الصفحة الأساسية > البديل الوطني > القضاة يطالبون باستقلاليتهم رغم شدة الضغوط
بمناسبة المؤتمر العاشر لجمعية القضاة:
القضاة يطالبون باستقلاليتهم رغم شدة الضغوط
10 كانون الثاني (يناير) 2005

انعقد يوم 12 ديسمبر الماضي المؤتمر العاشر لجمعية القضاة التونسيين تحت شعار "دعم استقلال السلطة القضائية أساس العدالة". وقد سبق هذا المؤتمر جدل واسع في الأوساط القضائية حول مشروع القانون الأساسي للقضاة الذي تقدمت به السلطة التنفيذية والذي اعتبره أغلب القضاة بعيدا كل البعد عن الاستجابة لمطالبهم الأساسية المعنوية والمادية بل اعتبروه مجرد احتواء لتلك المطالب لإفراغها من مضمونها الأساسي.

ولقد جاءت لائحة المؤتمر لتعكس الوضع الصعب الذي يواجهه القضاة التونسيون وخاصة منهم أولئك الذين يطمحون إلى تحقيق استقلالية السلطة التي يمثلونها والتخلص من نير السلطة التنفيذية التي تستعملهم أداة لإضفاء صبغة قضائية على جورها وعسفها.

لقد خصص تقريبا شطر اللائحة الأول لكيل المديح لـ"سيادة رئيس الجمهورية" وتثمين "دعمه المتواصل لجمعية القضاة وللعناية المادية والمعنوية التي يوليها للقضاء" والتنويه "بما عرفته منظومة حقوق الإنسان بمختلف مكوناتها من دعم وتطوير تشريعا وتطبيقا في عهده". أما الشطر الثاني فقد خصص لتقديم مطالب القضاة. والمتمعن في هذا الشطر وما احتواه من مطالب يتبادر إلى ذهنه مباشرة السؤال التالي: إذا كانت كل المشاكل المادية والمعنوية التي يثيرها القضاة ويصيغونها في مطالب لا تزال قائمة، فهل يستحق بن علي كل ما جاء في الشطر الأول من اللائحة من مديح وإطراء؟!

لقد أثارت اللائحة مسألة استقلالية القضاء برمتها من خلال المطالبة بالتنصيص ضمن مشروع القانون الأساسي للقضاة بصفة صريحة على وضعهم كسلطة وذلك ملاءمة لنص الدستور، و"توسيع قاعدة الانتخاب في تركيبة المجلس الأعلى للقضاء مع ضبط كيفية ترشح وانتخاب أعضائه وتنظيم إدارته وتطوير آليات عمله بما يكفل مشاركة أعضائه بصفة فعالة" و"اعتماد نظام الترقية الآلية وفتح آفاقها" و"التأكيد على مبدأ عدم نقلة القاضي إلا برضاه" و"تمتيع القضاة بسلم أجور مستقل ومتحرك يتماشى وخصوصية العمل القضائي" إلخ…

إن هذه المطالب تعكس في حقيقة الأمر حالة القضاء المتردية في تونس. فهو قضاء غير مستقل. ولا يتمتع العاملون فيه بالشروط المادية للقيام بمهنتهم. وإذا أردنا أن نفهم سبب التناقض السافر بين الشطر الأول والشطر الثاني من اللائحة فينبغي إرجاعه إلى ما سلط من ضغوط على مؤتمر جمعية القضاة من قبل الوزير البشير التكاري وأعوانه في كافة المستويات حتى لا تخرج عن الطاعة. ففي الأنظمة الدكتاتورية يعتبر البدء بالثناء على الدكتاتور أو الحاكم الفردي المطلق في أي خطاب، فريضة لا بد منها، يحرص "الخدم" بكافة مستوياتهم من الوزير إلى الموظف البسيط، على أدائها كما يحرص المسؤولون على إلزام منظوريهم بأدائها ولا يتورعون عن افتكاك كلمة مديح أو تأييد من هذ الحزب أو ذاك أو من هذه الجمعية أو تلك ليقدموها إلى "ولي النعمة" الذي يقوّم أداءهم وفقا لدرجة ولائهم وليس كفاءتهم.

ونحن في حزب العمال إذ نحيي النفس الديمقراطي المتطور باطراد في صفوف القضاة التونسيين وشعورهم المتزايد بالغبن إزاء حالة "الأداة الطيعة" التي يضعهم فيها نظام بن علي البوليسي لتوريطهم في قمع الحريات وانتهاك حقوق الإنسان وسلب أحوال الناس وممتلكاتهم، فإننا نود إبداء الملاحظات التالية:

أولا: إن استقلالية القضاء بشكل فعلي وحقيقي غير ممكنة في ظل نظام دكتاتوري بوليسي كالذي يحكمنا لأن السلطة، كامل السلطة، في مثل هذا النظام توجد بيد الحاكم المطلق، وبيد جهاز البوليس الذي يستند إليه لإخضاع بقية أجهزة الدولة بما فيها الجهاز القضائي.

ثانيا: إن القضاء المستقل الذي يلتزم بالقانون في أحكامه ويلزم الجميع بمن فيهم الذين يتولن أعلى المناصب في الدولة، باحترامه هو جزء لا يتجزأ من النظام الديمقراطي الذي تحتل فيه كل سلطة من السلط الثلاث مكانتها الطبيعية، بل تحتل فيه السلطة التنفيذية المرتبة الأخيرة حيث تكون، وهذا أمر بديهي ديمقراطيا، تحت مراقبة السلطتين التشريعية والقضائية، بينما هي تحتل في الأنظمة الدكتاتورية المكانة الأولى وتتمتع بدور مطلق في تسيير شؤون البلاد وتخضع بقية السلطات لها.

ثالثا: إن النضال من أجل استقلالية القضاء يمثل جزءا لا يتجزأ من النضال الديمقراطي العام في بلادنا. فاستقلالية القضاء ليست مطلب القضاة وحدهم بل هي مطلب كل القوى السياسية والنقابية والحقوقية التي تنشد الحرية والديمقراطية والعدل فهي نقطة قارة في مطالبها وبرامجها لقناعتها بأنه لا ديمقراطية دون قضاء عادل ومستقل.

رابعا: إن مصلحة القضاة، عدا الفئة القليلة الفاسدة منهم التي يستعملها بن علي لتكسير إرادة القضاة أنفسهم، تكمن في الالتحام ببقية القوى الديمقراطية في البلاد من أجل تحقيق التحول الديمقراطي المنشود الذي يوفر الظروف المناسبة لقيام قضاء عادل ومستقل. إن للقضاة في تجربة "جمعية القضاة الشبان" التي ربطت الصلة في نشاطها ببقية مكونات المجتمع المدني، قبل حلها عام 1985 عندما كان بن علي يشغل وزيرا للداخلية في حكومة بورقيبة، خير مثال على ذلك. فقد خرج القاضي في تلك التجربة من "برجه العاجي" ليحتك بقوى المجتمع المدني ويستمع إلى نقدها لجهاز القضاء ولمنظومة القوانين المعمول بها ويفكر معها في سبل الارتقاء بدور القاضي في المجتمع.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني