولويات أخرى" أو بسبب "عدم قدرة الأحزاب والجمعيات على استقطابه وافتقادها للبرامج الموجهة له" كما تدّعي السلطة بل هو نتيجة مباشرة للنظام البوليسي لبن علي واستبداده بالشعب عموما وبالشباب خصوصا. والقرارات الشكلية التي اتخذها نظام بن علي للإيهام بمعالجة هذا الوضع من قبيل التخفيض في سن الترشح للبرلمان إلى 23 سنة، والتخفيض في سن الانتخاب إلى 18 سنة ليست سوى إجراءات صورية الهدف منها ذرّ الرماد في العيون ولن تؤدي إلى إقبال الشباب على العمل السياسي ما دام الاستبداد قائما.

ومن الواضح للعيان أن الشباب التونسي، لا يعلّق على هذه الانتخابات أية أوهام، بل أنه يدرك حق الإدراك أنها ليست سوى مسرحية الهدف منها إضفاء شرعية على الرئاسة مدى الحياة وتعدّدية شكلية على مؤسسات صورية ليس لها من دور سوى تزكية قرارات بن علي المعادية لمصالح الشباب والشعب. والشباب التونسي ينظر بعين الاستهجان لا فقط لنظام بن علي وحزبه بل أيضا لكل من يتورط في هذه المخادعة من قوى المعارضة ويضعهم في نفس الخانة.

ومن المؤكـّد أن الشباب التونسي سيقاطع هذه الانتخابات. لكن لا بدّ من الإقرار بأن هذه المقاطعة يغلب عليها إلى حد الآن الطابع السلبي، فهي نابعة من فقدانه الثقة في نظام بن علي وفي تأكده أن أوضاع الشباب لن تتحسن تحت حكمه ولكنها أيضا محكومة بنوع من انسداد الأفق وافتقاد البدائل وغياب الثقة في المعارضة المشاركة في هذه المهزلة.

إن الشباب التونسي على وعي بأن أوضاعه في ظل حكم بن علي تسير من سيء إلى أسوأ بسبب السياسات اللاشعبية وبسبب الفساد المستشري في البلاد والنهب الذي تمارسه العائلات المقربة من بن علي. ويعبّر الشباب عن قلقه واستيائه من هذه الأوضاع بطرق مختلفة (غناء، كاريكاتور، نكت...) كما أنه لا يتردّد عن الاحتجاج في الشارع كلما سنحت له الفرصة بذلك (اعتصامات، إضرابات جوع، مظاهرات...) وقد يصل الأمر إلى حدّ التضحية بالحياة من أجل إيصال صوته مثلما حصل في انتفاضة الحوض المنجمي.

ولم تفلح محاولات المشاركين في المهزلة الانتخابية في جرّ الشباب وإقناعه بضرورة المشاركة في هذه المهزلة رغم الشعارات البراقة التي تحاول من خلالها إيهامه بأن أحواله يمكن أن تتغير بواسطة المشاركة في مثل هذه المهازل الانتخابية.

ومن البديهي أن مقاطعة المهزلة الانتخابية غير كافية للتخلص من الاستبداد وتعبيد الطريق نحو بناء مجتمع جديد خال من التعسف ومن الحيف الاجتماعي، إذ لا بد من مواصلة النضال دون هوادة ضد نظام بن علي. ومن واجب القوى الديمقراطية والثورية التوجه للشباب لإنارة السبيل أمامه وتسليحه بالبدائل الحقيقية وببرنامج ملموس وبالأطر التنظيمية الضرورية لترجيح الكفة لصالح الشعب. فالشعب التونسي كلما وجد البرامج والقوى الملتحمة به والمدافعة عن مصالحه إلا وقطع مع السلبية وهبّ إلى النضال ضد جلاديه ومصاصي عرقه. والشباب التونسي كان دائما بمثابة الدم الحيّ الجاري في شرايين تلك الهبات وطليعتها المتقدمة وقوتها الضاربة ولنا في شباب الرديف وباقي مدن الحوض المنجمي خير دليل على ما يمكن للشباب التونسي أن يقدمه حينما يدخل إلى حلبة النضال.

إننا في حزب العمال وفي اتحاد الشباب لا نتوجه إلى الشباب التونسي لنضلله ونزرع الأوهام في ذهنه حول نظام بن علي ومهزلته الانتخابية التي يعدّ لها، ولا نلهيه باللغو الفارغ حول مفاهيم "ثقافة المشاركة" و"توسيع الهامش" و"تدعيم ركائز المواطنة" في واقع تنسف فيه هذه المفاهيم يوميا وتصبح بذلك مجرد شعارات جوفاء لتزويق الاستبداد والقمع وتبرير مهادنته والتخاذل في التصدي له والتمعـّش من فتاته، بل إننا نتوجه إليه وللشعب عموما ونحن نحمل وعيه ونلتحم بمصالحه ونعادي جلاديه ولا نتواطأ معهم ونناضل في صفوفه ونخاطبه بوضوح ولا نتخفى وراء الكلام والشعارات الطنانة والجوفاء ونرفع شعاراته ومطالبه ولا نساوم بها مقابل المكاسب الشخصية ولحس الفتات.

ونحن لا نكتفي بالدعوة إلى مقاطعة المهزلة الانتخابية بل نقدم للشعب التونسي البدائل الحقيقية ونقترح عليه البرامج والمطالب الملموسة في كافة المجالات ونسلحه بالأطر والأشكال الكفيلة بتحقيق هذه الأهداف، وندعوه إلى النضال الشعبي الواسع حتى يكنس نظام الاستبداد والقمع والمافيا ويفتح الأفق واسعا للحرية والانعتاق والعدالة والتقدم.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني