الصفحة الأساسية > البديل النقابي > القاعدة القانونية للتلاعب بمصالح القواعد النقابية
وجهة نظر - قراءة نقدية للنظام الداخلي للاتحاد العام التونسي للشغل:
القاعدة القانونية للتلاعب بمصالح القواعد النقابية
30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2007

محمد عمامي

يمثل هذا النص مساهمة أولى من ضمن سلسلة من الملاحظات التي سأتناول فيها بعض مواطن الغلو في المركزية، التي تخول لبارونات البيروقراطية النقابية أن يتحكموا في مصير القاعدة العريضة للإتحاد العام التونسي للشغل.

ومرّة أخرى أدعو الرفاق إلى إعطاء المسألة حظها من النقاش باعتبارها إحدى أخطر المسائل المطروحة على الساحة الاجتماعية والسياسية تناسبا مع حجم الاتحاد العام التونسي للشغل في تلك الساحة.

ولا نرى سبيلا للإطاحة بالحلف الذي يربط البيروقراطية النقابية بالبوليس إلا بتجريدها (هي هذه المرة) من آليات سلطتها ونسف قاعدتها القانونية، ووضع أسس تنظيمية جديدة للنقابات تقوم على الاستقلالية واللامركزية الديموقراطية.

وسأكتفي طبعا بأهم الفصول القانونية التي تصادر القرار القاعدي والقطاعي وتكرّس استبدال هياكل القرار الشرعية بهياكل التنفيذ. وتخص ملاحظات هذا النص الأول مسألة الإنخراطات.

من يخرّط النقابيين

حسب الفصل الثالث من الباب الثاني المعنون ب"الإنخراط"، يتم التخريط : "عبر النيابة النقابية أو النقابة الأساسية أو الإتحاد المحلي، وإن تعذر ذلك فعن طريق النقابة الجهوية أو الفرع الجامعي أو الإتحاد الجهوي أو الجامعة أو النقابة العامة..." وإذا كان من المنطقي أن ينتمي المنخرط إلى نقابة أساسية عند تواجدها (توفر 50 عضوا على الأقل) أو إلى نيابة، وفي كل الأحوال إلى هيكل قطاعي من القطاعات المنضوية تحت الاتحاد العام التونسي للشغل، فإن الانخراط عبر الهياكل المركزية وخصوصا هياكل التنفيذ مثل المكاتب التنفيذية الجهوية أو المحلية واللجان التي يفوّضها المكتب التنفيذي الوطني له معنى واحد ألا وهو التحكم في النيابات من قبل البيروقراطية النقابية التي تتفنن في استثمار هذه الصلاحيات لتخرج على المؤتمرين بنيابات وهمية تمثل منخرطين تم تخريطهم فجأة وبصورة جماعية بين ليلة وضحاها.
ولا زلت أذكر ما شهدته بمناسبة المؤتمر الجهوي بسيدي بوزيد المنعقد قبل مؤتمر جربة (2002) حين تفتقت ملكة المناورة لدى رجال الجهاز على شراء ذمم بياعي الحلفاء ممن لا علاقة لهم باتحاد الشغل ولا بالشغل المأجور أصلا. فهم فلاحون يضطرهم موسم الجدب إلى قلع الحلفاء وبيعها. وفي ما عدا 10 عمال حراسة موزعين على مجمعات (مناشر) الحلفاء عبر الولاية، ليس هنالك منخرطين فعليين بهذا القطاع.

وبعملية بهلوانية قام بها الاتحاد الجهوي، أصبح قطاع الحلفاء يحتوي على 360 مخرطا ممثلين بأكبر قدر من النيابات في الجهة متجاوزا قطاعي التعليم الابتدائي والثانوي أكبر قطاعات الجهة؛ وهو ما حسم نتيجة الإنتخابات لصالح مرشحي البيروقراطية.

زد على ذلك أن قسم النظام الداخلي هو المتحكم الفعلى في الإنخراطات وهو من يقرر للنقابات عدد منخرطيها وأسمائهم. وبذلك يحسم النتائج مسبقا، وبعدها يصمّون آذاننا بالتشدق بالديموقراطية.

الإنخراط بالخصم الآلي

ورد في النقطة ب 4 من نفس الفصل: "ينبغي العمل على اعتماد الإنخراط بواسطة الخصم المباشر كلما أمكن ذلك..." وهو ما يبدو للبعض أمرا إيجابيا بوصفه يسهل عملية جمع الانخراطات ويوفر أموالا أكثر للإتحاد العام التونسي للشغل ويساعد على تعزيز عدد المنخرطين.

ولكن هؤلاء لا يحددون لمصلحة من تضخ تلك الأموال، وما نصيب النقابات منها وهل تجدها عندما تحتاجها في تمويل نشاطاتها أم على العكس تجدها تحت تصرف أعدائها الذين يستعملونها ضدها. إن مبالغ أقل تجمعها النقابات وتتصرف في القدر الأعظم منها سيكون أنفع بما لا يقاس وسيكون من السهل على المنخرطين محاسبة هياكلهم المتصرفة فيها وتوجيهها الوجهة الصحيحة عوضا عن ملء جيوب المرتشين إضافة إلى أن نقابات تقوم بنفسها بحملات التخريط السنوية تظل أصلب وأقوى بالتصاقها بمنخرطين فعليين لا بزبائن البيروقراطيين.

وليست البيروقراطية النقابية وحدها من يتحكم في مالية النقابات بواسطة الخصم المباشر بل السلطة أيضا. فكلنا يعلم كم من الشباب الذين يمضون الالتزام وراء الالتزام قصد الانخراط ولا من مجيب. فالإدارة تقتطع معلوم الانخراط ممن تريد ونتجاهل من تريد. وكم من مناضل نقابي فوجئ قبل مؤتمر هيكلته بالكف عن اقتطاع معلوم انخراطه وأسقط إذن من قائمة المنخرطين ومن ثمّ من النواب والمرشحين، وهو مربط الفرس.

إن التحكم في الانخراطات ليس فقط تحكم في الموارد المالية ونهبها بل أكثر من ذلك، تحكم في قرار القطاعات ومصادرة استقلاليتها ووضعها تحت رحمة الإدارة من جهة والبيروقراطية النقابية من جهة أخرى.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني